تصحيح الأجور… والبحث عن أبرد بقعة في جهنم

محمد شمس الدين

الحد الأدنى للأجور في لبنان 675000 ليرة أو ما قيمته على سعر الصرف الرسمي 450 دولاراً، يضاف عليها 208000 ليرة (138.6 دولار) بدل نقل غير محسوبة من أساس الراتب، أي 8000 ليرة عن كل يوم عمل. اليوم بعد انهيار العملة وقفز الدولار فوق عتبة الـ 20 ألف ليرة، أصبح هذا الراتب أقل من 40 دولاراً شهرياً، ويترافق ذلك مع بدء رفع الدعم عن المواد الأساسية مثل المحروقات، التي تؤثر على كل قطاعات البلد وأولها النقل، لذلك راسل وزير المال غازي وزني رئاستي الجمهورية والوزراء من أجل رفع قيمة بدل النقل من 8000 ليرة يومياً إلى 24000 ليرة، فما تأثير هذا القرار اقتصادياً؟ وماذا عن تصحيح الأجور؟

الاتحاد العمالي طالب برفع كلفة النقل

أكدَّ رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في حديثٍ لموقع “لبنان الكبير” أنَّ الاتحاد كان خلف رفع قيمة بدل النقل إلى 24 ألف ليرة، وذلك بعد لقاءات ومباحثات مع وزير المال أدت إلى هذه النتيجة، وحينها كان الاتحاد قد رفع مذكرة مطلبية إلى رئاسة مجلس الوزراء، تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور وتصحيح شطور الأجر، ورفع قيمة بدل النقل والمنح المدرسية والتعويض العائلي الذي يعطى من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وسلة أخرى من المطالب منها تعويض نهاية الخدمة واحتسابه على أساس 3900 ليرة للدولار، يعني يحتسب التعويض على اساس 1500 ليرة ويدفع على أساس 3900 ليرة للدولار، وذلك بسبب انهيار قيمة التعويض بصندوق الضمان وغيره من الصناديق التي تضمن تعويض نهاية الخدمة بالقطاعين العام والخاص، ويتابع الأسمر أنّه قد تم التواصل مع وزيرة العمل لوضع مرسوم استثنائي للقطاع الخاص لرفع قيمة بدل النقل اسوة بالقطاع العام، ويثني الأسمر على خطوة وزير المال من ناحية مخاطبة رئاستي الجمهورية والوزراء لأخذ موافقتهم لإصدار مرسوم استثنائي لرفع قيمة بدل النقل، مشيراً الى أنّها زيادة الحد الأدنى، حيث طالب الاتحاد بأن تكون 50 ألف ليرة، مذكراً بالارتفاع الكبير بأسعار المحروقات، وزيادة كلفة النقل بسيارات الأجرة أو الباصات أو السيارات الخاصة، وأيضاً كلفة قطع الغيار بسعر صرف الدولار اليوم، وإنَّ قرار الوزير صائب وهو أتى بعد ملاحظة عدم قدرة العديد من موظفي القطاعين العام والخاص الالتحاق بوظائفهم بسبب الارتفاع بأسعار المحروقات.

أمّا الباحث الاقتصادي والمالي د. محمود جباعي فرأى أنَّ خطوة وزير المال برفع قيمة بدل النقل إلى 24 ألف ليرة هي خطوة جيدة، وكونها محدودة يمكن لوزارة المالية أن تتحمل نفقاتها.

تصحيح الأجور واجب ولكن ضمن خطة شاملة

لسنا هواة زيادة تضخم يقول الأسمر، والمطالبة بتصحيح الأجور وبدل النقل وغيره من ملحقات الأجر أتت بعد تضاعف أسعار المواد والسلع أكثر من عشرة أضعاف، مشيراً إلى أنّه كان يُفضل معالجة الارتفاع الجنوني بسعر الدولار وعودته إلى حدود المنطق بدل البحث عن تأمين اعتمادات رفع الأجر، ولكن ذلك يحتاج إلى حكومة قادرة على المعالجات وإرساء حد أدنى من الاستقرار السياسي، الذي يؤدي إلى التمهيد لمعالجة الوضع الاقتصادي، وبحال حصل ذلك نكون أمام خيارات مقبولة لزيادات منطقية لا تؤدي إلى التضخم، مشيراً أنَّ العمال اليوم يدفعون كل مصاريفهم على أساس 20 ألف ليرة للدولار. وسعى الاتحاد حسب قول الأسمر إلى أن يحتسب بدل النقل من أساس الراتب ولا يبقى استثناءً، ويقبض عندها الموظف تعويض نهاية خدمته بناءً على آخر شهر عمل مع قيمة بدل النقل.

