الأزمة الاقتصادية تُكسب العهد حربه النفسية

هدى علاء الدين

لم يسبق أن أثّرت أي أزمة اقتصادية أو سياسية بهذا الشكل المخيف في الحالة النفسية للشعب اللبناني، فحتى أكثر الحروب ضراوة وأكثر التفجيرات وحشية استطاع المواطن تحملها والتعامل معها بفعالية ومواجهتها بصلابة نفسية. إلا أن المختلف في أزمة اليوم هو انعدام الثقة بكل ما يرتبط بوجوده، فكانت شرارتها الأولى انعدام الثقة بالمصارف التي أدت إلى انهيار العملة الوطنية، مروراً بتفجير المرفأ من دون محاسبة، وصولاً إلى فقدانها مع سياسة هذه المنظومة الحاكمة وعدم توافر أي بديل في المدى المنظور.

تشير الدراسات والأبحاث العلمية إلى ارتباط وثيق بين الجوانب الاقتصادية والأحوال النفسية، إذ كلما استقرّ الوضع الاقتصادي وازدهر كلما أدّى ذلك إلى تمتّع المواطنين بحالة من الاستقرار الاجتماعي والراحة النفسية. وعلى العكس من ذلك، فأي تدهور في الوضع الاقتصادي ولا سيما إن كان بشكل سريع ومفاجئ، فإن ذلك يؤثّر سلباً في الصحة النفسية والتوافق والشعور بالأمن لديهم. وينسحب هذا المبدأ على المجتمع اللبناني الذي كان يتميز بمستوى متقدّم من الرفاهية وجودة الحياة ومقومات العيش الكريم الذي وفّر للمواطن حاجاته الأساسية كالمأكل والمشرب والتعليم والطبابة، إلى جانب الحاجات الثانوية كالسفر وممارسة الهوايات وغيرها… وفجأة وجد نفسه محروماً من هذه المقومات في أكثر الخسارات إيلاماً له.

من انهيار الليرة، وفقدان القدرة الشرائية، وازدياد معدلات الفقر والبطالة، وحجز الودائع في المصارف، يعاني المجتمع اللبناني من تزايد معدّلات الإصابة بالاضطرابات النفسية والسلوكية لديه أبرزها قلق حول المستقبل، الخوف، الاكتئاب، العدوانية والعنف، إذ شكل الانهيار الاقتصادي والمالي صدمةً موجعة غيّرت معها أساليب العيش وأنماطه والعادات والطموحات، وأفقدته الشعور بالطمأنينة والأمن النفسي والاجتماعي.

وعمّا إذا كان المواطن لديه القدرة على مواجهة هذه الأزمات مُجتمعة، يقول مرجع متخصص في علم النفس لموقع “لبنان الكبير”، أن المواطن لم يكن مستعداً نفسياً لمواجهة هذا الوضع المتأزم، فالأزمات المتعاقبة على لبنان منذ عقود تركت لديه تأثيرات نفسية عميقة حوّلت مرونته وحيويته وحبه للحياة والإقبال عليها إلى هشاشة وعجز ويأس، الأمر الذي فرض عليه ما يُعرف بالتأقلم السلبي وهو التعوّد على واقع غير صحي وغير سوي من دون مواجهته، تماماً كما تعوّد على ارتفاع الدولار، وغلاء الأسعار، وتقنين الكهرباء، وتشريع السوق السوداء، والوقوف في طوابير البنزين والخبز والغاز من دون أي مجابهة. وبهذا، يُجبر المواطن اللبناني على تناسي حياته السابقة والعيش بظروف تقشفية قاسية يحكمها وضع اقتصادي ومالي غامض قد يكون ثمنها صحته النفسية والعقلية. فهو الذي كان يعيش حالة من رفاهية العيش، أصبح الآن قانعاً بإشباع القليل من حاجاته عملاً بالمثل القائل “القليل خير من الحرمان”.

وعن كيفية المواجهة، فإن ذلك يبدو صعباً في الوقت الراهن، إذ على الرغم من توافر الدعم النفسي والمساندة الاجتماعية من قبل بعض المنظمات والأفراد، إلا أن هذه الجهود لا تزال خجولة وغير كافية لإنقاذ اللبنانيين من محنتهم التي تم زجّهم فيها.

وتُشكل هذه الحرب النفسية، والظلم الاقتصادي، وغياب العدالة الاجتماعية، والخوف على المصير قنبلة اقتصادية – نفسية موقوتة، قد تنفجر قريباً وتأخذ أبعاداً تتخطى الاضطرابات النفسية البسيطة إلى ما هو أخطر من ذلك من عنف وعدوان اجتماعي وإيذاءٍ للذات والآخرين كالقتل والانتحار، ليُثبت العهد في ذلك انتصاره في حربه النفسية التي يخوضها ضد شعبه بشكل ممنهج ومتعمد، بعد أن لجأ إلى ابتزازه بأدنى حقوقه وبأبسط احتياجاته، فجعل من واجباته تجاهه “تربيح جميلة”.

شارك المقال