القطاع الزراعي… مصائبه كثيرة فكيف سيصمد؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

وكأن لبنان لا تكفيه أزماته المتراكمة من سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية حتى يضاف الى سجل الأزمات تلك المتعلقة بالقطاع الزراعي، الذي يعتبر من القطاعات الداعمة للاقتصاد اللبناني. والزراعة في لبنان التي كانت تاريخيًا ركيزة من الركائز الأساسية للاقتصاد والصناعات الغذائية، تواجه اليوم أزمة خانقة نتيجة شح المحروقات التي تؤثر في الري وفي تصريف المنتجات ناهيك عن انقطاع التيار الكهربائي وانهيار العملة الوطنية مما أدى إلى تدني القدرة الشرائية للمواطنين يضاف إليها منع دخول الإنتاج الزراعي إلى دول الخليج بعد اكتشاف عمليات تهريب المخدرات. إن القطاع الزراعي ليس فقط قطاعا لإنتاج السلع الزراعية بل هو يساهم في تعزيز الاستهلاك والصناعة والتجارة والتصدير وإدخال العملات الأجنبية إلى لبنان. القطاع الزراعي ينمو عندما تكون هناك خطط تنموية تساهم في تعزيزه وتطويره وزيادة فعاليته. فكيف سيصمد هذا القطاع في ظل الظروف والمصائب التي تصيبه؟

بداية، قرار تعديل سعر الصرف على ٨٠٠٠ ليرة على سعر المنصة فاقم مشكلة الشحّ في مادة المازوت وكان له آثار عديدة على القطاع والمزارعين. من هنا، يعتبر رئيس “تجمع مزارعي وفلاحي البقاع” إبراهيم الترشيشي أن “المازوت هو شريان القطاع فمن خلاله نسهّل عمل المزارعين ونضخّ المياه وننقل الإنتاج إلى الأسواق ونصدرها الى الخارج”، مطالبا بـ”رفع الدعم عن المازوت وليتم شراء المواد من الشركات في السوق الحرة أسوة بالصناعيين، خصوصا أن تكلفتها تبقى مقبولة أكثر من تكلفة السوق السوداء الباهظة وبهذه الطريقة نتخلّص من احتكارات كارتيلات النفط والموزعين والتجار”.

رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان حويّك يشير الى أن “القطاع إلى تراجع من ناحية تدني المساحات المزروعة وانخفاض نسبة الإنتاج. بالإضافة إلى أن كل المستلزمات الزراعية يتم شراؤها بالدولار ولكن مع ارتفاع أسعار المحروقات إنهار القطاع”، محذّرا من “كارثة على أبواب تشرين الثاني أي عندما ينتهي الإنتاج في البقاع والجبل ونضطر حينها الى استقدام الخضار من الساحل التي عادة ما تتم زراعتها تحت غطاء الخيم البلاستيكية لكنها باتت فقيرة بسبب ارتفاع الكلفة. وبالتالي، سيتوقف عدد كبير من المزارعين عن أعمالهم. أما المزارعون الذين سيستطيعون تأمين محاصيلهم فهم الذين يلجأون إلى السوق السوداء”.

أما بالنسبة الى واقع التصدير وخصوصا بعدما قامت بلدان عربية عدة بمنع دخول المحاصيل الزراعية اللبنانية، أشار ترشيشي إلى أن “مشروع “ايدال” ودعم التصدير أصبح شبه معدوم لأن الأموال التي يتم إنفاقها أصبحت بلا قيمة”، لافتا إلى أنه “عندما أغلقت المملكة العربية السعودية وعدد من البلدان العربية أسواقها تجاه لبنان، انتقل التصدير من الطريق البرية الى البحرية، الأمر الذي زاد الأعباء وخصوصا أن المرفأ يعمل بنسبة ٢٥ في المئة فقط”.

ويرى حويك أن “هناك صراعا بين بقاء الإنتاج في لبنان بأسعار مقبولة للمستهلك وبين كلفة الصادرات بالعملة الصعبة. وقد تم مؤخرا سحب كل فاكهة الأفوكادو من لبنان الى العراق من أجل الاستفادة منها بالدولار. لذا هذا الصراع يضرّ المستهلك أكثر مما يفيده وهنا مسؤولية وزارتي الزراعة والاقتصاد في المراقبة وضبط التهريب بأسرع وقت ممكن”.

