4 مليارات خرجت من “المركزي” في 7 أشهر.. أما آن وقت بت الدعم؟   

المحرر الاقتصادي

4 مليارات دولار هو حجم تراجع موجودات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية في سبعة أشهر. هذا المنحى التراجعي يعني أن موجودات المصرف المركزي بالعملات سوف تتقلص بحوالي 7.5 مليارات دولار في نهاية العام في حال استمر دعم المواد الأساسية والأدوية والمحروقات على ما هو عليه وسط استمرار عمليات التهريب.

وفق أرقام الوضعية نصف الشهرية لمصرف لبنان، فان ميزانية مصرف لبنان وصلت الى 158.9 مليار دولار في نهاية تموز 2021 بزيادة نسبتها 6.9 في المئة عن مبلغ الـ148.6 مليار دولار في نهاية العام 2020 و3.1 في المئة عن تموز 2020. كما بلغت الموجودات بالعملات حتى 31 تموز 2021، ما قيمته 15 مليار دولار أي بتراجع نسبته 21.1 في المئة في سبعة أشهر. وهو مبلغ مستثنى منه محفظة سندات اليوروبوندز التي لا يزال مصرف لبنان يحتسبها بقيمة 5.03 مليارات دولار على رغم الانخفاض الكبير في قيمتها في الأسواق العالمية.

وقياساً إلى عام مضى أي منذ تموز 2020، فإن هذه الموجودات تراجعت بواقع 10.6 مليارات دولار أو ما نسبته 41.4 في المئة.

في المقابل، فان احتياطات مصرف لبنان من الذهب بلغت في نهاية تموز 2021، ما قيمته 16.9 مليار دولار بتراجع بـ 453 مليون دولار أو ما نسبته 2.6 في المئة عن نهاية العام 2020، وبـ1.2 مليار دولار أو ما نسبته 6.5 في المئة عن نهاية تموز 2020. وكانت قيمة سبائك الذهب وصلت الى ذروتها في أيلول من العام 2020 حين وصلت الى 18.1 مليار دولار.

كذلك، أظهرت الوضعية نصف الشهرية أن محفظة الأوراق المالية التي تتضمن استثمارات المصرف المركزي مضافاً إليها الفوائد المستحقة غير المقبوضة، بلغت 40.6 مليار دولار في نهاية تموز 2021 بزيادة قيمتها 579.8 مليون دولار عن نهاية العام 2020 و7 مليارات دولار عن تموز 2020.

في المقابل، إن التسليفات إلى القطاع المالي المحلي بلغت بمجملها 13.9 مليار دولار بتراجع 2.4 في المئة عن نهاية العام 2020 و4.8 في المئة عن تموز 2020.

أما ودائع القطاع المالي، وهي التزامات مستحقة للمصارف وتمثل الأموال أموال المودعين بالليرة والعملات الأجنبية التي أودعتها المصارف في المصرف المركزي،  فبلغت 107.4 مليارات دولار في نهاية تموز 2021 بتراجع قيمته 3 مليارات دولار من تموز 2020. واللافت أنها زادت عن النصف الأول من تموز بواقع 612 مليون دولار. فيما بلغت ودائع القطاع العام 6.4 مليارات دولار بتراجع 1.9 مليار دولار عن نهاية العام 2020.

مع استمرار استنزاف الاحتياطات بالعملات الأجنبية، ووسط استمرار معاناة اللبنانيين من شح الكهرباء والمحروقات وتحميل المعنيين مصرف لبنان المسؤولية، صارح حاكم مصرف لبنان رياض سلامه اللبنانيين بـ”بعض الحقائق المتعلقة باستيراد المازوت والبنزين والفيول”، كاشفاً أنه باع في شهر تموز وحده 293 مليون دولار، وأعطى موافقات سابقة بـ 415 مليون دولار، أي ما مجموعه 708 ملايين دولار لاستيراد البنزين والمازوت. وإذا ما أضيف الرقم على 120 مليون دولار لاستيراد الفيول إلى كهرباء لبنان، فان مجمل الدعم يصل إلى 828 مليون دولار لاستيراد المحروقات.

