الدولار مقطوع والتحويل “ماشي”!

المحرر الاقتصادي

ميزان المدفوعات عاجزٌ بقوة. فالتراجع الكبير الذي يشهده عجز الميزان التجاري والذي يشكل أبرز مكونات ميزان المدفوعات لم يوقف تفاقمه. فيما التدفقات الأجنبية شحيحة. في المقابل، لا تزال احتياطات مصرف لبنان تسجل نزيفاً شهرياً لتمويل ما تبقى من دعم لاستيراد حاجات أساسية ومنها المحروقات من بنزين ومازوت.

حاجة لبنان إلى الدولارات كبيرة جداً، ولم يعد يملك القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية والودائع في ظل هذه الأزمة المركبة التي شلت كل قطاع وجمّدت كل مشروع من شأنه أن يُدخل أموالاً إلى البلاد ويمنّ فرص عمل جديدة. لكن المفارقة أن الدولرة في الودائع أي نسبة الودائع بالدولار، لا تزال تحلق لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق منذ 28 عاماً، في مؤشر على استمرار تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار الدفتري.

ففي خمسة أشهر، سجل ميزان المدفوعات عجزاً تراكمياً بقيمة مليار و570 مليون دولار، في مقابل مليارين و190 مليون دولار في الفترة نفسها من العام 2020 وعجز قياسي في الفترة نفسها من العام 2019 حين وصل إلى 5.4 مليارات دولار. وتعود أسباب العجز المسجل في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي إلى تراجع الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان بوقع مليارين و914 مليون دولار، في مقابل ارتفاع تلك الخاصة بالمصارف التجارية بواقع مليار و340 مليون دولار.

أما على أساس شهري، فميزان المدفوعات بلغ 180.7 مليون دولار في أيار الماضي وعلى أساس شهري، بلغ عجز ميزان المدفوعات 180.7 مليون دولار، حيث انخفضت الموجودات الأجنبية الصافية لمصرف لبنان بواقع 543.6 مليون دولار في مقابل ارتفاع قيمته 362.9 مليون دولار في الموجودات الأجنية الصافية للمصارف التجارية.

ولوحظ أن انخفاض الموجودات الأجنبية الصافية للمصارف التجارية حتى أيار يعود إلى التراجع في بند “ودائع العملاء غير المقيمين” بنسبة 8.16 في المئة أو 2.3 ملياري دولار على أساس سنوي إلى 26.7 مليار دولار، ما يطرح تساؤلات عن استمرار خروج الأموال من القطاع المصرفي. في المقابل، انخفضت “مطلوبات القطاع المالي لغير المقيمين” إلى 5.27 مليارات دولار. وبالتأكيد، فان بدء تطبيق التعميم الرقم 158 الخاص بالسماح للمودعين بسحب 800 دولار شهرياً (400 دولار نقداً و200 دولار على أساس سعر المنصة و200 دولار عبر البطاقة المصرفية) سيترجم تراجعاً في الموجودات الخارجية الصافية للمصارف التجارية، ما يعني أن أرقام عجز ميزان المدفوعات سترتفع أكثر كون الموجودات الأجنبية الصافية لمصرف لبنان تواصل تسجيل تراجعات مستمرة.

وفي هذا الإطار، بلغت الاحتياطات الأجنبية لمصرف لبنان حتى 15 تموز 2021، ما قيمته 20.27 مليار دولار وبتراجع 10.5 مليارات دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020. وعند حسم محفظة اليوروبوندز التي يحملها مصرف لبنان، والبالغة قيمتها 5.03 مليارات دولار (وفق الوضعية نصف الشهرية لمصرف لبنان)، تصبح قيمة احتياطاته بالعملة الأجنبيّة 15.24 مليار دولار. وكانت احتياطاته انخفضت بقيمة 280.5 مليون دولار في 15 يوماً نتيجة استمرار سياسة الدعم.

إقرأ أيضاً: هل يبقى الذهب الحارس الأخير للبنانيين؟

وبالحديث عن القطاع المصرفي، نشير إلى استمرار تراجع ودائع القطاعين العام والخاص لتصل إلى 140.6 مليار دولار في خمسة أشهر. علماً أنها كانت انخفضت بواقع 28.61 ملياراً منذ تشرين الأول 2019 وحتّى نهاية العام 2020 نتيجة السحوبات التي تمت في تلك الفترة مع تفجر الأزمة المالية والنقدية. هذا الاستمرار في السحوبات الكبيرة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2021 يأتي نتيجة انكماش ودائع القطاع الخاص المقيم بنسبة 3.03 في المئة أو 4 مليارات دولار إلى 108.40 مليارات دولار، (ترافقاً مع إنخفاض ودائع القطاع الخاصّ غير المقيم كما ذكرنا). فيما ارتفعت ودائع القطاع العامّ مقومة بالدولار (على أساس سعر الصرف الرسمي) إلى 5.59 مليارات دولار.

ولوحظ استمرار ارتفاع الدولرة في الودائع لتصل إلى 80.50 في المئة في نهاية أيار 2021 مقارنة مع 80.37 في المئة في نهاية العام 2020، و79.57 في المئة في أيّار 2020. والخوف اليوم أن ننتقل إلى الدولرة غير الرسمية. بمعنى أن يؤدي الارتفاع السريع في معدلات التضخم إلى نشر الأسعار بالدولار كي لا يضطر التجار إلى اعادة التسعير كل يوم. وهذا ما تسعى إليه الكثير من المحال والسوبرماركات وسط غياب تام لمصلحة حماية المستهلك بحيث يكون المواطن من جديد ضحية عدم قدرة المسؤولين على تحمل مسؤولياتهم الطبيعية تجاهه.

شارك المقال