غياب الدعم يهدد المصانع الغذائية ويشجع الغش والتهريب

فدى مكداشي
فدى مكداشي

تعد الصناعات الغذائية من أهم القطاعات الصناعية في لبنان، كونها ترتبط بالعديد من القطاعات الأخرى، لاسيما القطاع الزراعي وقطاع التعبئة والتغليف (الكرتون، البلاستيك، الزجاج، الخشب…)، إذ تعتبر مصانع الغذاء من أهم زبائن مصانع مواد التغليف.

ومعروف أن قطاع الصناعات الغذائية هو من أقدم القطاعات الصناعية في لبنان، وقد تطوّر أفقيًّا وعموديًّا ليضم صناعات متكاملة لعدد كبير من السلع والمنتجات. وفي آخر إحصاء أجراه برنامج الدعم التابع للأمم المتحدة (undp)  لعام 2020 هناك 1416 مصنعاً للصناعات الغذائية، وهذا يُشكّل 18.5 في المئة من مجمل المؤسسات الصناعية في لبنان. كما تمثّل صادرات هذا القطاع أيضاً 18.5 في المئة من الصادرات الصناعية وتأتي في المرتبة الثانية بعد صادرات المجوهرات.

علامة: من 10 إلى 15 يصدرون للخارج

وفي هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة، أن “قطاع الصناعات الغذائية من أقدم وأهم القطاعات الصناعية في لبنان وهو يضم صناعات متعددة ينتج عنها حوالي 175 سلعة موزّعة بين منتجات الألبان والأجبان (70 سلعة)، منتجات الطحين والخبز والكعك والحلويات (30 سلعة)، منتجات العصائر والمياه (20 سلعة)، ومنتجات الصناعات الغذائية إضافة إلى المكسرات والبن والبهارات ليشمل باقي منتجات القطاع”، مشيراً إلى أن “هناك بين الـ10-15 مصنعاً فقط التي تستطيع التصدير للأسواق العالمية التزاماً بالشروط والمعايير المطلوبة”.

داهوك: الغش والتهريب عبر الحدود

وعن واقع المصانع اللبنانية، يشير مدير مصنع “روابي تعنايل” للأجبان والألبان أحمد علي دهوك إلى أن “الأرباح في ظل هذه الأزمة تقلصت أكثر من 80 في المئة، أي عندما كان الدولار على سعر الـ1500 كان الربح اليومي دولاراً واحداً على كيلو الجبنة، أما اليوم فنربح 20 سنتاً أو أقل”.

وعن سبب الغلاء بالرّغم من إنتاج الحليب المحلي بالأطنان، يوضح أن “المزارع يعتمد على الأعلاف المستوردة والتي رفع عنها الدعم مؤخراً، وهناك عوامل أخرى، كارتفاع أسعار المازوت واليد العاملة والمواد الأساسية كالنايلون ومواد التنظيف والأدوية المستخدمة لرش المبيدات المستوردة بالدولار. لذا حتى لو كان إنتاج الحليب محلياً، وبالتالي يريد المزارع أن يحصل حقه لتغطية كافة نفقاته من الأكل والشرب والحكمة”، لافتاً في الوقت عينه، إلى أن “وزارة الزراعة تسعّر 60 في المئة من الحليب على 40 سنتاً و20 في المئة على الـ 1500 ولكن أغلب المزارعين لا يلتزمون بحجة المواد الأساسية والعلف”.

أما بالنسبة للتلاعب بالأسعار والاحتكار، فيكشف داهوك أن “هذه المصلحة يكثر فيها الغش والتهريب، إذ إن أغلب الأجبان تأتي من سوريا ويتم تصنيعها على الحدود السورية بالرغم من أن الاسم عليها لبناني. للأسف لا رقابة ولا حماية للصناعة ولا حتى لأصحاب المحلات التجارية أي أن الأمور أصبحت خارج السيطرة، ما يشجع التفلت والتهرب والغش”.

نصراوي: استيراد على الحساب الخاص

في حين تعاني المصانع الصغيرة من أزمة تهدد استمراريتها لأن أسواقها محصورة بالأسواق المحلية فقط، إلا أن جزءاً من بضائع المصانع الكبيرة مهيّأة للتصدير وبالتالي فهي في وضع مريح لناحية الحصول على الأموال بالعملة الأجنبية وهي قادرة على الاستمرار وتغطية السوق المحلي براحة.

