جحيم الطوابير… والخسائر بالمليارات

هدى علاء الدين

خرجت تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان عن المألوف، إذ لم يشهد هذا البلد منذ نشأته هذا الكمّ الهائل من التداعيات السلبية وهذا الانهيار المدمّر لبنية اقتصاده وحياة مواطنيه. فقد احتل مشهد انتظار اللبنانيين في طوابير على مدّ النظر أمام محطات الوقود والأفران لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة للأعصاب، واجهة الأزمات المعيشية والأمنية الخطيرة، ولا سيما أن بعض الطوابير تحوّلت إلى مسارح عنف وجريمة مشروعة يتحمل وزرها من أوصل الأوضاع إلى حالها اليوم.

وفي جديد الأرقام الصادمة، فقد قدّرت الدولية للمعلومات الخسارة المباشرة التي يسببها الانتظار على طوابير البنزين بـ 1.100 مليار ليرة، مشيرة إلى أنه وفي حال استمرار الأزمة فإن الكلفة مرشحة للارتفاع كلما ارتفعت أعداد السيارات المنتظرة. التقرير الذي حمل عنوان “متوسط كلفة الوقوف في طوابير البنزين 1.100 مليار ليرة”، أوضح أن أزمة نقص المحروقات ألحقت خسائر كبيرة في مختلف القطاعات الإنتاجية والاقتصادية، فغياب الفيول سبب تراجعاً في ساعات التغذية الكهربائية، الأمر الذي أدى إلى توقف قسم من المؤسسات التي لا مولدات لديها. أما تلك التي تملكها، فقد عمدت إلى تشغيلها مستخدمة المازوت بالسعر الرسمي (57 ألف ل.ل أو بسعر السوق السوداء 250 إلى350 ألفاً للصفيحة الواحدة) ما انعكس بشكل مباشر ارتفاعاً على كلفة الإنتاج.

وحسب التقرير، فإن عدد السيارات والآليات التي أُرغمت على الانتظار لتعبئة خزاناتها جزئياً أو كلياً بلغت 1.6 مليون سيارة وآلية منها 1.2 مليون بالحد الأدنى، في حين أن هناك نحو 400 ألف من المحظيين. أما فترة الانتظار في الطوابير، فتراوح ما بين ساعة إلى أربع ساعات أي بمتوسط 2.5 ساعتين كل أربعة أيام، مع الأخذ بالاعتبار أن كلفة ساعة العمل تراوح ما بين 8 و15 ألف ليرة، مع الإقرار بأن بعض المنتظرين هم من العاطلين عن العمل، فإن كلفة الانتظار في كل مرة تصل إلى ما بين 20 و37 ألف ليرة لبنانية.

كما راوحت قيمة الوقود المحروق واستهلاك السيارة والآلية أثناء فترة الانتظار بمعدل وسطي ما بين 10 و15 ألف ليرة لكل سيارة في كل مرة وذلك تبعاً لنوع السيارة، وإذا ما تم احتساب أن كل صاحب سيارة أو آلية أُرغم على الانتظار خلال فترة الأزمة المستمرة منذ أكثر من 4 أشهر أي منذ بدء الأزمة نحو 23 مرة فستكون بذلك خسارته ما بين الـ 690 ألفاً والـ 1.2 مليون ليرة لبنانية.

وأشار التقرير إلى أن إجمالي ضياع الإنتاجية نتيجة أزمة فقدان البنزين وبالتالي الطوابير أمام المحطات التي يتحملها أصحاب السيارات والآليات التي يبلغ عددها 1.2 مليون، تراوح ما بين 830 مليار ليرة و1.440 مليار ليرة حتى الآن، أي بمتوسط يبلغ نحو 1.100 مليار ليرة، من دون قيمة الخسائر غير المباشرة التي يصعب احتسابها ككلفة الأمراض والأزمات الصحية الناجمة عن الانتظار والتوتر، وكلفة التلوث وزحمة السير لساعات التي سببتها الطوابير والضحايا من قتلى وجرحى الذين سقطوا نتيجة الإشكالات أو الحوادث أمام محطات الوقود، ناهيك عن كلفة الذين اشتروا البنزين من السوق السوداء بأسعار راوحت ما بين 200 و500 ألف ليرة للصفيحة الواحدة.

وتُشرِّع الطوابير بكافة أنواعها وأشكالها حالة من الفوضى الأمنية من دون أي رادع، في ظل تخلّف وزير الطاقة حتى الآن عن إصدار جدولة جديدة لأسعار المحروقات بعد رفع الدعم عنها، الأمر الذي دفع العديد من المحطات إلى الإغلاق، مفسحاً في المجال أمام المحتكرين للتحكم أكثر وأكثر في السوق السوداء في لعبة باتت مكشوفة. فالضبابية التي تسيطر على العلاقة بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة، ستنعكس في الأيام القليلة المقبلة انفجاراً في سوق المحروقات سيطال عصفه كل القطاعات وسيعمّق أزماتها وسيرسم لمعاناة اللبنانيين جحيماً أكثر لهيباً من جحيم اليوم.

شارك المقال