“الجهاد الزراعي” لم ينقذ مواسم الهرمل من الجفاف

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يقلب ابن السبعين عاما شفتيه ويدير رأسه شمالاً ويميناً، علامة الاستنكار والتعجب، صارخاً بحرقة: “قال لنا ازرعوا، زرعنا كل مناطق بعلبك ـــ الهرمل، زرعنا بطاطا وبطيخ وخضار، حتى ما يقولوا عنا مزارعين “حشيشة” فقط، بس يا سيد الزرع يبس، والأرض بارت، ماء ما في، مازوت ما في لنشغّل الموتورات ونسقي، بنزين ما في، اقترح علينا زراعة مواد بتعيش بأرض مشققة تحت الشمس الحارقة، منكون ممنونين”.

أنور الذكرى من مدينة بعلبك، يصفونه بـ”الزلمي التعّيب، عايش على الزراعة، ولا يربط طرقات وينتظر الموسم من سنة لسنة ليؤمن معيشة لائقة لعائلته”. أنور لا علاقة له بعصابات التهريب ولا بمزارعي “الجهاد”، يقول أحدهم إنه “لا يتلقى مساعدات من أحد، يدبر أموره حسب موازنته الخاصة، موسم البطيخ الذي زرعه لم يحصده، أصابه اليباس وجفّت رؤوسه في الأرض، وطار أمل الرهان على الزراعة حتى لا تموت عائلته من الجوع الذي يطرق أبواب اللبنانيين بشدة ويهددهم في عقر دارهم، من دون أن يرسل لهم ملاك الخير، لأن ملائكة الشر حاضرة، في التهريب وسياسات التجويع وانتهاك الكرامات وإذلال الأطفال والأمهات والشيوخ والشباب والرجال والنساء، فالكل مهان في جمهورية العهد القوي الذي لا يقوى إلا بإذلال شعبه”.

لا يختلف اثنان من أهالي بعلبك ـــ الهرمل، العاملين في الزراعة على صعوبة الاستمرار، يقول خضر: “لا أريد الحديث عن الفقر الذي يعاني منه أهالي المنطقة، وحتى لا يقال إنني أساس موضوع البطيخ والبطاطا، الذي سيصبح سعره 20 ألفاً في الأيام المقبلة، لأن كلفة تأمين مياه الري والمازوت والنقل ستضاف إلى الفاتورة، لم يعد لدى المزارعين مازوت ولم يعد باستطاعتهم أن يسقوا محاصيلهم، فمن يعوّض خسائرهم، كم من مزارع في بعلبك والهرمل وفي عكار والجنوب والبقاع الغربي وجبل لبنان، يعاني من مشكلة شبيهة بما عاناه أنور الذكرى وتحترق أرضه من الجفاف”.

ويؤكد: “المزارعون في لبنان منسيون لا أحد يتضامن معهم أو يرفع صوته إلى جانبهم، والآن بشّرونا بأن باخرة المازوت قادمة، لكن بعد شو؟ خلصت القصة انتهت، الزرع احترق وكل شيء راح، فمن يعوض على المزارعين خسائرهم، هل فكر أحد كيف ستعيش عائلاتهم شتاء هذا العام، في الثلج والبرد؟ وماذا عن كلفة المازوت المفقود والحطب الذي حلقت أسعاره في السماء؟ ماذا عن المزارعين الذين ضمنوا أراضي ليزرعوها ولم يحققوا أي ربح بل خسائرهم تتفاقم وتتواصل؟ كيف سيسددون ديونهم ويدفعون مستحقاتهم؟ هل يلجأ المزارعون إلى بيع أراضيهم إذا كانوا يملكونها وليست مستأجرة أم يهجرون الأرض ومن فيها ولكن إلى أين؟”.

“نحن صرنا بلا أسماء” يقول أحد المزارعين عندما نسأل عن اسمه مضيفاً: “شو بدّك من الاسم، المهم أن تعرفي أنه لم يعد هناك مسؤول عندو كرامة، فلا شرف سياسي ولا كرامة اجتماعية عند السياسيين وعند الأحزاب، بي الكل متلهٍّ عن مشاكل الناس لا يرى ولا يسمع ولا يحس، يريد وزيراً من هنا ووزيراً من هناك والعالم تحترق والمحاصيل تحترق، احترق سلّاف الشعب وأخذنا إلى ما بعد بعد جهنم، ليس فقط نحن، بل المزروعات والبشر والحجر والمؤسسات والمطاعم والأفران والمستشفيات والصيدليات وشركات الدواء، بي الكل ومن أتى به يتحملون المسؤولية. هو يريد 10 وزراء والتاني بقول لبيك حزب الله، الله يلعنهم كلهم”.

“لا تتعلق مأساة أهل الهرمل ـــ بعلبك فقط بالزراعة، فالمأساة تكبر، لأن صفيحة البنزين تباع بــ 500 ألف ليرة وها هو رئيس اتحاد البلديات الذي عينه حزب الله إيهاب حمادة يتم كشفه بأنه شريك للنائب نوار الساحلي في عمليات التهريب إلى سوريا، لا يوجد شيء بالبقاع سوى دعاية، نحن لاعلاقة لنا بالفساد وأسطوانة سنجلب المازوت من إيران، ويجلب لنا معها العقوبات والحرب. يمكن من الضروري أن تطرح حلولاً في المنطقة لتأمين الأكل والشرب والحد الأدنى من الخدمات للأهالي عبر لجان من الأهالي بعيداً عن القوى السياسية الفاشلة والفاسدة، لو كان السيد يريد مصلحة البلد لكان منع التهريب إلى سوريا واهتم بالناس ونحن على أبواب الشتاء ومواسم المدارس والمونة ومصالح إنتاجية خاسرة يكفي تحويل الجيش إلى ميليشيا لحراسة محطات البنزين”.

من الواضح أن اطلالات أمين عام حزب الله حسن نصر الله ودعواته إلى “الجهاد الزراعي”، لم تعد تلقى اهتماماً، بل أصبحت عنواناً للتندّر مع اكتشاف طرح الشعارات والمواقف من دون دراية، فكيف ينجح مشروع الجهاد الزراعي وهو مرتبط بارتفاع سعر الدولار، والسوق محتكَر من قبل الفاسدين والمفسدين، فكيف يدفع المزارع أثمان البذور والأسمدة والبلاستيك والأعلاف، وكذلك المواد الأخرى المستوردة للزراعة، ومعظم المنتجات الزراعية لا ترد كلفتها، فكيف مع غلاء البنزين والمازوت وارتفاع كلفة النقل والري؟ يبدو أن “جهاد التهريب” هو الأنجح وصار جزءاً من ثقافة ميليشيات الحزب التي أسست عصابات لها مع شركاء الفرقة الرابعة وغيرها في سوريا.

شارك المقال