عجز الـ2021 يتفاقم و”المركزي” مموّله.. من أين الموارد؟

المحرر الاقتصادي

انتهى العام 2020 على تراجع مهم في العجز الإجمالي للموازنة وآخر كبير في خدمة الدين. كان يفترض بهذا الخبر الذي ترجمته أرقام وضعية المالية العامة الصادرة عن وزارة المالية، أن يكون مفرحاً وإيجابياً، اذ يفترض أن يكون مؤشراً على بدء عملية التصحيح المالي المرتجاة. لكنّ الحقيقة ليست كذلك. فالتراجع الذي عبّر عنه ملخص الوضع المالي، يعود إلى عاملين أساسيين هما، الأول احتساب أرقام الموازنة ولاسيما النفقات التي سجلت بالعملات الأجنبية على أساس سعر الصرف الرسمي لليرة مقابل الدولار أي 1507.5 ليرة وليس على أساس السعر الحقيقي، والثاني إعلان تخلف الدولة اللبنانية عن السداد من دون اتفاق مع الدائنين. فلو تم احتساب النفقات الخاصة بالعملات على أساس سعر صرف السوق، لبلغ العجز نسبة أعلى بكثير.

صحيح أن تحسناً ظاهرياً برز في المؤشرات المالية المنشورة، لكنها في الواقع تخفي تدهوراً فعلياً يعكس الوضع الاقتصادي شديد التردي. فالإيرادات تراجعت نسبة إلى الناتج المحلي بشكل حاد نتيجة الانكماش الاقتصادي الكبير، قابلها تراجع أكبر في النفقات الجارية نتيجة انخفاض سداد الفوائد على سندات اليوروبوندز من جهة والحد من التحويلات من جهة أخرى.

الأرقام أظهرت أن العجز الإجمالي تراجع من 8 آلاف و799 مليار ليرة (5.8 مليارات دولار) في 2019 إلى 4 آلاف و83 ملياراً (2.7 مليارا دولار) في نهاية العام 2020، أي بنسبة تراجع بلغت 53.6 في المئة. وهو ما يمثل ما نسبته 21 في المئة إلى النفقات من 34.5 في المئة في العام 2019. فيما تراجع العجز إلى الناتج المحلي من 9.7 في المئة في 2019 إلى 3.7 في المئة في العام 2020.

وقد جاء تراجع هذا العجز، والذي يتم احتسابه عبر اقتطاع مجموع المبالغ المدفوعة من مجموع المبالغ المقبوضة، نتيجة انخفاض المبالغ المدفوعة بواقع 23.7 في المئة من 25 ألفاً و479 مليار ليرة في 2019 إلى 19 ألفاً و425 ملياراً في 2020. فيما تراجع مجموع المبالغ المقبوضة بواقع 8 في المئة من 16 ألفاً و679 مليار ليرة إلى 15 ألفاً و341 مليار ليرة في 2020 وذلك نتيجة للانكماش الاقتصادي الذي قدّره صندوق النقد الدولي بـ25 في المئة العام الماضي.

أما العجز الأولي، وهو العجز المالي للعام الحالي مطروحاً منه الفائدة على القروض السابقة، فتضاعف من 433 مليار ليرة في 2019 إلى 97 ملياراً في 2020، وشكّل ما نسبته 5 في المئة من النفقات من 1.7 في المئة في 2019. أما نسبته إلى الناتج المحلي فارتفعت من 0.5 في المئة في 2019 إلى 1 في المئة في 2020.

وانخفضت خدمة الدين من 8 آلاف و68 مليار ليرة في 2019 إلى ألفين و917 مليار ليرة في 2020 أي بواقع 63.8 في المئة. فالفوائد على الدين الخارجي، أي على سندات اليوروبوندز، تراجعت بنسبة 92.8 في المئة، فيما الفوائد على الدين المحلي تراجعت بواقع 44.3 في المئة خلال الفترة المذكورة.  وبالتوازي، تراجعت التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان بواقع 38.6 في المئة إلى ألف و393 مليار ليرة أي ما يعادل 924 مليون دولار، من ألفين و269 ملياراً في  924 مليون دولار، نتيجة الانخفاض الذي سجلته أسعار النفط العالمية في العام الماضي وبنسبة 22.4 في المئة عن العام 2019، ما أدى إلى تقلص فاتورة شراء المحروقات إلى المؤسسة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المبالغ التي تم تحويلها إلى المؤسسة احتسبت على سعر الصرف الرسمي، ولكانت بلغت عشرات المليارات من الليرات إذا ما تم احتسابها على أساس سعر الصرف الفعلي.

وفي ما يتعلق بالإيرادات الضريبية، فقد تراجعت بواقع 16.4 في المئة لتبلغ 10 آلاف و473 مليار ليرة. وكانت نسبة تراجع الضريبة على القيمة المضافة كبيرة، إذ وصلت إلى 42.7 في المئة من 3 آلاف و258 ليار ليرة في 2019 إلى ألف و289 مليار ليرة في 2020. في المقابل، ارتفعت الرسوم العقارية بشكل كبير تخطى المئة في المئة نتيجة إقدام المودعين على سحب ودائعهم من المصارف وشراء العقارات عبر شيكات مصرفية.

ولكن كيف سيكون حال وضعية المالية العامة في 2021؟ ستكون متدهورة بالتأكيد مع المزيد من التدهور على صعيد الإيرادات.

ويتوقع البنك الدولي في هذا الإطار أن يسجل العام 2021 ارتفاعات طفيفة اسمية على صعيد الإيرادات مقارنة بالعام 2020، كون الانكماش الاقتصاي المتوقع سيكون أقل حدة من العام الماضي وفي وقت  سيساهم التضخم المرتفع (وصل إلى 119.8 في المئة في أيار 2021) في تعزيز الجباية ولكن بالقيمة الاسمية وليست الحقيقية. أما على صعيد النفقات، فيقول البنك الدولي إنه يتوقع زيادة في الانفاق الاسمي الأولي بنسبة 30 في المئة بسبب الضغوط التضخمية. وبناء على ذلك، فهو يتوقع “أن تتدهور أرصدة الموازنة العامة والأولية، ما يحتم على مصرف لبنان الاستمرار في تمويل العجز المسجل مما سيسرع الخسائر التي تسجل على صعيد احتياطاته بالعملات. وبالتالي، فان المسار المالي رهن بأن يكون لدى مصرف لبنان ما يكفي من الموارد لمواصلة تمويل الحكومة”.

شارك المقال