عام على فراغ حكومي ولبنان يغرق

المحرر الاقتصادي

مَن كان يعتقد أن الفراغ الحكومي قد يستمر عاماً بكامله بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في 10 آب الماضي عقب انفجار مرفأ بيروت الكارثي؟ لا أحد من اللبنانيين كان يتوقع ذلك. فالأزمات المركبة بأشكالها كافة، من اقتصادية إلى مصرفية ونقدية واجتماعية وصحية والتي فاقمها انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا، كانت لتشكل سبباً وجيهاً أمام تنحية المسؤولين خلافاتهم جانباً بهدف تشكيل حكومة تعبّد الطريق لحلول تبعد اللبنانيين عن جهنم بات محتّماً اليوم.

العديد من البلدان واجهت أزمات قريبة مما يعانيه لبنان اليوم، من غياب الثقة باقتصاداتها وبنظامها المصرفي إلى تراجع التدفقات المالية اليها وتراجع مستوى معيشة مواطنيها. الفارق هو أن هذه البلدان كانت تتخذ إجراءات سريعة من شأنها أن توقف التدهور الحاد في اقتصاداتها وأوضاع مواطنيها المعيشية، فيما المسؤولون هنا انشغلوا، ولا يزالون، بجنس الملائكة، وبالحصول على كرسي إضافي من هنا أو موقع مهم من هناك، لتصبح المسألة الملحّة في لجم التدهور الاقتصادي الحاد وإبقاء اللبنانيين على الحياة مجرد تفصيل. هؤلاء لا يعنيهم أن يصبح أكثر من نصف اللبنانيين فقراء، أو أن تفقد الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، أو أن يرتفع التضخم في الأسعار بشكل دراماتيكي ليصل إلى 143.1 في المئة في حزيران على أساس سنوي مدفوعاً بشكل أساسي بالتدهور الكبير في سعر صرف العملة، وأن تكون أسعار المواد الغذائية مثلاً ارتفعت لأكثر من 211 في المئة (علماً أن هذه النسبة التي جاءت في تقرير إدارة الإحصاء المركزي هي أعلى بكثير)، بما يعني أن معظم اللبنانيين باتوا غير قادرين على توفير أدنى مقومات الغذاء وسط غياب لحل مسألة البطاقة النقدية التي يفترض أن تعينهم مع رفع الدعم واستمرار استنزاف احتياطات مصرف لبنان.

وقد لا يعلمون أن انقطاع مادتي المازوت والبنزين الحيويتين سيطفئ لبنان ويقطع أوصاله، وسيوقف محركات ما تبقى من مصانع، لاسيما الجوهرية منها للقطاع الصحي – كما حصل مع شركة “ألفا” لإنتاج وصناعة الأمصال وهي من أكبر المعامل الوطنية التي تغطي 70 في المئة من حاجة السوق والتي أعلنت عن توقف الإنتاج فيها بسبب فقدان مادة المازوت – وسيقفل مستشفيات وسيتلف أطناناً من المزروعات ليصبح الأمن الغذائي في خطر كبير، كما سلامة الغذاء مع ارتفاع حالات التسمّم نتيجة انقطاع الكهرباء.

هؤلاء لا يعنيهم أن يكون الاقتصاد قد خسر ما يقارب الـ20 مليار دولار في العام الماضي وحده. وهو رقم سيرتفع بلا شك هذا العام، لأن تداعيات الازمات التي يواجهها لبنان ستضاعف حجم هذه الخسائر. يقول البنك الدولي في هذا الإطار إنه من بين الأزمات التي يواجهها لبنان، كان للأزمة الاقتصادية الأثر السلبي الأكبر والأكثر استمرارًا، وإن لبنان يعاني كساداً اقتصادياً حاداً وطويل الأمد يتمثل بتقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 20.3 في المئة في عام 2020 وببلوغ التضخم ثلاثة أرقام، بينما يستمر سعر الصرف في فقدان قيمته، وفيما الفقر يتزايد بشكل حاد.

هل وصلت إلى مسامع هؤلاء، التحذيرات التي اُطلقت مؤخراً من توقف الأعمال داخل إدارات الدولة ومؤسساتها بسبب صعوبة تأمين العديد من المستلزمات لعمل الدوائر التابعة لها لا سيما من ناحية القرطاسية والأوراق، فضلاً عن استحالة تأمين الصيانة للمكاتب والمولدات، بما من شأنه تعليق كل المعاملات التي يحتاج إليها المواطن لاسيما الطبية والصحية منها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟

أما وضع القطاع الخاص الذي يعتبر محرك الاقتصاد، فحدّث ولا حرج. لقد تضرر كثيراً نتيجة انفجار مرفأ بيروت، وتقلصت مبيعاته بحوالي 45 في المئة في العام 2020 مقارنةً بمعدّل مبيعاته عام 2019، وسرّح حوالي 23 في المئة من الموظفين العاملين في قطاعات رئيسية فيه. وطبيعي أن يتفاقم وضعه هذا العام في ظل التراجع الكبير في القدرة الشرائية والصعوبات المالية التي يواجهها في معاملات الاستيراد مع تعدد أسعار الصرف.

في الشهر الماضي، أطلق البنك الدولي أحد أخطر تحذيراته عن الواقع اللبناني. فقال بكل بسلطة إن “لبنان يغرق” ويتجه “نحو أسوأ 3 أزمات عالمية”، وإن أزمته أسوأ من أزمة اليونان في 2008 وأزمة الأرجنتين في 2001، وإنه في مواجهة التحديات الهائلة التي يواجهها “يهدّد التقاعس المستمر في تنفيذ  السياسات الانقاذية، في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً والسلام الاجتماعي الهش” من دون أن تلوح  في الأفق أي نقطة تحوّل واضحة. هذه المؤسسة الدولية العريقة توقعت أن يستلزم التعافي ما بين 12 عاماً و19 بناء لسيناريوين مختلفين أحدهما متفائل للحل والثاني متشائم يطيل فترة قيامة لبنان. وهذا يضعه في ترتيب بعد إسبانيا التي استغرقت 26 عاماً للتعافي من حربها الأهلية في الثلاثينات، وتشيلي التي احتاجت إلى 16 عاماً للتعافي من انهيارها الاقتصادي عام 1926.

شارك المقال