الانكماش يُحاصر الاقتصاد ومستويات الفقر مستمرة بالارتفاع

سوليكا علاء الدين

مع تفاقم سلسة أزمات لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية، تتوسّع دائرة الفقر أكثر فأكثر بحيث لم تعد تنفع أجراس الانذارات والتحذيرات بعد رزوح ثلاثة أرباع اللبنانيين تحت فقر متعدّد الأبعاد وفي ظل غياب واضح لكل الخطط الفاعلة من أجل تأمين الحماية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر فقراً. تحت عنوان “آفاق الفقرِ في العالم”، توقّع البنك الدولي في أحدث تقرير له أن ينكمش النمو الاقتصادي بنسبة 0.5 في المئة في العام 2023 بعد انكماش بلغ 2.6 في المئة في العام 2022 وهو اتجاه من المُفترض أن يستمرّ في العام 2023 وسط استمرار غياب الاصلاحات الهيكليّة. وعلى الرغم من سلبيّة الأرقام، غير أنّها تُعتبر أفضل من التوقعات السابقة التي أشارت إلى انكماش بنسبة 5.4 في المئة ويعود ذلك إلى تحسّن أداء بعض المؤشرات الاقتصادية في لبنان أبرزها تلك المتعلقة بالقطاع السياحي.

وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أنّ انكماش الناتج المحلي الاجمالي خلال الفترة 2018 – 2022 قد أدّى إلى تآكل أكثر من 15 عاماً من النمو الاقتصادي، مضيفاً: انّ سعر الصرف واصل مساره الانحداري خلال العام 2022 مسجّلاً معدلات تضخّم ثلاثية الأرقام تخطّت الـ100 في المئة وبالتالي تدهور القوة الشرائية لذوي الدخل بالليرة اللبنانية. كما لفت البنك إلى أنّ لبنان لا يزال يعاني من فراغ مؤسساتي عميق، وسط الاخفاق في انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ شهر تشرين الأول 2022 مع وجود حكومة تقوم بتصريف الأعمال. وكشف التقرير أن الفشل في حل مشكلة خسائر القطاع المالي المقدرة بنحو 72 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الاجمالي لعام 2021، عمّق أثر الأزمة وزاد من تفاقمها بحيث يتحمّل الفقراء العبء الأكبر مع استمرار ارتفاع مستويات الفقر. وفي هذا الاطار، أظهر مسح جديد أنّ ثلاث أسر من بين كل خمس تصنّف نفسها بأنها فقيرة أو فقيرة جدّاً خصوصاً تلك التي لا تتلقّى أيّة تحويلات مالية من الخارج. وفي السياق، أشار التقرير إلى أنّ نسبة كبيرة من السكان تعمل في وظائف منخفضة الجودة، على الرغم من ارتفاع معدلات التوظيف.

أمّا على صعيد المالية العامة، فقد سجّل لبنان فائضاً ماليّاً ضيّقاً بلغ حوالي 0.3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2022، بحيث تقلّصت النفقات بوتيرة أسرع من الايرادات. وبتفاصيل الأرقام، انخفضت الايرادات الحكومية من 13.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020 إلى 6.0 في المئة في العام 2022 مُسجّلة واحدة من أدنى المعدّلات على مستوى العالم، بالتزامن مع تقلّص النفقات بنسبة 16.4 نقطة مئوية إلى 5.7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2022. من ناحية ثانية، لفت البنك إلى أنّه على الرغم من تدخلات مصرف لبنان الكبيرة في سوق الصرف الأجنبي، بلغ متوسط سعر الصرف في السوق السوداء 31102 ليرة لبنانية للدولار الأميركي خلال العام 2022. وأوضح التقرير أنّ العملة المحلية فقدت بحلول شباط 2023، أكثر من 98 في المئة من قيمتها قبل الأزمة، متجاوزة 80 ألف ليرة لبنانية لكل دولار أميركي، في ظل ظاهرة تعدّدية سعر الصرف، مُشيراً إلى تعديل سعر الصرف الرسمي من 1.507.5 ليرة لبنانية إلى 15000 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي في خطوة هي الأولى من نوعها منذ العام 1997.

وفي ما يتعلّق بالتضخم، قدّر البنك الدولي أن يبلغ متوسط تضخم الأسعار 171.2 في المئة عام 2022 مدعوماً بصورة أساسية بزيادة أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 240 في المئة. بالاضافة إلى ذلك، توقّع التقرير أن يُسجّل متوسط التضخم 165 في المئة عام 2023، لافتاً إلى نضوب احتياطيات النقد الأجنبي، إذ تقلّصت بمقدار 22.75 مليار دولار منذ بداية الأزمة إلى 15.19 مليار دولار (بما فيها سندات حكوميّة بالعملة الأجنبيّة بقيمة 4.80 مليارات دولار) في نهاية العام 2022. وفي الختام، قال البنك الدولي إنّ لبنان لا يزال يعاني من عجز في الحساب الجاري. فبالأرقام أيضاً، زادت الواردات بنسبة 39.7 في المئة في العام 2022 لتقترب من مستوى ما قبل الأزمة البالغ 19 مليار دولار بينما تقلّصت الصادرات بنسبة 10.2 في المئة. وأرجع التقرير الزيادة في الواردات إلى الارتفاع المتوقّع في الرسوم الجمركية بحلول نهاية العام 2022.

بين انكماش اقتصادي متواصل ومعدلات تضخم غير مسبوقة وسقوط مدوٍّ للعملة الوطنية وانخفاض للقدرة الشرائية، لا يزال لبنان محاصَر بوابل من الأزمات المستفحلة والمواطن عالق في دوامة العوز والحرمان. أربع سنوات من الانهيار كانت كفيلة بضرب بنية الاقتصاد وإيقاف عجلة نموّه وإغراق الشعب في مستنقع الفقر الذي بات يُحكم قبضته على رقاب اللبنانيين.

شارك المقال