جديد أزمات عهد الإنهيار 

هدى علاء الدين

تنهار قطاعات لبنان الواحدة تلو الأخرى في سيناريو كارثي دون وجود من يُنقذها، في ظل تغافل حكومي عن القيام بأدنى الواجبات لكبح هذا الانهيار. تقارير دولية وتحذيرات أممية ودق ناقوس الخطر تتوالى على لبنان، كان آخر فصولها ما صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، التي حذّرت من انهيار شبكة إمدادات المياه العامة في لبنان خلال شهر، جراء الانهيار الاقتصادي المستمر وتبعاته من انقطاع الكهرباء وشحّ في المحروقات.

وأظهرت نتائج الدراسة التي أجرتها المنظمة أن أكثر من 4 ملايين شخص بينهم مليون لاجئ، يواجهون خطر عدم الحصول على المياه الصالحة للشرب في لبنان، بسبب عدّة عوامل منها العجز عن دفع كلفة الصيانة بالدولار وانهيار شبكة الكهرباء ومخاطر ارتفاع كلفة المحروقات التي تضع أنظمة المياه تحت ضغط شديد، ما يؤدي إلى وقف معالجة المياه وضخها وتوزيعها، بحيث تقدر نسبة فاقد المياه في أنظمة المياه نحو 40 في المئة، وذلك بسبب نقص الصيانة والتوصيلات غير الشرعية. وتوقعت أن تتوقف معظم محطات ضخ المياه عن العمل تدريجياً في مختلف أنحاء لبنان في غضون أربعة إلى ستة أسابيع مقبلة، مقدرةً في حال انهيار شبكة الإمدادات العامة، أن ترتفع كلفة حصول الأسر على المياه بنسبة 200 في المئة شهرياً، بسبب لجوئها إلى الحصول على الماء من جهات خاصة، الأمر الذي سيشكل كلفة باهظة جداً للعائلات الأكثر ضعفاً والتي تقدر قيمتها بـ 263 في المئة من متوسط الدخل الشهري.

وبحسب ممثلة المنظمة في لبنان يوكي موكو، فإن نظام المياه العامة في لبنان على وشك الانهيار في أي لحظة بسبب تعرضه للخراب والدمار جراء الأزمة الاقتصادية الحالية، محذرةً في حال لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن المستشفيات والمدارس والمرافق العامة الأساسية لن تتمكن من العمل لافتقارها إلى الوصول لإمدادات شبكة المياه العامة، ما سيضطر أكثر من أربعة ملايين شخص إلى اللجوء إلى مصادر مياه مكلفة وغير آمنة، ما يُعرّض صحة الأطفال ونظافتهم للخطر. إذ سيكون لهذا التطور السلبي تأثير فوري وضرر هائل على الصحة العامة، حيث ستتعرض النظافة للخطر وسيشهد لبنان زيادة في الأمراض وستواجه النساء والشابات المراهقات تحديات خاصة في النظافة الشخصية والحماية والكرامة نتيجة حرمانهن من الحصول على مرافق صحية آمنة.

تجدر الإشارة إلى أن اليونيسيف كانت قد حذّرت مطلع الشهر الجاري من أن أطفال لبنان في خطر، مشيرة إلى أن أكثر من 30 في المئة من الأطفال في لبنان ناموا في فراشهم في الشهر الماضي ببطونٍ خاوية، وأن 77 في المئة من الأسر لا تملك ما يكفي من غذاء أو مال لشرائه، في حين صنف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية ضمن أشد عشر أزمات وربما إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وذلك بحسب تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الصادر عنه.

تتفرع من أزمة لبنان الاقتصادية عدّة أزمات مترابطة مع بعضها البعض، تُشكل مزيجاً من الفشل في إدارة الأزمات والغياب المتعمد لأي من الحلول التي تحدّ من آثارها المدمرة على المواطن اللبناني. إلى الآن، لم تحرك هذه المؤشرات والأرقام السلبية والتحذيرات ساكناً، إذ لا تزال حكومة تصريف الأعمال تتهرب من تحمّل مسؤولياتها أمام شعبها، وبالرغم من الدعوات المتكررة إلى لبنان من أجل العمل على إيجاد حلول سريعة تُلبي الحاجات الأساسية للمواطن وتُوفر له الحماية الاجتماعية والغذائية والصحية للتخفيف من معاناته اليومية، يبقى القرار بأخذ البلد إلى المزيد من الانهيار حاجةً ملحةً لدى البعض من أجل تحقيق مكاسب وهمية.

حتماً، لن تكون هذه آخر التحذيرات، فكل المعطيات تُشير إلى عاصفة متجددة من الأزمات، ستبقى وإن اختلفت عناوينها حصاداً لعهد الانهيار.

شارك المقال