وفي هذا الإطار، يقول المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سوناكو الربيع والنائب الثاني لرئيس مجلس إدارة جمعية الصناعيين اللبنانيين، جورج نصراوي والذي يملك معملاً كبيراً لصناعة الطحينة والحلاوة والمعلبات على أنواعها والعصائر ولديه 120 منتجاً في معمله، إنه “في ظل هذه الأزمة، ما زلت قادراً على الاستمرار لأن جزءاً كبيراً من البضاعة المحلية يتم تصديرها. أما باقي المصانع فتعاني بسبب قرار المصارف بوقف فتح الاعتمادات، وبالتالي الذي يبيع في السوق المحلية يعتمد بيعه على الليرة اللبنانية”، مضيفاً أن “مجمل المواد الأولية أستطيع أن أؤمنها لأنني أستوردها على حسابي الخاص. بعض المصانع الكبيرة تستورد موادها مباشرة وهناك مصانع صغيرة تأخذ موادها من تجار داخل لبنان. للأسف عندما كانت الدولة تقدّم دعماً لفترة محدودة لبعض منتجات الحبوب استفاد منها بعض التجار أكثر من أن يستفيد منها المستهلك. للأسف اليوم توقّف الدعم جزئياً وسنصل إلى مرحلة سيتوقّف فيها كليًّا”.

جدعون: مسح صناعي لتحسين الرقابة

وبحسب أرقام وزارة الصناعة فإن نسبة التصدير من المنتجات الغذائية إلى الخارج تتراوح ما بين 38 -39 في المئة من مجموع الصادرات ويذهب 35 في المئة منها إلى الخليج العربي. وبعد المشكلات التي تعرّض لها لبنان مؤخراً خصوصاً بعد أزمة تهريب المخدرات في شحنة الرّمان إلى السعودية، يشير المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون إلى أن “هناك حوالي 1400 مصنع مرخص للمواد الغذائية من أصل 6000 مصنع غير مرخص من قبل وزارة الصناعة. وبناء على ذلك، نعمل على إجراء مسح صناعي لكل المصانع لتحسين نوعية الرقابة. كما نعمل مع منظمات دولية عدة على وضع برامج من أجل تسهيل عملية التصدير للقطاعات الغذائية إلى الخارج”.

ويشير جدعون إلى أن هناك عوامل عدة أثرت سلباً على التصنيع المحلي منها “احتجاز الأموال في المصارف الأمر الذي يعيق عمل الصناعيين من أجل شراء المواد الأولية وغيرها من معدّات متعلّقة بالصيانة المسعّرة بالدولار، ما خلق مشكلة. فقد ارتفعت الأسعار والقدرة الشرائية لدى المواطن تدنّت. إضافة إلى أن المنتجات ذات الاختصاص اللبناني كالحمص والبرغل وكافة الحبوب بتنا نستوردها كلها بالدولار، ما ينعكس سلباً على التصنيع”.

أما بالنسبة للمنافسة الخارجية، فيشير جدعون إلى أن “هناك الدول المحيطة كقبرص واليونان وتركيا ومصر وإسرائيل الذين أعادوا إحياء الصناعات القديمة كالحلاوة والطحينة ولديهم قدرات أكبر من إمكاناتنا ويستطيعون المنافسة ويستخدمون تسميات شبه لبنانية مثل “طحينة الأرز” وللأسف لا يوجد حماية للملكية التجارية لأن هناك تقصيراً من الأجهزة المعنية سواء مؤسسات خاصة أو عامة في تسجيلها”، لافتاً إلى أن “صادرات العدو الإسرائيلي إلى الأسواق الأميركية من الحلاوة والطحينة تبلغ مليار دولار أميركي سنوياً”.

إقرأ أيضاً: 4 مليارات خرجت من “المركزي” في 7 أشهر.. أما آن وقت بت الدعم؟

التبعية الاقتصادية وأسواق جديدة؟

أما بالنسبة للأسواق المنتشرة في العالم والتي مازالت تطلب البضائع المصنعة في لبنان والمعتادة على مواصفاتها، يرى جدعون أن “الموضوع بحاجة لعناية في السنوات الخمس المقبلة للمحافظة على هذه الأسواق بوجه المنافسة الشرسة من قبل دول أخرى كتركيا وسوريا والعدو الإسرائيلي”.

وإذ أوضح أن “اقتصاد لبنان يرتكز على ما يسمى بالتبعية الاقتصادية، أي أن صادراته مبنية على أسواق دولة معينة ما أو مجموعة دول متقاربة مثل ما يحدث مع دول مجلس التعاون الخليجي”، فأشار إلى أن “لبنان يصدر 35 في المئة من المواد الغذائية إلى الخليج، وفي حال توقفت هذه الدول عن الاستيراد يخسر لبنان ثلث صادراته تقريباً”، لافتاً إلى أن “عملية تعويض هذه الخسائر بحاجة إلى ديبلوماسية تجارية تفتح أبواب الأسواق الجديدة سواء للمواد الأولية أو للصادرات من السلع والبضائع لاحقاً”.

شارك المقال