رغم الارتفاع… أدنى حد أدنى للأجور

هدى علاء الدين

دخل رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 9 ملايين ليرة حيز التنفيذ بزيادة بلغت 4.5 ملايين ليرة، وذلك بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 نيسان الماضي في محاولة لمجاراة الغلاء الفاحش الذي أصاب السلع والخدمات كافة بعد أن أسهم تدهور الليرة أمام الدولار في تراجع القدرة الشرائية بصورة تامة. فالانهيار الكبير في سعر صرف العملة الوطنية جعل من قيمة الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية، والتي تتقاضاها الفئة الأكثر في لبنان، من بين الأدنى عالمياً خصوصاً وأن 90 في المئة من الاستهلاك هو إما على السلع والمواد المستوردة من الخارج أو السلع المحلية التي تحتاج إلى مواد أولية مستوردة.

الحدّ الأدنى الذي كان يبلغ سابقاً 675.000 ليرة أي (450 دولاراً على سعر صرف 1500)، ومن ثم 2.600.000 ليرة (أي 86 دولاراً على سعر صرف 30 ألفاً) في العام 2022، و4.500.000 ليرة (أي 78 دولاراً) في كانون الثاني 2023، لا يزال مع الزيادة الأخيرة (9 ملايين ليرة) أقل من 100 دولار شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي أي أسرة لبنانية في ظل الدولرة الشامة التي أصابت القطاعات كافة ومعدلات التضخم الهائلة التي سيطرت على الاقتصاد الوطني. فالتغييرات التي تطرأ على الحد الأدنى للأجور لا تواكب فعلياً مسار الدولار المرتفع وهو غالباً ما يكون متأخراً في التوقيت.

من جهة أخرى، لا يزال القطاع العام غارقاً في وعود الدولة حتى الساعة تحت وطأة الغلاء والتضخم وفقدان القيمة الشرائية، ولم يحصل موظفوه على تعويضات الانتاجية وبدل النقل بقيمة 450 ألف ليرة عن كل يوم حضور كما أقرت الحكومة في وقت سابق. فعلى عكس موظفي القطاع الخاص، الذين يتقاضون إلى جانب رواتبهم بالليرة جزءاً منها بالفريش دولار، يعاني الموظفون في القطاع العام من تدني أجورهم وتحملهم تكاليف المعيشة الباهظة وارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بسبب عدم امتلاك الدولة مصادر تمويل جديدة تضخ فيها الأموال لخزينة ماليتها العاجزة، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات القطاع العام ودفع الرواتب التي تتناسب قيمتها مع حالة الانهيار الاقتصادي والمالي.

على الرغم من أن رفع الحد الأدنى للأجور سيساعد العاملين في القطاع الخاص على زيادة مستوى دخلهم ولو بصورة جزئية وسيمنحهم القدرة على استهلاك الاحتياجات الأساسية الضرورية، إلا أن ذلك لن يكون كافياً ما دامت التدابير والاجراءات الاقتصادية والمالية الجذرية التي تُعيد لليرة الوطنية قيمتها أمام الدولار غير متوافرة، لا سيما وأن استمرار الأزمة سيُحمّل الشركات والمؤسسات الخاصة عبء زيادة هذه التكلفة على المدى الطويل. فالمحاولات المستمرة من أجل احتواء آثار التفاقم للضائقة المعيشية والاقتصادية ستبقى بلا أي نتيجة ملموسة مع ارتفاع الدولار الجمركي وانفلات الأسعار ورفع معدلات الضريبة وارتفاع الفواتير الخدماتية ولن تغطي كامل تكلفة المعيشة التي وقعت في فخ هذه الزيادات. فاللبناني الذي خسر 350 دولاراً من قيمة راتبه في أربع سنوات لن تُعوّضه ملايين الليرة اللبنانية التي أصبحت بلا قيمة مادية ومعنوية.

شارك المقال