تقارير دولية تُحذر… ولبنان الرسمي يتجاهل

هدى علاء الدين

تُجمع التقارير الدولية والأممية على خطورة الأزمات المتشعبة في لبنان والتي يشتد وطيسها بشكل متسارع مع غياب الحلول الناجعة وتفاقم التجاذبات السياسية واستمرار الفراغ الحكومي، محذرة من آثارها السلبية على المدى الطويل على كافة المستويات، في حال لم يتم العمل سريعاً على احتوائها ومعالجتها.

وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن الأزمات المتفاقمة في لبنان وعجز الحكومة عن التعامل معها، أوصل الأوضاع إلى مستوى غير مسبوق من التدهور. التقرير الذي جاء بعنوان “لبنان… الانزلاق إلى الهاوية”، استعرض الجوانب المختلفة للأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ نحو عامين، ومدى انعكاسها على الأوضاع الإنسانية والمعيشية للبنانيين، في ظل عدم وجود بوادر جادة للتخفيف من حدة الأزمات المتلاحقة في وقت قريب.

وأوضح التقرير أنه على الرغم من أن لبنان يعاني أزمات عدة بخلاف الأزمة الاقتصادية مثل جائحة كورونا وتبعات انفجار مرفأ بيروت، إلا أن الأزمة الاقتصادية كان لها الأثر السلبي الأكبر على حياة اللبنانيين، إذ عانت الدولة خلال العام الماضي من كساد اقتصادي كان سببه انكماش النمو في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 20.3 في المئة، بالإضافة إلى وصول معدلات التضخم لأكثر من 100 في المئة، فضلاً عن تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق، وازدياد معدلات الفقر بشكل حاد متجاوزة الـ 55 في المئة، في حين بات أكثر من 50 في المئة من العمال المهاجرين عاطلين عن العمل.

أما عن أزمة الارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات الأساسية في لبنان، فيصفها التقرير بأنها إحدى أكبر الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، بعد أن قفزت أسعار نحو 17 سلعة أساسية تشمل الخضار والفواكه والحبوب واللحوم والزيوت ومشتقات الحليب والألبان بنسب وصلت إلى 350 في المئة، بسبب تدهور سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، والتي فقدت حوالي 100 في المئة من قيمتها خلال أقل من عامين. كما تناول التقرير الأزمات اليومية التي يعاني منها اللبنانيون كأزمة المحروقات والكهرباء والتحويلات المالية إلى الطلاب في الخارج، وأزمة الخبز الذي ارتفع سعره 8 مرات خلال العام الحالي فقط، ما جعل جزءاً كبيراً من اللبنانيين يواجهون صعوبة بتوفير ما يكفي من خبز لعائلاتهم.

كذلك أشار التقرير إلى أزمة القطاع الصحي التي باتت تهدد حياة مئات المرضى الذين أصبحوا غير قادرين على تأمين ما يلزمهم من الأدوية الرئيسة الشحيحة أصلاً، خاصة تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة كالضغط والسكري، والخطيرة كالسرطان، فضلاً عن عدم توفر المستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية بشكل كاف، على النحو الذي أثر بشكل كبير على الخدمات الصحية المقدمة للبنانيين، بما في ذلك الفحوصات التشخيصية والعمليات الجراحية.

إقرأ ايضاً: غرف سوداء تتهم منشآت النفط… وتحمي المهربين

هذا وأوصى المرصد الأورومتوسطي السلطات اللبنانية بضرورة وضع خطة عمل طارئة لمعالجة الأزمات الرئيسية، للحيلولة دون تدهورها بشكل أكبر تشمل إجراءات متوازية في مختلف القطاعات لضمان إحداث تغيير إيجابي فعلي في حياة اللبنانيين، داعياً إلى تنفيذ عمليات إصلاح إداري واقتصادي شاملة لمواجهة احتمالية انهيار أمني كبير نتيجة الفقر وغياب الحاجات الأساسية والفساد المستشري في مختلف مفاصل الدولة. كما حثّ المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات عاجلة وحازمة للضغط على السلطات اللبنانية لمنع تفاقم الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون وضمان توفير الحاجات الأساسية لهم، بما في ذلك مراقبة أداء السلطة في ما يتعلق بتوجيه المساعدات المقدمة للبنان، ومراقبة أداء مؤسسات الدولة بهدف مكافحة الفساد وتعزيز دور السلطة القضائية.

إذاً، تحذيرات بالجملة تحمل في طياتها مؤشرات سلبية وأرقاماً صادمة عن واقع مشؤوم يأخذ اللبنانيين إلى قعر الانهيار، تُطلقها هذه التقارير على اختلاف مصادرها مراراً وتكراراً من أجل دّق ناقوس الخطر. وبالرغم من كل الدعوات التي تطالب بالانقاذ وتحث على إعادة الثقة عبر خطة متكاملة تُجري الاصلاحات وتُعيد بناء ما تصدّع وتعالج مكامن الخلل من جذورها، يبقى لبنان الرسمي غائباً عن السمع ومتجاهلاً كل النداءات الدولية محولاً إياها حبراً على ورق.

شارك المقال