بين احتدام السياسة وآمال السياحة… لبنان يترقّب

سوليكا علاء الدين

على وقع استمرار التخبط السياسي واحتدام المعركة الرئاسية، يستعد لبنان لاستقبال موسم سياحي صيفي واعد آملاً في أن تشكّل زيارة المغتربين اللبنانيين والسياح الأجانب رافعة معنويّة وماديّة للاقتصاد المُتداعي الذي يشهد إنكماشاً مُتواصلاً لعجلة النمو نتيجة أزمة مُستفحلة وانهيار غير مسبوق طاول مختلف القطاعات الحيوية ومن ضمنها القطاع السياحي. فعلى مدى سنوات طويلة، شكّل القطاع مدماكاً أساسياً في بنية الاقتصاد اللبناني بحيث صنّف من بين القطاعات الاقتصادية الرائدة نظراً الى استحواذه على ما يقارب الـ25 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلد المُثقل بالأزمات والذي يأمل في تحقيق إيرادات سياحية بقيمة 9 مليارات دولار في نهاية العام 2023.

وعلى الرغم من تواصل موجات التضخم والغلاء التي تضرب غالبية السلع والخدمات و”دولرة” معظم القطاعات وارتفاع أسعار المحروقات وصعود سعر الصرف إلى مشارف الـ100 ألف ليرة للدولار الواحد مقابل 30 ألفاً العام المُنصرم، الا أنّ حجوزات الطيران “مفوّلة”، وهناك جدول رحلات اضافية بحيث تُشير الأرقام المُتوقّعة إلى أنّ ما يقارب الـ90 رحلة سوف تصل إلى لبنان بصورة يومية وعلى متنها حوالي 12 الى 15 ألف شخص. وساهم تدهور العملة الوطنية مقابل الدولار في جعل البلد واحداً من البلدان السياحية الأرخص في العالم نتيجة تدني أسعار مختلف الخدمات السياحية المُقدّمة، وبالتالي في جذب الكثير من الوافدين لا سيّما أصحاب العملات النقدية الصعبة.

إذاً، القطاع السياحي بات على أتمّ الجهوزية بعدما أعدّ العدّة لموسم من المُتوقّع أن يكون أفضل من العام 2022، لكنه لا يُخفي حالة الترقّب والحذر ويخشى الانتكاسات والصدمات المُفاجئة التي قد “تُطيّر” الموسم المُرتقب وتقضي على كل التمنيات المرجوّة، وأبرزها الصراع الرئاسي والفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبالتالي التخوّف من عودة مظاهر الانفلات والشغب وتهديد الاستقرار والسلم الأمني الذي يلعب دوراً بارزاً في استقطاب الزوّار والسياح. فعدم الاستقرار السياسي والأمني سوف يؤدّي إلى إلغاء العديد من الحجوزات وتفضيل الكثير من المُصطافين إعادة النظر في المجيء إلى لبنان وربّما تغيير وجهتهم السياحيّة نحو أماكن أكثر أمناً واستقراراً.

وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية ومع الشلل الذي يصيب قطاعات الدولة ومؤسساتها، يعيش القطاع السياحي أجواء إيجابية وتنشط حركته مخففاً من وطأة الإنهيار الذي يشهده لبنان. ولا شك في أنّ الايرادات السياحية المُرتقبة سوف تُساعد الاقتصاد اللبناني في التقاط أنفاسه المقطوعة عبر ضخ الدولارات وإنفاقها في السوق وقد يُعيد هذا القطاع أمل البلاد في تحريك العجلة الاقتصادية، غير أنّ هذه الأموال تبقى غير كافية لاستنهاض الاقتصاد من كبوته. ففي العام 2022، سجّل عدد الوافدين خلال أشهر الصيف الثلاثة أكثر من مليون ونصف المليون وافد، ودخل الى لبنان 6.4 مليارات دولار خلال موسم الصيف، وخرج حوالي 2.5 مليار دولار، ليبلغ اجمالي العائدات المتبقية 4.5 مليارات دولار نقداً مُتجاوزة بذلك ضعف التوقعات التي أشارت حينذاك إلى إمكان تحقيق 3 مليارات دولار كحدّ أقصى. ومع ذلك، لم يشهد الوضع الاقتصادي أي تقدّم واقعي ولم يلمس الللبنانيون أي تحسن ملحوظ، فأين تبخّرت مليارات الدولارات؟

في ظل التعقيدات السياسية السائدة وبانتظار أحداث الصيف، تبقى آمال اللبنانيين معلّقة على حدوث معجزة في الملف الرئاسي الشائك تُعيد وضع لبنان على سكة الانقاذ الاقتصادي والمالي والنقدي والاجتماعي لا سيما بعد الاتفاق السعودي – الايراني وما رافقه من تطورات ومستجدات في المنطقة من شأنها أن تنعكس على الوضع اللبناني الداخلي. فالحل السياسي وحده هو من سيمنح دولارات القطاع السياحي القدرة على المساهمة في الانقاذ، بحيث تشكّل هذه الأموال فرصة حقيقية لإنعاش الاقتصاد وإعادة الحياة تدريجاً إلى شرايين الدورة الاقتصادية والمالية.

شارك المقال