ماذا وراء تحسن سعر الليرة؟

المحرر الاقتصادي

تحسن ملحوظ جداً شهده سعر صرف الليرة مقابل الدولار في الأيام القليلة الماضية ليكسر عتبة الـ17 ألفاً بعدما بلغ مستويات خيالية تخطت الـ23 ألفاً من دون أن أن يحصل أي تغير في الواقع الاقتصادي الراهن يفسر تطور سعر الصرف صعوداً. 

فهل من تطورات اقتصادية أو مؤشرات تقنية ساهمت في تحسن الليرة؟ 

لا شك أن تحسن سعر صرف الليرة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعوامل السياسية المواكبة لتأليف حكومة سريعاً بعد تحديد الاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن هذه المهمة التي أفشلتها أشهر من التعطيل والعرقلة المتعمدة من دون أن يرف جفن للمعرقلين بوضع حد لآلام الناس. فآمال اللبنانيين تجددت في أن تكون الحكومة التي يؤمل أن تشكل قريباً، قادرة على وقف النزيف المالي الحاد وبدء اصلاحات تعيد النفس إليهم، هم الذين يختنقون اليوم من شدة وطأة الأزمات المعيشية، من أزمة دواء وكهرباء ومواد غذائية أساسية، الى أزمة محروقات يبدو أن حلها لن يكون مستداماً في الوقت القريب. واللائحة تطول طبعاً.

كما ساهمت في هذا التحسن الأموال التي أنفقها المغتربون في فترات عيد الأضحى المبارك وتحويلهم الدولارات التي بحوزتهم الى العملة الوطنية وارتيادهم الفنادق والمطاعم، بالإضافة إلى المساعدات النقدية التي حصل عليها اللبنانيون من أقربائهم في المهجر. 

لكن هذه العوامل مجتمعة آنية ولن تكون كافية على المدى المتوسط لتحقيق المزيد من التحسن في سعر الصرف. لأنه، وبكل بساطة، لم يحصل أي تغير في الأسس الاقتصادية القائمة على العرض والطلب. فالمدخل إلى حل مستدام يبدأ بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاحي تمويلي يشكل مرتكزاً لمجيء استثمارات جديدة الى لبنان، واتخاذ خطوات من شأنها تعزيز التصدير لدخول دولارات جديدة، توازياً مع التوصل الى آلية بين الحكومة الجديدة ومصرف لبنان لوضع حد لمضاربات السوق الموازية وتوحيد أسعار الصرف المتعددة. 

كما يكون المدخل إلى الحل من خلال اتخاذ اجراءات تضع حداً لطباعة العملة المحلية والتي تفاقم التضخم وتوصله الى مستويات عالية جداً وتساهم بالتالي في تدهور الليرة. 

ولا يمكن أن ننسى أن اقتصاد لبنان مدولر بنسبة تتجاوز الـ80 في المئة، وهو يستورد أكثر من 90 في المئة من حاجاته الاستهلاكية من الخارج. وبالتالي يحتاج الى العملة الصعبة لتمويل هذه الفاتورة المرتفعة على رغم تقلصها في السنتين الأخيرتين نتيجة لتراجع حجم المستوردات. وهنا لابد من الإشارة الى أن سعر صرف الليرة سيتحسن أكثر مع حصول لبنان على حصته من حقوق السحب الخاصة التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي والبالغة 860 مليون دولار والمتوقعة في نهاية آب المقبل والتي ستوضع في مصرف لبنان لتعزيز احتياطاته من العملات.

إقرأ أيضاً: أحد الخيارات الفرنسية: وقف طباعة الليرة

أضف الى كل ما تقدم، فإن العامل النفسي لدى اللبنانيين يلعب دوراً كبيراً في حركة العرض والطلب. فغياب الثقة بإمكان الوصول الى حل سياسي يدفع بهم الى الاحتفاظ بالدولارات التي يمتلكونها لأنها تشكل لهم وسادة أمان للمستقبل المظلم. 

بعبارة أخرى، فان العوامل الحقيقية لتحسن سعر صرف الليرة واستعادة عافيتها هي في تطبيق القائمة التالية: تشكيل حكومة تبدأ بالإصلاحات المطلوبة منها دولياً، إعادة التوازن إلى الاقتصاد وتدفقات نقدية من الخارج.  

وعلى أمل أن يواكب هذا التحسن في سعر صرف الليرة اليوم تحسن في أسعار المواد الغذائية، وأن تطبق وزارة الاقتصاد والتجارة تحذيرها في حكومة تصريف الأعمال الى المستوردين وأصحاب المؤسسات التجارية من أن استمرارهم في التلاعب بالاسعار أو الغش سيعرضهم الى أقصى العقوبات وصولاً إلى الطلب من القضاء بإقفالهم. وطلب وزير الاقتصاد والتجارة من هؤلاء “خفض الأسعار بأقصى سرعة وبشكل ملحوظ قبل صباح الغد كحدٍ أقصى وذلك مع الانخفاض الكبير بسعر الصرف وتحسساً مع المواطنين”.

شارك المقال