هذه المصارحة ليست الاولى. سبقها بيان آخر في منتصف الشهر الماضي فنّد فيه المصرف المركزي مبالغ الدعم للأدوية في سوق بات فيها العثور على دواء أمراً غير عادي. فقال البيان إن المبالغ المدفوعة على استيراد الأدوية بلغت لغاية منتصف هذا العام 536 مليون دولار من أصل طلبات استيراد بقيمة 1.5 مليار دولار، قبل أن يعود ويخصص 400 مليون دولار إضافية، في حين أن كامل ما دفع في العام 2020 على الدواء بلغ 1.173 مليار دولار.

المبالغ هذه تذهب هدراً من ودائع الناس. لقد أعلنت وكالة “موديز” منذ أيام أن تمويل المواد الأساسيّة المدعومة (كالقمح، والفيول، والأدوية) قد أصبح صعباً. واختصرت التحدّيات القائمة كالتالي: التعرّض الآخذ بالارتفاع لأزمة إقتصاديّة وماليّة وإجتماعيّة حادّة، وضعف المؤسّسات ونظام الحوكمة، واستمرار استنزاف الاحتياطات بالعملات الأجنبيّة (وهو ما يؤدّي إلى تراجع كبير في سعر الصرف وإلى ارتفاع ملحوظ في مستويات التضخّم).

ورغم قتامة الوضع، فان البطاقة النقدية التي قدرت تكلفتها بحوالي 556 مليون دولار لعام واحد، لم تجد بعد طريقها إلى التنفيذ بسبب عدم توافر مصادر لتمويلها. فيما لا تزال اللجنة الوزارية الاقتصادية المكلفة بحث تمويل البطاقة النقدية مقابل إلغاء الدعم، تضع “اللمسات الأخيرة” على خطة البطاقة، وفق ما جاء في الخبر الموزع من السراي الاثنين عقب ترؤس رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب للاجتماع. وجاء في نص الخبر أنه “تم وضع اللمسات الأخيرة على خطة البطاقة التمويلية على أن يستكمل البحث الإثنين المقبل”. أسبوع بكامله لاستكمال بحث هذه المسألة الحساسة في وقت يفترض أن تكون اجتماعات اللجنة مفتوحة إلى حين بتها، على اعتبار أن الحكومة ملزمة وفق الدستور توفير سبل العيش الكريم لمواطنيها، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تمتّع اللبنانيين بحقوقهم.

إقرأ أيضاً: بين الاحتياطي والتوظيفات… الحاكم يناور والحكومة تتهرب

وكان البنك الدولي أصدر في 29 تمّوز الماضي إعلاماً أبلغ فيه الحكومة اللبنانيّة عن فعاليّة المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي بدءاً من 28 تمّوز، وهو التاريخ الذي أوفت فيه الدولة اللبنانيّة جميع شروط القرض. ويهدف المشروع البالغة قيمته الإجماليّة 246 مليون دولار، إلى تأمين مساعدات نقدية عاجلة وتسهيل الحصول على مساعدات اجتماعيّة لحوالي 786 ألف لبناني فقير ومتأثّر بوباء كورونا. كما ذكر البنك الدولي في بيان له أنّه يتطلّع إلى الاستيفاء الفوري والفعّال لشروط البدء بصرف المبالغ المخصّصة لهذا القرض بأسرع وقت ممكن. وشروط القرض هي: إنشاء آليّة انتصاف (Grievance Redress Mechanism)  ضمن وزارة الشؤون الاجتماعيّة؛ التوقيع على اتفاقيّة مع برنامج الغذاء العالمي للبدء بالتحويلات النقديّة؛ تعيين وكيل طرف ثالث للمراقبة من أجل إجراء تحقيق خارجي للتأكّد من صحّة تطبيق المشروع؛ والتأكّد من هويّة الأفراد المستوفية للشروط التي سوف تستفيد من التحويلات النقديّة وفقاً للاتّفاق مع البنك الدولي.

كل ما تقدم يؤكد أنّ السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو ‏تشكيل حكومة والمباشرة بالقيام بالإصلاحات الضرورية وإعادة فتح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

شارك المقال