“ستاندرد أند بورز”: تعافي اقتصاد لبنان يبدأ بتشكيل حكومة

المحرر الاقتصادي

مع كل يوم تأخير في إيجاد حل حاسم للأزمة المركّبة التي يعيشها اللبنانيون، يتأخر إطلاق قطار التعافي الاقتصادي وتتأخر معه فرص نجاة لبنان من الارتطام الكبير. هذا الحل مرتبط بحل الازمة السياسية، وهو الذي تُجْمع عليه كل وكالات التصنيف الدولية التي تربط بين تحسين تصنيفها للبنان وولادة حكومة تعمل سريعاً على بدء تطبيق الاصلاحات الهيكلية تزامناً مع اطلاق التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج تمويلي يساعد الاقتصاد اللبناني في النهوض مجدداً.

فبعد تقرير مؤسسة التصنيف الدولية “فيتش” التي أبقت على تصنيفها للبنان في مرتبة “تعثر مقيد”، أصدرت وكالة “ستاندرد أند بورز” (S&P) تقريراً توقعت فيه أن يواجه الاقتصاد اللبناني انكماشاً عام 2021 للسنة الرابعة على التوالي، بعد تراجع الناتج المحلي 25 في المئة عام 2020 و7.2 في المئة عام 2019 و1.7 في المئة عام 2018.

تقرير الوكالة جاء بعد ثلاثة أشهر على تقرير صادم لها عنوانه “حلقة الموت” أشار الى وجوب تضمين أي برنامج في المستقبل لاعادة الهيلكة، الدين الحكومي بالعملة المحلية، لأن إعادة هيكلة الديون بالعملات الأجنبية وحدها لن تؤمن الاستقرار المالي، لكونها لا تشكل سوى 38 في المئة من الدين السيادي الإجمالي في نهاية عام 2020. ورجّحت أن يتضرّر المودعون في المصارف اللبنانية مع امتصاصها كلفة إعادة هيكلة ديون البلاد. كما لفتت الوكالة إلى أن “تمويلاً من المساهمين أو من الخارج لن يكفي وحده على الأرجح لامتصاص كلفة إعادة الهيكلة، وتكبد المودعين خسائر، على سبيل المثال من خلال السداد لهم بأقل من سعر الصرف في السوق أو تحويل الودائع إلى حصص مساهمة يبدو مرجّحا بدرجة كبيرة”.

وقد أكدت “ستاندرد اند بورز” مجدداً أن الاحزاب السياسية فشلت في تشكيل حكومة تملك سلطة ارساء اصلاحات هيكلية من أجل بدء تعافي الاقتصاد، أو تبدأ التفاوض مع حاملي سندات الـ”يوروبوندز” التي تخلّف لبنان عن سدادها في آذار من العام الماضي. واذ أوضحت أن معالجة مكامن الضعف الهيكلية في لبنان تتطلب ارادة سياسية قوية ورؤية مشتركة بين الاطراف السياسيين، أعربت عن شكوكها حول نية الاحزاب السياسية في تطوير رؤية مشتركة.

ولفتت الى ان هناك العديد من القيود المزمنة على الصورة المؤسساتية والاقتصادية في لبنان نتيجة تشرذم الطبقة السياسية، وقالت إن استمرار الشلل السياسي والحوكمة الضعيفة في القطاع العام أثرا سلباً في ثقة المودعين، وأضعفا النشاط الاقتصادي، وأديا الى توسّع التظاهرات منذ تشرين الاول 2019.

ومرة جديدة، انتقدت “ستاندرد اند بورز” تعليق لبنان سداد التزاماته وخدمة ديونه بالعملات على 31 مليار دولار في سندات الـ”يوروبوندز” في آذار 2020 من دون التفاوض مع حاملي هذه السندات. وقالت إن السلطات اللبنانية لم تحرز أي تقدم في التفاوض حول اعادة هيكلة الدين مع الدائنين والمستثمرين أو في الحصول على دعم تمويلي من المقرضين الرسميين كصندوق النقد الدولي، نتيجة غياب حكومة وعدم التفاهم بين مختلف المؤسسات السياسية الرئيسية حول أسباب الازمة وسبل حلها ومصير إعادة هيكلة الدين التي، وفق الوكالة، يجب أن تتقاطع مع تعهد قوي من السلطات اللبنانية لإرساء اصلاحات هيكلية واقتصادية ومالية ونقدية، بمساعدة صندوق النقد الدولي، كما ان اعادة هيكلة الدين العام “ستكون له انعكاسات مهمة على النظام المالي”.

وأوضحت الوكالة أن تثبيت سعر صرف الليرة على الدولار الاميركي لم يعد يعكس حقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد، لكنها لفتت الى انه يجب ارساء نظام صرف جديد بعد تشكيل الحكومة، وبالتزامن مع تطبيق اصلاحات اقتصادية شاملة وبدء عملية اعادة الهيكلة.

بالتوازي، أوضحت “ستاندرد أند بورز” أنّ خفضها تصنيف الديون السيادية اللبنانية بالعملة الأجنبية إلى “تعثر انتقائي عن السداد” في آذار 2020، كان يعكس قرار الحكومة اللبنانية تعليق سداد سندات الـ”يوروبوندز”. وقالت انها ستحسّن هذا التصنيف بعد إتمام عملية إعادة هيكلة الدين مع ميل منها لان يكون بين فئتي “سي سي سي” او “ب” ارتباطا باعادة الهيكلة الجديدة وبالقدرة على خدمة لبنان لديونه.

إقرأ أيضاً: الأزمة الاقتصادية تُكسب العهد حربه النفسية

وعن النظرة المستقبلية “السلبية” التي حددتها، قالت الوكالة انها تعكس توقعاتها بان تعيد الحكومة هيكلة دينها المحلي، ولفتت الى انها قد ترفع نظرتها الى “مستقرة” او انها قد تحسّن تصنيف العملة المحلية اذا لمست انخفاض احتمال مبادلة الدين التجاري بالعملة المحلية.

وكانت الوكالة خفّضت في آب 2020 تصنيف ثلاث فئات من سندات الخزينة اللبنانية من درجة “سي سي” إلى درجة “التعثّر” بعد تخلّف الحكومة عن سدادها في أوانها. وهي اليوم قد تحسّن تصنيفاتها للبنان اذا “تلقى دعماً مالياً مهماً يسمح للحكومة بتطبيق اصلاحات فورية، أو أن يتم تطبيق اصلاحات جادة وهادفة تؤدي الى نمو اقتصادي متين ومستدام”.

شارك المقال