اعتبر جباعي أنَّ مطالبات تصحيح الأجور طبيعية جداً بعد دخول لبنان مرحلة الانهيار الاقتصادي والتضخم وضعف القدرة الشرائية لموظفي القطاعين العام والخاص الذين يقبضون رواتبهم بالليرة، مع سعر صرف دولار متوقع وصوله إلى 30 ألف ليرة، فهذا يعني أنَّ الحد الأدنى للأجور أصبح تقريبا 20-22 دولاراً، بل إن الحد الوسطي لأقصى راتب في لبنان أصبح بحدود 60-70 دولاراً، وهذا أمرٌ خطير يجب أخذ خطوات لتصحيحه، ولكن كان يٌفضّل لو حصلت خطوات لتخفيض سعر صرف الدولار بالتوازي مع خطة مساعدات اجتماعية للموظفين، ولا يبدو هذا الأمر ممكناً حالياً بسبب تأزم الوضع السياسي والاقتصادي، وفي ظل غياب أي أفق سياسي وتشكيل حكومة وخطط اقتصادية، مشيراً إلى أنَّ قرار رفع الأجور بحاجة إلى سلسلة رواتب جديدة يقرها المجلس النيابي، وبالتالي البلد يحتاج إلى مشروع إصلاحي شامل، ولا يمكن إقرار سلسلة رواتب جديدة قبل معرفة إلى أي حدٍ سيصل سعر صرف الدولار، الذي من المتوقع وصوله إلى 60 ألف ليرة إن بقيت الأمور على حالها ورغم أحقية زيادة الرواتب والأجور، ولكن يجب أن تكون ضمن خطة تفيد الموظف وتتماشى مع انتاجية العمل وتخفف مكامن العجز بأماكن أخرى، بدون أن يكون لها تبعات سلبية على الاقتصاد اللبناني.

الهيئات الدولية والاتحاد العمالي وتطوير قوانين العمل

ثلاثة مشاريع يجري العمل عليها لتحسين حال العمال في لبنان وفقا للأسمر، وهي تتم بالتعاون مع الهيئات الدولية، أولاً مشروع قانون عمل عصري، وقد تم إنجاز جزءٌ كبير من التطوير لقانون العمل الحالي، الذي يُعمل به منذ الخمسينيات ولكن الأمور تحتاج إلى حكومة جديدة وتهدئة، كي يمكن العمل عليه، خاصةً أنَّ هذا القانون يحتاج إلى حوار ثلاثي بين الهيئات الاقتصادية وأفرقاء الإنتاج والدولة كونها أكبر صاحب عمل.

ثانياً مشروع التقاعد، وقد تم انجاز جزء كبير من العمل عليه مع منظمة العمل الدولية وهيئات دولية أخرى، هذا يريح العمال، كونه ينقلنا من نظام نهاية الخدمة، إلى نظام التقاعد، وهو اليوم بيد الهيئة العامة لمجلس النواب، ولكنه بانتظار خطة التمويل.

ثالثاً مشروع البطالة، هناك ما يقدر بـ 250 ألف طالب متخرج لا يجدون عملاً وأصبحوا مشاريع هجرة، لذلك يُدرس مشروع التعويض عن البطالة التي تنشأ بوزارة العمل مع الهيئات الاقتصادية والصناعيين وهيئة العمل الدولية.

وكان جرى تنفيذ مشروع الحماية الاجتماعية عبر استمرار عطاءات الضمان لمن بلغوا سن التقاعد بعد خروجهم من الخدمة، وهو منذ العام 2017 يؤمن الضمان الصحي للمتقاعدين.

البطاقة التمويلية وتمويلها

يؤكد الأسمر أنَّ 70% من الشعب اللبناني يحتاج إلى بطاقة تمويلية، ويلفت إلى أنَّ البنك الدولي أعلن حصة لبنان من مدخرات انتسابه إليه، وهي بحدود 860 مليون دولار، وقد تكون فرصة لتمويل البطاقة التمويلية، بدل استعمال القرض المخصص لخطة النقل العام الممولة من البنك الدولي التي كان هناك ميل إلى استعماله، وكان سيحُرم اللبنانيين من خطة نقل بالعاصمة وباتجاه الضواحي، أما خطة البنك الدولي اليوم التي تقضي بإعطاء لبنان 160 مليون دولار من مدخراته، توفر 245 مليون دولار من اعانات البنك الدولي لتمويل الأسر الأكثر فقراً، ومشاريع أخرى تحتص بوزارة الشؤون الاجتماعية، ويستدرك الأسمر، أنَّ كل ما سبق يحتاج إلى حكومة لإدارة هذه القروض واستثمارها بالمكان الصحيح وتغطية معظم العائلات المحتاجة.

إقرأ أيضاً: “السرفيس” بـ 14 ألفاً في حال رفع الدعم.. و”العمالي” يُضرب

اللبنانيون اليوم أمام اختيار أبرد بقعة في جهنم، بين فقدان القوة الشرائية وزيادة التضخم وسعر صرف الدولار، المواطن في حيرة، بينما يتناتش السياسيون على الحصص والانتصارات الفارغة ومستقبلهم السياسي، بدل أن يكون همهم الأول تأمين أدنى حقوق المواطنة.

شارك المقال