الحد الأدنى إلى 7 ملايين ليرة!

راما الجراح

عام ٢٠٢٠ كانت المرة الأولى التي تتم زيادة تعرفة سيارات الأجرة والحافلات العامة بعدما فقدت الليرة اللبنانية من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر وأوصل الموظف الذي كان يتقاضى مليون و٥٠٠ ألف أي ١٠٠٠ دولار شهرياً إلى حالة “الشحادة” من هنا وهناك لتأمين بنزين سيارته للذهاب إلى العمل، وتأمين الطعام والشراب لعائلته ليتمكنوا من الصمود في وجه الغلاء الفاحش، وتأمين دواء لهم إذا توفر في الصيدليات لتخفيف آلامهم. كل هذا يتطلب من الموظف عمليات حسابية “بالطول والعرض” على مدار الليل والنهار وبشكل يومي حتى يجد مخرجاً بأقل الأضرار الممكنة يخوّله أن يكون “سوبرمان” العائلة!

لن نصمد طويلاً!

تتنقل ريم وهي أم لثلاثة أولاد بين بيروت والبقاع بشكل يومي بسبب عملها، وتقول: “من جهة سائق الفان الذي لا يُلام لأن الغلاء طاله كما طالنا وأكثر بسبب أزمة المحروقات، بس نحن “آكلينها” من جميع الجهات، أجرة النقل ٦٠ ألفاً من” الكولا” بيروت إلى أمام منزلي في البقاع، العام الدراسي على الأبواب وإبني البكر سنة أولى جامعة، كيف سأستطيع تسجيلهم في المدارس والجامعات براتب لا يتعدى الـ١٠٠ دولار على سعر صرف دولار اليوم، ولم أحسب بعد لا طعامنا وشرابنا ولا حاجات منزلنا ولا حتى بنزين السيارة للتنقل في البقاع، وضعنا كارثي ولا أدري إلى أي مدى سنتمكن من الصمود في وجه كل هذه الأزمات”.

محمد القاطن في بيروت ويعمل ضمنها يعاني من الأمر عينه ويشرح بكل حزن واقع الحال: “أحتاج إلى ٢ سيرفيسين حتى أصل إلى عملي، منزلي في الطريق الجديدة ومكان العمل بالقرب من مرفأ بيروت، ومع ارتفاع سعر السرفيس إلى ٢٥ ألفاً أصبحت بحاجة إلى ١٠٠ ألف ليرة يومياً مقابل معاش مليوني ليرة، أي أن كلفة النقل أعلى من راتبي بـ٦٠٠ ألف! وسأنتظر هذا الأسبوع الذي يُقال إنه سيكون مصيرياً بالنسبة للوضع في لبنان وحلحلة الأزمات، وإذا لم أستبشر خيراً سأضطر للتخلي عن عملي وليبقَ فخامة الرئيس “متمسكاً بالكرسي!”.

الحد الأدنى 7 ملايين!

وللحديث عن الآلية الصحيحة للتعاطي مع رواتب العمّال والموظفين في القطاعين العام والخاص، يقول رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ”لبنان الكبير” إننا “منذ عام ٢٠١٨ طرحنا أن يصبح الحد الأدنى للأجور مليون ونصف المليون ليرة، واليوم في ظل الواقع الذي نعيشه قمنا بإعداد دراسة شاملة في الاتحاد لجميع النواحي المعيشية والحياتية للموظف وتوصلنا إلى ضرورة رفع الحد الأدنى اللأجور ١٠ أضعاف مما هو عليه اليوم أي ٧ ملايين ليرة حتى يتمكن أي عامل في أي مؤسسة رسمية أو خاصة من العيش حياة عادية جداً بعيداً عن الرفاهية وغيرها”.

ويضيف: “أُجرة السرفيس أصبحت ٢٥ ألف ليرة، بحساب آخر يحتاج الموظف إلى ٥٠ ألفاً يومياً ليذهب إلى عمله، أي مليون و٣٠٠ ألف ليرة شهرياً، زد على ذلك اشتراك الكهرباء الـ٥ أمبير من دون رفع الدعم الجزئي عن المحروقات تسعيرته ما بين ٨٠٠ ألف ومليون ليرة، كما أن رئيس تجمع أصحاب المولدات أخبرني في حال تم رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات ستصبح تسعيرة الـ٥ أمبير مليوني ليرة، بهذا الحساب السريع وصلنا إلى ٣ ملايين و ٢٠٠ ألف من دون طعام، وشراب، واشتراك انترنت، وفاتورة التلفون، وأقساط المدارس والطبابة وغيرها من المقومات الأساسية للعيش بسلام والتي لا يمكن الاستغناء عنها بأي طريقة اليوم”.

إقرأ أيضاً: العهد يُسقط الدعم بضربته القاضية

ويؤكد أن “الملايين السبعة كحد أدنى موضوع عادي يجب دراسته بشكل جدّي عبر التفكير بمصير المواطن من خلال الاتفاق على تشكيل حكومة والسعي إلى تأمين مقوّمات العيش الكريم، وبدء العمل على معالجة الأزمة، وإعطاء “سلفة” للموظفين على غلاء المعيشة وتعزيز معيشتهم، وعند استقرار سعر صرف الدولار يصبح هناك نوع من التفاهم وتبدأ العملية الحسابية بالنسبة للسلفة والأمور تصبح أكثر من طبيعية”.

“السُلّم المتحرك”!

أما بالنسبة لبدل النقل فيقول الأسمر: “أُقر بدل النقل بـ رفع ٢٤ ألف ليرة بالتفاهم بيننا وبين وزير المال للقطاع العام والهيئات الاقتصادية ووزير العمل للقطاع الخاص عندما كان سعر البنزين ٤٠ ألف ليرة، وعندما سارت الأمور بالاتجاه الصحيح صار البنزين ٧٠ ألفاً، حتى وصلنا اليوم إلى الـ ١٣٥ ألفاً ومؤهل ليصبح بسعر ٣٥٠ ألف ليرة، وعليه طرحنا كاتحاد عمالي عام آلية “السُلّم المتحرك” لبدل النقل، بمعنى يرتفع بدل النقل مع ارتفاع سعر البنزين. أتمنى أن يكون هناك معالجة في المدى القريب للأزمة من خلال تثبيت سعر صرف العملة، وتأليف حكومة سريعة، عندها يتراجع سعر صرف الدولار ونعالج الأمور بطريقة مرنة، ويُفكّ الحصار الاقتصادي عنّا والذي نعيشه بكل تفاصيله لكن بطريقة غير معلنة!”

جميع الاقتراحات التي يتم الحديث عنها بالنسبة للمواطن لا تُسمن ولا تغني من جوع إذا لم تُطبق على أرض الواقع وتفرّج همّه، على أمل رؤية الدخان الأبيض يتصاعد قريباً وتتشكل حكومة رأفةً بحالنا…

شارك المقال