الأخطر من الفساد اليوم هو وجود إدارة فاشلة مبنية على المحاصصة إذ يتم دعم التجار الذين يدفعون العمولة بدلا من دعم المزارع الفقير الأكثر حاجة. وعن سياسات الدولة برفع الدعم عن المحروقات وغيرها من المستلزمات والأدوية الزراعية، يشير حويك الى أن “عائدات القطاع الزراعي من المنتجات الزراعية النباتية تبلغ زهاء مليار دولار أميركي. أما المستلزمات الضرورية قيمتها ١٥٠ مليون دولار وقد طالبنا بدعمها على سعر ١٥٠٠ ليرة منذ بدء الأزمة ولو تم ذلك لكان القطاع ازدهر وتتطور وزادت فرص العمل لدى اللبنانيين وارتفعت نسبة الاستثمارات”، لافتا إلى أنه “قدمنا عام ٢٠٠٢ اقتراح قانون لإنشاء السجل الزراعي لتسجيل المزارعين بطريقة شرعية نستطيع من خلالها معرفة كمية استهلاكهم للمواد الزراعية، غير أن الأحزاب السياسية رفضت هذا الاقتراح وبالتالي وصلنا الى مكان مسدود بحيث أصبح سعر كيلو الملفوف ٩٠٠٠ ليرة يشتريه المواطن بـ١٥٠٠٠ ليرة”.

الخبير البيئي المهندس شربل أبو جودة يرى أن “سياسية الوزارة المعنية كلها خاطئة”، متسائلا “هل يُعقل أن يتم استيراد البطاطا المصرّية ونحن بلد ينتج البطاطا؟ وكذلك الأمر بالنسبة للموز اذ يتم استيراده من الصومال؟ وهل يُعقل أن يصدر الوزير قرارا يعطي لنفسه الصلاحية بتحديد ما إذا كان زيت الزيتون عليه أن يُصدّر أو لا من دون اللجوء الى المواصفات أو القوانين التي بموجبها يتم التصدير؟”.

أما من ناحية المناطق اللبنانية الأكثر تضررا، يشير أبو جودة إلى أن “البقاع الشمالي وتحديدا الأراضي المطلة على نهر العاصي كلها قاحلة جرداء لأنه من الممنوع استجرار المياه اليها وذلك استنادا الى الاتفاقية بين لبنان وسوريا والتي تقضي أن المياه التي تبعد ٤٠ كيلومترا عن النهر هي مياه سورية وبالتالي ممنوع المساس فيها. ومن هنا نرى أن الأراضي السورية خضراء بينما الأرض اللبنانية قاحلة وشبه صحراوية. وبالتالي، على الدولة بدلا من أن تتناسى هذه المشاكل أن تعيد النظر بهذه الاتفاقية لجر المياه الى هذه الأراضي وتطوّرها. من جهة أخرى، نرى أن أراضي القاع أيضا قاحلة وذلك بسبب أن معظم الأراضي فيها غير مفروزة أي أن العقارات غير موزّعة بين أصحابها بشكل رسمي والسبب وراء ذلك هو عدم استجرار المياه وابقاؤها بشكل حصري لسوريا”، معتبرا أنه “بدلا من إعطاء المزارعين الأموال واللجوء إلى الحلول الموقتة على الدولة أن تفكّر بشكل جدّي بفرز هذه الأراضي والاستثمار فيها من أجل إنتاج المزيد من الزرع”.

إقرأ أيضاً: الزراعة “يتيمة”… والوزارة غير مُكترثة

في ظل ما يعانيه القطاع من ارتفاع كلفة الإنتاج جراء رفع الدعم التدريجي عن المحروقات، يرى وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى، في حديث خاص الى موقع “لبنان الكبير”، أن “الحل يكمن بالطاقة البديلة”، لافتا الى انه “قمنا بتقديم أكثر من ٧٠ مشروعا للمنظمات الدولية ومنها دعم الطاقة الشمسية البديلة من أجل تسهيل عمل المزارعين وتحديدا الصغار والمتوسطين. كما أن هذا الاقتراح هو حل مستدام لكي نجنّب القطاع الزراعي الانتكاسة في المستقبل. ومن ضمن المشاريع الأخرى التي قمنا بها هي تأسيس مراكز زراعية والعمل على إعطاء بطاقة تمويلية للمزارعين تقدّر قيمتها بـ٣٠٠ دولار أميركي لكل مزارع من أجل أن يؤمن البذور والأسمدة. كما عملنا على “المشروع الأخضر” وقد قدّم أكثر من ٤٠٠٠ مزارع طلبه من أجل تأمين التمويل لهم عبر جهات دولية عدة. بالإضافة الى ذلك، دفعتنا التغيّرات المناخية التي تشهدها المنطقة الى إنشاء برك زراعيّة عدّة لبدء العمل فيها وليتمكن المزارع من أن يثمر بعمله ويطوّره وبالتالي تطوير القطاع الزراعي ككل”.

من جهته، يرى حويّك أن “هذا الاقتراح يحتاج إلى مشاريع وتحضيرات مسبقة منذ سنوات لجلب التمويل الخارجي. أما طرح هذه الفكرة في ظل هذه الأزمة فهو غير مناسب بتاتا وخصوصا أن الدولة في الوقت الراهن لا تمتلك الخبرة ولا المعرفة ولا النية لتحسين القطاع”.

شارك المقال