ملايين صندوق النقد… وعدٌ أم حقيقة؟

هدى علاء الدين

ينتظر لبنان الحصول على 900 مليون دولار، بحسب ما أعلن وزير المالية اللبناني غازي وزني من زيادة احتياطي صندوق النقد الدولي (ما يعرف بحقوق السحب الخاصة) مشيراً إلى أن المجلس التنفيذي لصندوق النقد، ناقش اقتراح تخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الأعضاء Special Drawing Rights (SDR) التي تبلغ قيمتها 650 مليار دولار ضمن مبادرة تهدف إلى تحفيز الاقتصادات النامية المتعثرة في ظل جائحة كورونا. ومن المتوقع أن يُحال الاقتراح إلى مجلس المحافظين لدراسته الشهر الجاري، على أن يستفيد لبنان من هذا المبلغ نهاية آب المقبل في حال تمت الموافقة عليه.

فما هو حق السحب الخاص؟

يُعرّف حق السحب الخاص على أنه أصل احتياطي دولي استحدثه صندوق النقد الدولي في عام 1969 ليصبح مكملاً للأصول الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء. ويتم تحديد قيمة هذا الأصل اعتماداً على سلة من أربع عملات دولية أساسية، ويمكن مبادلته بأي من العملات القابلة للتداول الحر. ومنذ آذار 2016، تم استحداث 204.1 مليارات وحدة حقوق سحب خاصة أي ما يعادل حوالي 285 مليار دولار أميركي وتوزيعها على البلدان الأعضاء شرط موافقة أعضاء الصندوق الذين يمتلكون 85 في المئة من مجموع الأصوات. ويجوز للصندوق بموجب اتفاقية تأسيسه أن يوزع مخصصات من حقوق السحب الخاصة على البلدان الأعضاء بالتناسب مع حصص عضويتها، بحيث يتيح هذا التوزيع حصول كل بلد عضو على أصل احتياطي دولي دون تكلفة أو شروط.

أما مبلغ الـ 900 مليون دولار الذي يُعوّل عليه لبنان، فهو عبارة عن حصته من الـ 650 مليار دولار التي تراكمت جراء الاشتراكات السنوية التي دفعها لصندوق النقد الدولي، وبالتالي هو ليس قرضاً أو هبة إنما حق له يستطيع الحصول عليه دون أي شروط مسبقة من أجل تعزيز احتياطه بالعملة الأجنبية.

وبالرغم من أن تصريح المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، كان واضحاً لجهة أهمية هذه الخطوة في زيادة الاحتياطات المالية في الأسواق الناشئة والبلدان النامية وتمويل الإجراءات المالية الضرورية للتعافي من جائحة كورونا لا سيما تلك التي تملك دخلاً منخفضاً والتي استنفدت احتياطاتها بشدة استجابة للوباء، الأمر الذي يجعلها في وضع أفضل يُمكنها من تخصيص حيّز مالي لمكافحة الوباء ودعم الفئات الضعيفة من السكان، إلا أن لبنان الرسمي ينظر إلى الـ 900 مليون دولار على أنها خشبة خلاص تُنقذه من مأزق عدم إيجاد مصدر تمويل للبطاقة التمويلية التي أقرها مجلس النواب مؤخراً، وهنا تكمن الإشكالية؟ فهل يحق للبنان تجيير هذه الأموال من مهمتها الرئيسية في تعزيز الاحتياطي الإلزامي المستنزف إلى تمويل قوانين ومبادرات أخفقت الحكومة على مدى شهور من إيجاد حلول لها؟ وفي حال تم استخدام هذا المبلغ لتمويل البطاقة، فهل ستُدفع قيمتها بالدولار أم بالليرة وعلى أي سعر للصرف؟

ما بين حقيقة حصول لبنان على الـ 900 مليون دولار وبين عدمها، تبقى الحقيقة الساطعة أنه لم يعد يُجدي نفعاً الاستمرار في سياسة الإغفال عن الإصلاح والتعويل فقط على هبة من هنا ومنحة مالية من هناك للحصول على كميات من الدولار الفريش، بعيداً عن أي حلولٍ تُرسل إشارات إيجابية للمؤسسات الدولية من أجل استعادة الثقة التي تُتيح تدفق الأموال دون أي شروط مسبقة. فلبنان الذي يبحث عن مصادر أموال بالعملة الأجنبية، يبدو وكأنه كمن يبحث عن إبرة في كومة من القش، في ظل واقع اقتصادي متدهور ووضع سياسي متأزم لا يفتح الباب أمام تدفق أي من المساعادات المالية الدولية من الجهات المانحة. كما أنّ صندوق النقد الدولي لديه تجربة مريرة مع لبنان كانت آخر فصولها فشل المفاوضات الأخيرة معه ورفض إجراء الإصلاحات التي يُطالب بها. من هنا، يُدرك تماماً أن مصير هذه الملايين عُرضة للذهاب إلى غير وجهتها في ظل غياب الشفافية والمراقبة الصارمة التي تُدير عملية صرفها والتي تجعلها دوماً ضحية الهدر والفساد وغياب الخطط الهادفة والفعّالة.

فهل سيُقدّم صندوق النقد الدولي مبلغ الـ 900 مليون دولار إلى لبنان على طبقٍ من فضة؟ أم سيكون خيار المنح مقابل اللجوء إلى شروطٍ صارمةٍ خياراً مطروحاً ومشروعاً.

شارك المقال