مورفين المساعدات… ولبنان الثالث عالمياً

هدى علاء الدين

يشتدّ وطيس اللعبة السياسية في لبنان لتصبح أكثر فتكاً وقساوة على اقتصاده وشعبه، مطيحة كل بصيص أمل يجعل من الحلول والمبادرات الدولية الداعمة في مهب الريح. صحيحٌ أن المجتمعين الدولي والعربي لم يتركا لبنان وحيداً في أزماته وقدّما له كل ما يلزم من مساعدات مالية لمساندته وإمداده بما يحتاج للتخفيف من انعكاسات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية على مواطنيه، إلا أن استمرار سياسية التعطيل وعدم وجود أي نية لتشكيل الحكومة، قد يُفقدان لبنان كل هذه المساعدات ويُطيح كل المؤتمرات التي تُعقد خصيصاً من أجل محاولات الإنقاذ، ولا سيما أن لبنان أضاع على مرّ عقود العديد من فرص الإصلاح التي كانت متاحة له والتي لو أجراها حينها لما كان وصل إلى ما وصل إليه اليوم.

فقد ساهمت سياسة الهرب إلى الأمام والتلكؤ في إجراء الإصلاحات ولا سيما تلك التي أوصى بها مؤتمرا “باريس “3 و”سيدر” بسقوط الاقتصاد في فخ الانهيار الشامل، مما أدّى إلى تفاقم الأزمات بدءاً من تشرين الأول 2019 وصولاً إلى يومنا هذا. وفي ظل انعدام الثقة دولياً بلبنان وحكومته، وعدم استغلال الفرص الضائعة وغياب الرؤى وتفكُّك المؤسسات، تغيب عن لبنان اليوم المساعدات المالية من الدول المانحة، لتبقى محصورةً فقط في المساعدات الإنسانية التي تصل إلى الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والمنظمات الدولية وغير الحكومية.

ومؤخراً، احتل لبنان المرتبة الثالثة عالمياً لناحية تلقي التمويل والمساعدات الإنسانية الدولية بعد سوريا واليمن، والأولى عالمياً من حيث حصة الفرد المستهدف من التمويل الإنساني، وذلك حسب تقرير صادر عن “مرصد الأزمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت، معتمداً على بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). التقرير الذي أشار إلى توجه دولي لتصويب معظم المساعدات باتجاه البرامج الإنسانية، كشف حصول لبنان العام الماضي على 1.6 مليار دولار من المساعدات مُنحت بمعظمها عبر الهيئات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية، ليُشكل ذلك ارتفاعاً ملحوظاً عن حجم المساعدات الممنوحة له خلال عام 2019، بمقدار نصف مليار دولار، إذ حصل لبنان حينها على 1.1 مليار دولار.

وحسب التقرير، ينال لبنان 5.8 في المئة من مجموع التمويل الإنساني في العالم، بعد سوريا (9.6 في المئة) واليمن (8.1 في المئة)، بعد احتساب الفئات المستهدفة من الفقراء اللبنانيين (1 مليون) واللاجئين السوريين (1 مليون) والفلسطينيين (270 ألفاً)، لتُقدر هذه الحصة بنحو 700 دولار للفرد سنويّاً.

وتركزت التقديمات على ثلاث جهات دولية مانحة قدمت نحو 76.5 في المئة، وهي الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية وألمانيا، في حين وُجهت أكثرية المساعدات إلى برنامج الاستجابة لأزمة اللجوء السوري في لبنان، يليها خطة الاستجابة لأزمة كورونا والمساعدة الطارئة التي جرى تقديمها إثر تفجير مرفأ بيروت.

في المقابل، حصلت ثلاث منظمات دولية على 66 في المئة من التمويل الإنساني، تتمثل في برنامج الغذاء العالمي (29.8 في المئة) ومفوضية اللاجئين (25.2 في المئة) ومنظمة اليونيسف (10.9 في المئة).

ولم يُحصر التمويل بقطاعات معينة، إذ حصل كل من قطاعات الصحة على مئة ومليوني دولار، والأمن الغذائي على 76 مليونا، والتعليم على 37 مليونا.

تجدر الإشارة إلى أن هذه البرامج تُنفذ بواسطة منظمات دولية ومؤسسات غير حكومية بالتعاون مع الادارات الرسمية في قطاعات محددة كالصحة والتعليم، بالإضافة إلى الهيئات المحلية أحياناً.

إقرأ أيضاً: تقارير دولية تُحذر… ولبنان الرسمي يتجاهل

وأرجع التقرير الأزمات المتشابكة في لبنان إلى التأزّم السياسي المزمن الذي تستعصي معه الحلول ويُحترف فيه تضييع الفرص، فغابت الجدية الحكومية في إدارة الأزمة وتسارعت انهيارات القطاعات الحيوية وتفكّكت المؤسسات، مشيراً إلى أن استعصاء الحلول والإصلاحات خلال العقدين الأخيرين ولا سيما منذ عام 2007، حين التزمت الحكومة اللبنانية تحقيق سلسلة من الإصلاحات في برنامج عمل مؤتمر “باريس 3″، ولم يبصر النور منها إلا القليل، خصوصاً فيما يتعلق بحوكمة القطاع العام، وتعيين هيئة ناظمة للمناقصات العامة، وإصلاح قطاع الطاقة وخصخصة كهرباء لبنان، إضافة إلى زيادة التنافسية، وخلق استراتيجية حماية اجتماعية شاملة مع إصلاح نظام التقاعد.

ومع توقعات بازدياد التمويل الإنساني للبنان في الأعوام المقبلة في ضوء انهيار القطاعات الأساسية وضعف الإدارات الرسمية، تبقى المساعدات الانسانية العاجلة التي يستوجب صرفها واختيار المستفيدين منها بشفافية مطلقة، جرعة “مورفين” موقتة لتخدير الوجع فقط لا علاجه من جذوره.

كلمات البحث
شارك المقال