لا ثقة… يمنحها اللبنانيون لمصارفهم

سوليكا علاء الدين

تُعتبر الثقة بالمؤسسات المالية مؤشراً رئيساً الى ضمان استقرار النظام المالي ومصداقيّته نظراً الى الدور المهم الذي تلعبه هذه الثقة في جذب الودائع والاستثمارات وغيرها من أشكال التمويل، والتي تقوم بدورها في دعم النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المُستدامة. كما يُعدّ قياس ثقة الجمهور بالقطاع المصرفي أمراً ضروريّاً لواضعي السياسات والمؤسسات المالية من أجل تحديد مجالات التحسين وتعزيز الشفافية والمساءلة ومحو الأمية المالية. وتتأثّر الثقة بالتفاعل المعقّد بين مختلف العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية. ومن أجل تسليط الضوء على صحة القطاع المالي في العالم، نشرت مؤسسة “غالوب” لاستطلاع الرأي نتائج دراسة استقصائية حملت عنوان “المال لا يشتري الثقة في القطاع المالي” بحيث أظهرت الأرقام تبايناً واضحاً في ثقة الجمهور على نطاق واسع حول العالم خلال العام 2022، إذ تراوحت ما بين الـ 4 في المئة في لبنان والـ95 في المئة في الكويت.

وفي قسم خاص حول لبنان، أشارت الدراسة إلى أنّ السكان يفقدون الثقة بمصارفهم اذ صرّح 94 في المئة منهم أنهم لا يثقون بالقطاع المصرفي ليتصدّر لبنان – البلد الذي خفّض تصنيفه من الشريحة العليا من الدخل المتوسط إلى الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط العام الماضي – قائمة البلدان الأقل ثقة بالمصارف عالميّاً. وفي سؤال عمّا إذا كان اللبنانيون يثقون بمؤسساتهم المالية، جاءت النسبة ضئيلة جداً بعد أن شملت 4 في المئة فقط من اللبنانيين البالغين وهي النسبة الأدنى على الاطلاق منذ أن بدأت “غالوب” بطرح هذا السؤال في العام 2006. ومنذ تشرين الأوّل 2019، يتعامل لبنان مع أزمة اقتصادية طويلة الأمد، صنّفها البنك الدولي واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية وأطولها في تاريخه الحديث بعد أن فاقم من حدّتها انتشار جائحة COVID-19.

أمّا على الصعيد العالمي، وفي ما يتعلّق بالثقة بالمؤسسات المالية الُمرتبطة بالثقة بالحكومة على اعتبار أنّ هذه المؤسسات تعتمد على الحكومات الوطنية من أجل اتخاذ تدابير تنظيمية ومُستقرة، فقد بلغت نسبة اللبنانيين البالغين الذين يتمتّعون بأدنى مستوى ثقة بحكومتهم الوطنية الـ 10 في المئة في حين وصلت هذه النسبة إلى الـ 40 في المئة على مستوى ثقة المصارف. من ناحية أخرى، سجّلت كل من سنغافورة (91 في المئة و90 في المئة على التوالي) والهند (84 في المئة و90 في المئة) نسب ثقة عالية بحكومتيهما الوطنية في تفاوت واضح وكبير، وفي إشارة إلى الدور الذي تلعبه هذه الحكومات وقت الأزمات في اعتماد تدابير الاستقرار الاقتصادي وتنفيذ سياسات وخطط فاعلة تُساعد في بناء ثقة الجمهور والحفاظ عليها. إضافة إلى ذلك، إنّ البلدان التي تتمتّع بثقة عالية بالحكومة وكذلك بالمصارف تُصبح آمنة ومُحصّنة بصورة أفضل ضد أي عدوى أزمة مصرفية عالمية في المستقبل.

إذاً، “لا ثقة” يمنحها البنانيون مجدّداً لمصارفهم نتيجة فرض قيود على سحب ودائعهم المالية والشعور بالخوف والقلق إزاء مصير هذه الودائع. فلبنان الذي كان يُطلق عليه لقب “مصرف الشرق” بات بعد أكثر من أربع سنوات على أزماته غير قادر على كسب ثقة المودعين عقب فقد قدرته على استقطاب الرساميل الكبيرة وجذب المستثمرين الذين لم يتوانوا عن منح كامل ثقتهم للمصارف اللبنانية عبر إدخار مبالغ طائلة من أموالهم وثرواتهم بغية الحفاظ عليها وحمايتها من أيّة خسائر مُحتملة.

اليوم، يخسر القطاع المصرفي مدماك قوّته واستمراريته إذ إنّ إعادة ثقة المودعين بالقطاع المصرفي تُعدّ واحدة من المهام الصعبة والمعقّدة المُلقاة على عاتقه والتي قد تستغرق وقتاً طويل الأمد وتتطلّب أوّلاً عدم تحميل المودعين خسائر لا تُحتمل والمُسارعة الى طمأنتهم بأنّ ودائعم لن تذهب هدراً وتأمين السيولة في ما يحتاجون من أموالهم. ولعلّ الأهم من هذا، هو الاسراع في إيجاد حلول جذريّة للخروج من الأزمة المُستفحلة بأقلّ الأضرار المُمكنة، فأزمة المصارف مُرتبطة إرتباطاً وثيقاً بأزمة لبنان الاقتصادية والسياسية، إذ لا حل لأزمة المصارف في حال لم تتمّ إعادة استرداد ثقة المجتمع العربي والدولي بلبنان الدولة والاقتصاد والمؤسسات.

شارك المقال