مُعضلة القطاع العام تنتظر الحلول… على وقع الاضراب المتجدد!

سوليكا علاء الدين

على الرغم من إقرار زيادة رواتب وأجور العاملين في القطاع العام بمختلف تسمياتهم الوظيفية المدنية والعسكرية، الا أن الانهيار المالي والاقتصادي وتدهور قيمة العملة الوطنية وغلاء الأسعار الفاحش، أدّت جميعها إلى تراجع القدرة الشرائية للبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. فالزيادات هذه لم ترضِ الموظفين على اعتبار أنها غير كافية وغير مُنصفة، وطالبوا بضرورة ربط الراتب وبدل النقل بسعر صرف الدولار في ظل التفلّت الحاصل والتلاعب المُستمر فيه، وإلاّ فلا فائدة أو قيمة حقيقيّة لها.

في الوقت الراهن، لا شكّ في أنّ تصحيح الرواتب والأجور وتحسين القدرة الشرائية هو مطلب مُحقّ وضروري، لا سيما مع تردّي المعيشة في لبنان الى مستويات متدنّية قياسية، وبعد خسارة موظفي القطاع العام ما يقارب الـ95 في المئة من قيمة رواتبهم. فالراتب الذي كانت تبلغ قيمته 3 ملايين ليرة (أي 2000 دولار وفق سعر الصرف الرسمي السابق)، أصبح لا يتعدّى اليوم الـ 30 دولاراً. غير أنّ زيادة الرواتب في القطاع العام تواجه الكثير من العوائق ويتخلّلها العديد من الصعوبات التي تحول دون تحقيقها على المدى الطويل بسبب عدم توافر الايرادات اللازمة، واللجوء إلى زيادة الرسوم الضريبية والجمركية من أجل تمويلها، فضلاً عن تسبّبها بمزيد من التضخم والتآكل الإضافي في القدرة الشرائية. وبذلك، تكون زيادة الرواتب والأجور زيادة وهمية لا تلبّي الحد الأدنى من مطالب الموظفين ولا تحقّق الهدف المنشود منها.

أمام هذا الواقع، تبقى مُعضلة القطاع العام من دون أيّة حلول مُجدية بحيث عاد موظفو الادارة العامة إلى الاضراب العام والشامل في جميع الادارات، لمدة أسبوعين بدءاً من نهار أمس الاثنين 29 أيار وحتى الجمعة 9 حزيران المقبل، بعد أن أكّدت الهيئة الادارية لروابط القطاع العام استمرارها في الاضراب المفتوح، معلنةً “الاصرار على النضال بكل الوسائل”. وقالت في بيان: “على مدى سنوات الأزمة، لم يمرّ يوم على موظف الادارة العامة إلا وترحّم على أمسه، مع حكومة إنقاذ سبقت، إلى حكومة تعافٍ أُطلق لها العنان لتصّرف المهم والملّح من شؤون المواطن، فتفرّغت للإجهاز على ما تبقى من دم العروق فينا، واستثمرت فينا من دون رحمة، ابتاعت تعبنا وجهدنا وخبراتنا ومؤهلاتنا بأبخس الأثمان التي أوصلت إليها عملتنا الوطنية، وفرضت علينا أسعاراً باهظةً لخدماتها ورسومها وضرائبها، على سعر الدولار الأسود… استعملت حقوقنا ذريعة لرفع الرسوم والضرائب، ولم تعد لنا أي من هذه الحقوق ولو بحدها الأدنى”.

وفي موازاة ذلك، كان مجلس الوزراء قد وافق في جلسته الأخيرة على دفع كامل التعويضات الاضافية التي سبق وأقرّها عن شهر أيار كاملة، على أن تُعتبر هذه الدفعة بمثابة سلفة تُحسم من التعويضات اللاحقة في حال ثبت عدم أحقّيتها، في حين تُحيل الادارات عدد أيام الحضور عن شهر أيار على مديرية الصرفيات في وزارة المالية التي تقوم بدورها بتنفيذ الاجراءات اللازمة. وفي هذا السياق أيضاً، أبلًغ وزير المالية المجلس بعدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لدفع الرواتب والأجور والمساعدات الاجتماعية للعاملين كافة في القطاع العام والأسلاك العسكرية ابتداءً من شهر حزيران، في حال لم يقرّ مجلس النواب قوانين فتح الاعتمادات الاضافية الخاصة بالرواتب والأجور والمساعدات الاجتماعية والتعويضات الاضافية، كذلك بدلات النقل على أساس 450 ألف ليرة، داعياً مجلس النواب الى الانعقاد في أسرع وقت ممكن من أجل دفع هذه الاعتمادات.

على وقع الاضراب المُتجدّد والتلويح بمواجهة الدولة قانونياً، تنتظر رواتب شهر حزيران التئام المجلس النيابي ومعها ينتظر موظفو القطاع العام فتح الاعتمادات للحصول على هذه الرواتب، بعد أن أبلغ مصرف لبنان عدداً من المؤسسات العامة والمصارف التجارية كافة أنّ رواتب القطاع العام من الموظفين والمتقاعدين سُتدفع هذا الشهر وابتداءً منه على سعر “صيرفة” المعمول به أي 86,300 ليرة لبنانية، وبالتالي إنتهاء العمل بسعر “صيرفة” الذي كان معمولاً به لرواتب القطاع العام بقيمة 60,000 ليرة.

وما بين الانتظار، تبقى إدارات القطاع العام ومؤسساته مشلولة من دون أيّ إنتاجية حتى إشعار آخر، مع عجز الدولة عن تفعيل إداراتها وتأمين حقوق موظفيها. من هنا، تبرز أهميّة إعادة هيكلة القطاع العام وحل مشكلة فائض العمالة والتوظيف فيه من خلال خفض عديده إلى النصف على الأقل في خطوة اصلاحية ضروروية من أجل النهوض بهذا القطاع وتطويره وزيادة إنتاجيته وتخفيف الأعباء المالية فضلاً عن كونه شرطاً أساسياً من شروط صندوق النقد الدولي. إضافة إلى ذلك، ضرورة القيام بإصلاحات إدارية وضريبية والمُباشرة بتنفيذ مشاريع وقوانين مكافحة مزاريب الهدر والفساد والسرقة ووقف التدخل السياسي والحدّ من المحسوبيات من أجل إنقاذ القطاع العام وتعزيز دوره ومساهمته الفاعلة في تحريك عجلة النمو وتحقيق تنمية الاقتصاد اللبناني.

شارك المقال