جنون الدولار… من يلجمه؟

هدى علاء الدين

لم يعد ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء حدثاً مفاجئاً أو استثنائياً لدى اللبنانيين، بل أصبح واقعاً مفروضاً لا يُشكل حيزاً مهماً من يومياتهم المليئة بانعكاسات سلبية لأزمات سياسية واقتصادية ومالية، بات إيجاد حلول لها مع منظومة حاكمة فشلت منذ سنة ونصف في إدارتها، أمراً مستحيلاً.

فالدولار الذي لامس عتبة الـ 20 ألف ليرة لبنانية للمرة الأولى منذ بدء حلقات الانهيار التي تشهدها العملة الوطنية، دخل مرحلة شديدة الخطورة من القفزات السريعة لقيمته، جعل الانفجار الاجتماعي والمعيشي قاب قوسين أو أدنى.

وعن رحلة ارتفاع الدولار، يقول المحلل الاقتصادي باسل الخطيب لموقع لبنان الكبير، إنها بدأت مع الأزمة النقدية في صيف العام 2019 ثم مع إعلان حكومة حسان دياب في 7 آذار 2020 تعثرها عن سداد مستحقات لبنان من اليوروبوندز والتي خفضت تصنيفه الإئتماني وغيّرت نظرة الدول والمؤسسات العالمية إليه، وساهمت في كبح الاستثمار، وقطعت الطريق على دخول العملة الصعبة إليه، تزامناً مع الأزمة الصحية جرّاء جائحة كورونا وانفجار المرفأ.

كما أن التطبيقات التي ظهرت فجأة والتي تتضارب الأنباء حول مصدرها سواء في سوريا أو تركيا أو قبرص، والتي حتى الآن لم يستطع أحد ردعها بسبب الحاجة إلى تعاون دولي مع الدول العظمى التي لا تتعاون اليوم جدياً مع الطبقة الحاكمة بسبب استمرارها في تغطية الفساد، إنما تتعاون بشكل مباشر مع المجتمع المدني الذي ليس لديه القدرة على التعامل مع هكذا أمور، أثّرت بشكل كبير في سعر صرف الدولار، إذ أصبحنا نشهد للمرة الأولى صرافين يعتمدون عليها من أجل تحديد سعر الشراء والمبيع، مشيراً إلى وجود مافيا تقف خلف هذه التطبيقات وترفع من سعر الدولار ساعة تشاء، محوّلة الدولار والاقتصاد اللبناني رهينة تطبيق على الهاتف.

ويرى الخطيب أن لا سقف للعملة الخضراء في ظل هذا الوضع السياسي والاقتصادي المتفلت، سوق سوداء تتحكم بها مافيات تستغل الطلب الكثيف على الدولار في الآونة الأخيرة من قبل المستوردين والتجار، في ظل فجوة تتعمق بين الصادرات والواردات يوماً بعد يوم، مشيراً إلى أن لبنان كان يستورد أيام البحبوحة بـقيمة 20 مليار دولار ويصدر بقيمة 2 ملياري دولار. كذلك، فإن المصارف ومن أجل تطبيق تعاميم مصرف لبنان ولا سيما التعميم الأخير الذي حمل رقم 158، تلجأ إلى السوق من أجل جمع ما يمكن من الدولار لإعطائه للمودعين. كما يجب عدم إغفال السياسات الجزئية والترقيعية من قبل السلطات النقدية بضغط من السلطات السياسية من أجل استعمال الاحتياطي الإلزامي في غير محلّه. هذا فضلاً عن أن السياسات التي تمّ وضعها من أجل الدعم والمنصة فشلت في تحقيق أهدافها، بل على العكس ساهمت في ازدياد التهريب وتحليق الدولار، تماماً كما ساهم رفع سعر صرف الدولار في المصارف من 1500 إلى 3900 في ازدياد وتيرة الطلب عليه وارتفاعه. وهذا دليل على عدم وجود خطة واضحة، إنما مجموعة خطط غير متماسكة ومترابطة وغير مبنية على أسس مالية سليمة تُجبر المصرف المركزي على تنفيذها من أموال اللبنانيين.

إقرأ أيضاً: “صيرفة” يومياً… هل تلجم الدولار وتُحاسب الصراف؟

ويؤكّد الخطيب أن لا شيء يُخفّض الدولار بشكل تدريجي إلى مستويات مقبولة إلا تشكيل حكومة تباشر فوراً بإجراء الإصلاحات وفق خطة إقتصادية إنقاذية تُرضي المجتمع الدولي وتفتح الباب أمام تدفق المساعدات سواء عبر الهبات أو القروض أو الاستثمارات، وإجراء مفاوضات جدية مع صندوق النقد الدولي بطريقة مختلفة تماماً عن اجتماعات حكومة تصريف الأعمال السبعة عشر التي باءت بالفشل وحرمت اللبنانيين من تخفيف وطأة الأزمة عليهم ولو بشكل جزئي.

وفي ظل انعدام الثقة وغياب الأفق والآفاق السياسية، سيبقى الدولار عُرضة لمزيد من الارتفاع، وكما تجاوز بالأمس عتبة الـ 10 آلاف ليرة ليصل اليوم إلى 20 ألفاً، سيتجاوز غداً حاجز الـ 30 ألف، وبعد غدٍ قد يصل إلى الـ 40 ألف ليرة. فالطلب على الدولار سيبقى على منحاه التصاعدي ولن يتوقف في بلد منهار اقتصادياً وسيبقى ضحية أزمة سيولة واستنزاف لما تبقى من احتياطي إلزامي وضحية سياسيين يُدركون أهمية وجود حكومة إصلاحية ويتغافلون عن تشكيلها عمداً.

شارك المقال