استثمار أوجاع اللبنانيين… مقامرة رخيصة

هدى علاء الدين

يعيش لبنان اليوم على أوكسيجين المساعدات المالية المقدّمة من المنظمات الأممية والدول المانحة التي تمد يد العون للبنانيين الرازحين تحت عبء الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القاتلة، في محاولة منها للتخفيف من وطأتها بعد فشل كافة الضغوطات الدولية في تحريك قطار تشكيل حكومة اختصاصيين تعمل على تنفيذ إصلاحات جذرية يطالب بها صندوق النقد الدولي.

وفي هذا الإطار، أطلقت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، خطة حملت عنوان “الاستجابة للطوارئ” في لبنان لسنة 2021 -2022، وهي خطة إنسانية محددة زمنياً تُعنى بإنقاذ الأرواح ومساعدة المحتاجين بهدف تخفيف التوترات القائمة بين المجتمعات المختلفة في لبنان وإلى إيجاد حلول تعالج الأسباب الجذرية للأزمة بقيمة إجمالية تبلغ 378.5 مليون دولار من أجل دعم الأشخاص الأكثر ضعفاً في لبنان. وبحسب البيان الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن هذه الخطة ستوفر الدعم الإنساني المنقذ للحياة لـ 1.1 مليون من اللبنانيين الأكثر ضعفاً (فئات من اللبنانيين والمهاجرين المتضررين من الأزمة)، حيث سيتم تقديم المساعدة المباشرة للنساء والأطفال والرجال الذين هم بأمس الحاجة إليها. الخطة التي تُعتبر مُكمّلة لبرامج الأونروا ولخطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية، بما فيها اللاجئون السوريون والفلسطينيون والمجتمعات المضيفة، تم تطويرها لمدة 12 شهراً تحت قيادة منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان والفريق القطري للعمل الإنساني بدعم من أوتشا.

ويأتي توقيت الإعلان عن هذه الخطة عقب عقد المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان برئاسة فرنسا والأمم المتحدة وبحضور ممثلين عن نحو 40 دولة ومنظمة دولية، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020. المؤتمر الذي نجح في جمع مساعدات في مجالات المواد الغذائية والصحة والتعليم وتنقية المياه في ظل عدم قدرة المرافق العامة على توفير الخدمات الأساسية، شهد انتقادات عالية اللهجة من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصف الطبقة السياسية اللبنانية بالفاشلة التي تُراهن على استراتيجية المماطلة، معلناً تقديم بلاده مساعدات مالية بقيمة 100 مليون يورو للشعب اللبناني في الأشهر الاثني عشر القادمة وإرسال نصف مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا اعتباراً من الشهر الحالي.

وأشار ماكرون إلى أن لبنان يستحق ألا يستمر بالعيش معتمداً إلى ما لا نهاية على التضامن الدولي، مشدداً على أن الأزمة التي يشهدها لبنان لم تكن حتمية بل أتت نتيجة إفلاس شخصي وجماعي واختلالات غير مبررة، معلناً أنه لن يكون هناك شيك على بياض للنظام السياسي اللبناني الذي فشل منذ بداية الأزمة وحتى من قبلها.

لبنان الذي يعاني من أسوأ حالة انهيار اقتصادي ومالي، يواجه اليوم تدهوراً خطيراً في الوضع الإنساني في ظل غياب الحلول المستدامة والخطط الفعالة والمبادرات القادرة على تنفيذ استراتيجية شاملة للحماية الاجتماعية والغذائية، إذ باتت منظومته الحاكمة تُتقن بامتياز فنون الألعاب السياسية المدمرة لتقوية مكانتها ونفوذها على حساب أوجاع اللبنانيين. فمتى ستدرك هذه المنظومة أن زمن الشيك على بياض قد ولّى إلى غير رجعة وأن الاستثمار في معاناة الشعب لجذب مساعدات الدول المانحة بملايين الدولارات كتعويض عن مسؤوليتها في حل الأزمات لن يُبقيها طويلاً على الساحة السياسية؟

شارك المقال