الطرابلسيون عاجزون عن العمل في بيروت

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يكن ينقص أهالي طرابلس إلّا ارتفاع تعرفة النقل والمواصلات لتكتمل همومهم وتشتد أزماتهم بشكلٍ مخيف، إذ ارتفعت مؤخرًا تعرفة النقل من طرابلس إلى بيروت وحتّى ضمن المدينة نفسها بشكلٍ واضح، الأمر الذي يُقلق الطرابلسيين خصوصًا والشماليين عمومًا، لا سيما العسكريين الذين يُبدون بكلّ حزن خوفهم من هذه الأزمة التي تضرب بعرض الحائط كلّ محاولة جديدة للعيش الكريم في هذه البلاد التي تُعاني أقسى ظروف لم نشهدها حتّى في زمن الحرب.

ممّا لا شكّ فيه أن ابن مدينة طرابلس اختار ومنذ سنوات، اللجوء إلى العمل في العاصمة بيروت وضواحيها، هربًا من الفقر والعوز، ولكنّه يثق تمامًا أنّه سيكون عاجزًا عن تحمّل الأعباء المادية الجديدة التي فرضت عليه، لا سيما في ظلّ استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار دون سقف محدد وعدم القدرة على مقارنة الحدّ الأدنى للأجور الذي يتقاضونه بالارتفاع الجنوني الحاصل بالأسعار، وهي أجور لا تكفي أيّامًا معدودة، فكيف سيتمكّنون من مواصلة العمل لشهر كامل؟

مغادرة العمل أو الاستمرار

نتيجة هذه الأزمة وبعد ارتفاع تعرفة المواصلات، يُمكن اختصار ما قد يُواجهه أبناء طرابلس الذين يعيشون في مدينة تُعاني من الإهمال والتهميش الكبيرين من قبل الرسميين منذ سنوات، فقد يتخذ البعض منهم قرارًا بمغادرة العمل وعدم رغبتهم في العودة إليه، وذلك إيمانًا منهم بعجزهم عن الاستمرار، وقد تعمل بعض الشركات على إضافة بعض المحفزات المالية أو على إضافة بدل النقل شهريًا، ما يُخفّف من عبء المشكلة… أمّا الاستمرار في التعامل مع الأسعار الجديدة بشكلٍ يومي ومتواصل فسيكون مستحيلًا، وفق ما يقول عدد من الموظفين الذين يشكون من ارتفاع الأسعار.

ويخشى جمال (48 عامًا) وهو من القبة ويعمل في مؤسسة تجارية في الأشرفية من ارتفاع تكاليف المواصلات بين طرابلس وبيروت، معتبرًا أن شركته كانت قد وعدت بإعطائه بدل النقل ولكنّها لم تُنفذ وعدها حتّى اليوم. ويقول: “سأنتظر قرار المؤسسة حتّى نهاية هذا الشهر، ولكن فيما بعد لن أتمكّن من تحمّل هذه الأعباء المادية وقد أضطر إلى التوقف عن العمل، فاليوم أتقاضى مليون و200 ألف ليرة لبنانية فحسب، وهي لا تكفي نظرًا لكوني متزوجًا ولديّ طفلان ويا ليتني لم أنجبهما، ولو كنت أعلم أن مصيرنا سيئ لهذه الدرجة، لم أكن لأجلب ضحايا إلى هذا الوطن الذي تنهشه السلطة الحاكمة بوحشية”.

ويُضيف: “تكاليف العيش باتت باهظة للغاية، ولا فرص عمل في طرابلس أو في الشمال، حتّى في بيروت تراجعت هذه الفرص ولكنّها تبقى أفضل بكثير من مناطق أخرى، ولا نستطيع البقاء في بيروت لأنّ تكلفة بقائنا ولو بغرفة تكاد تلامس المعاش كاملًا…”.

وفي زيارة قمنا بها على عدد من مواقف الحافلات والفانات في طرابلس، يُؤكّد عدد من السائقين لـ”لبنان الكبير” توقف عدد كبير من الموظفين عن أعمالهم بسبب هذه الأزمة، ومن هؤلاء (هبة ك.) التي اتصلت بشركتها في الكرنتينا لتُعلمها أنّها لن تتمكّن من العودة إلى العمل بالوسائل العمومية لغلائها، وبعد رفض الشركة إعطائها بدل نقل، ورفضها مواصلة العمل افتراضيًا (أون لاين)، اتخذت هبة قرارها بترك العمل مرغمة بسبب هذه الظروف الاقتصادية القاهرة.

ما واجهته هبة، يُواجهه المئات بل الآلاف من أهالي طرابلس والشمال المهددين بترك عملهم مؤخرًا، وبين رفض بعض الشركات إعطاء بدل نقل أو العمل افتراضيًا، يبقى الشماليون ضحية لم تتمكّن من الخروج عن ظلم جلّاديها.

أزمة يُواجهها السائقون

من ينتقل بين طرابلس وبيروت، أو في طرق وأحياء طرابلس، يُدرك وجود أزمة في إيجاد مادة المازوت، ويعتبر بعض السائقين العموميين أن المازوت الذي يعتمد عليه أغلب السائقين، بات” كنزًا ثمينًا” في المدينة، ولإيجاده ينتقلون شمالًا أو إلى مناطق عدّة لتأمينه، ما يُبرّر ارتفاع سعر تعرفة النقل عمومًا، وفق ما يقول بعض السائقين.

ويقول محمّد طرابلسي وهو مسؤول في أحد مواقف الفانات في منطقة التل لـ”لبنان الكبير”: “نعاني من أزمة اقتصادية كبيرة منذ فترة ولا يشعر بنا أحد وأكثر من يُعاني اليوم هم العسكريون الذين يضطرون إلى الانتقال عبر هذه الوسائل العامّة، وللأسف كلّ من يضطر اليوم للذهاب إلى بيروت سيكون عرضة للكثير من المشكلات التي قد تظهر مع استفحال الأزمات التي تُؤثر بدورها على الأسعار”.

أمّا خالد الطرابلسي وهو سائق يعمل في أحد مواقف الحافلات في التل، فيرى أن الكثير من الزبائن ينفر مؤخرًا من الحافلات التي تتوقف فجأة لتعبئة المازوت الذي لا نعثر عليه شمالًا بأيّ شكل. ويقول: “مشكلات كثيرة نواجهها مؤخرًا أبرزها أسعار التصليحات فأقل إطار(دولاب) للحافلة مثلًا سعره 100 دولار أميركي، هذا عدا عن قيام بعض السائقين باستئجار الحافلات يوميًا للعمل ولكنّهم عاجزون عن تأمين أجرتها بسبب هذه الأوضاع الصعبة”.

إقرأ أيضاً: تلويح باستخدام ” الأمن الذاتي” في منطقة طرابلسية

وعن الأسعار، يقول: “من التل إلى القلمون 3000 ليرة، من التل إلى شكا 4000 ليرة، من التل إلى البترون 5000 ليرة، من التل إلى جبيل 6000 ليرة، من التل إلى جونية 7 آلاف ليرة، وإلى مرفأ بيروت 8 آلاف ليرة، وهذه الحافلات كانت تتلقى قبل الأزمة 3000 ليرة بين طرابلس وبيروت والعكس”.

أمّا الفانات التي كانت تتلقى حوالي 5000 ليرة من طرابلس إلى الدورة، فوصلت الآن كلفة التنقل فيها إلى 10 آلاف ليرة، أمّا الوصول إلى شكا، البترون وجبيل فقد تصل كلفته إلى 5000 ليرة.

شارك المقال