“لبنان الكبير” ينشر ورقة المجلس الاقتصادي: تفاصيل اقتراحات رفع الدعم

المحرر الاقتصادي

لا يكاد يخلو يومٌ من انتشار مشاهد مأسوية ومحزنة من داخل السوبرماركات اللبنانية، بسبب التسابق على شراء المواد المدعومة. فاللبناني يتعرض لأبشع أنواع الذل والمهانة كي يحصل على حقوقه من المأكل والمشرب والدواء وحتى ليسحب بعضاً مما تبقى من امواله المقتطع منها في المصارف.

هذه المشاهد يتوقع أن تتكرر أكثر بكثير مما نشهده اليوم، اذا ما تم رفع دعم المواد الغذائية والادوية ولم يصر في المقابل الى تأمين شبكة أمان اجتماعي للعائلات الأكثر فقرا وإصدار بطاقات تمويلية تمنح للفقراء والمحتاجين، وهم باتوا كثراً .

نحن نتجه الى مرحلة الغاء الدعم لا محالة فيما اتفاقية القرض مع البنك الدولي لمنح لبنان قرضاً بـ246 مليون دولار لم تحسم بعد بانتظار أن يبتها مجلس ادارة البنك الدولي بعد ادخا لمجلس النواب تعديلات عليها.

فالاحتياطات الاجنبية بالعملات لدى مصرف لبنان هي في تآكل شهري حتى بلغت مستويات خطيرة نتيجة انقطاع تدفق العملات الاجنبية وعدم اتخاذ الحكومة أي قرار باتجاه اعتماد سياسة لترشيد الدعم، وهو ما يؤثر على قدرة مصرف لبنان على الاستمرار في سياسة الدعم الحالية للحكومة. وتشير أرقام الحكومة الى أن الدعم الشهري لمصرف لبنان يتراوح بين 500 مليون دولار و600 مليون شهرياً، اي ما بين 6 مليارات دولار و7 مليارات سنوياً.

وبحسب آخر وضعية نصف شهرية لمصرف لبنان عن النصف الاول من نيسان 2021، فإن موجوداته بالعملات (من دون محفظته من سندات اليوروبوندز) بلغت 16.88 مليار دولار. وفي المقابل، أظهرت احصاءات مصرف لبنان أن ودائع المصارف بالعملات بلغت في شباط 2021 (آخر أرقام صادرة) 111.62 مليار دولار. هذا يعني أن المبلغ الذي يمكن لمصرف لبنان استخدامه من نسبة الـ15 في المئة التي يجب على المصارف ايداعها من ودائعها بالعملات لدى مصرف لبنان هي 16.74. هذا الامر يمكن تفسيره بأن مصرف لبنان قد يكون خفض نسبة الـ15 في المئة باعتبار أنه لا يوجد تعميم يحدد هذه النسبة في الاصل. على أي حال، قال وزير المالية غازي وزني في تصريح تلفزيوني منذ نحو أسبوع ان الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان اليوم هو 15 مليار دولار.

ويرفض مصرف لبنان المساس بالاحتياطي اياً يكن مستواه، وهو أبلغ الحكومة المستقيلة عبر كتاب وجهه الى وزارة المالية بـ”ضرورة قيامها وبشكل سريع بوضع تصور واضح لسياسة الدعم التي تريد اعتمادها تضح حدا للهدر الحاصل وضمن حدود وضوابط تسمح بالحفاظ على موجودات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية والعمل على المساهمة في تأمين واردات بالعملات الصعبة لتغطية تكلفة الدعم والتفاوض مع نقابة المحامين في بيروت في ما يتعلق بالدعاوى التي صرح النقيب (ملحم خلف) انه سيتقدم بها درءاً لاي مخاطر قانونية وواقعية قد تنتج عنها”. ويشير مصرف لبنان هنا الى البيان الذي اصدرته نقابة المحامين في بيروت والتي حذرت فيه من المساس بالاحتياطي الالزامي التي هي “أموال المودعين الموجودة في المصارف وبالتالي لدى مصرف لبنان، هي ملكهم، والملكيّة الخاصّة مُصانة في المادّة 15 من الدستور. فليس لمصرف لبنان أن يستعملها على هواه”. كما حذرت من أنّها لن تألو جهدًا على كلّ الصعد ولدى كلّ المراجع في لبنان والخارج، لحماية ما تبقّى من أموال المودعين في مصرف لبنان.

ليست هي المرة الاولى التي يحذر حاكم مصرف لبنان رياض سلامه من خطورة الوضع النقدي الراهن. فهو أبلغ شفهياً جميع المسؤولين بذلك وفي مرات عديدة. الكل يذكر الحرب التي شنها عليه العام الماضي رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب من أجل “إخضاع” سلامه ودفعه الى الاستمرار بالدعم، مطلقاً تحذيرات من انفجار اجتماعي غير آبه بمخاوف سلامه من الخطر الداهم. علماً أن سياسة الدعم هي من مسؤولية الحكومة التي ترصد هذه المبالغ في موازنتها وليست من مسؤولية المصرف المركزي. أو الحملة التي يشنها رئيس الجمهورية ميشال عون والضغط الذي يمارسه على سلامه من أجل خفض سعر صرف الليرة مقابل الدولار عبر انشاء منصة الكترونية لن تكون قادرة بالتأكيد على دفع سعر الصرف الفعليّ في السوق إلى الانخفاض. فالرئيس عون لا يجد مبرراً لارتفاع سعر صرف الدولار ويربط ما يحصل بشائعات هدفها ضرب العملة الوطنية وزعزعة الاستقرار. الغريب أن لا يجد رئيس الجمهورية مبرراً في ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة فيما البلد غارق في أزمة مالية واقتصادية واجتماعية وصحية لم يشهد لها مثيل في تاريخه، وفيما لا يزال موضوع تشكيل الحكومة عالقاً في براثن الثلث المعطل.

الحكومة تتنصل

واضح أن حكومة حسان دياب لا تريد أن تتخذ قرارا في شأن مصير الدعم والذي قد تكون له تداعيات اجتماعية كبيرة. هو آثر أن يرمي هذه الكرة في ملعب المجلس النيابي الذي تنبه للأمر ورفض اتخاذ قرار في شأن أي سيناريو دعم يمكن اعتماده وطلب من الحكومة أن تحدد الخطوات الواجب اعتمادها. لكن اي قرار لم يتخذ الى اليوم بل مجرد اجتماعات في السراي فشلت في حسم الموضوع. وكان آخرها اجتماع الاسبوع الماضي لبحث أزمة شح المحروقات، ليطلق بعدها وزير الطاقة ريمون غجر تصريحاً صادماً بقوله “تبين لنا أن السبب الأساسي للشح الحاصل هو التهريب إلى خارج الأراضي اللبنانية”. وكأن غجر علم اليوم بمشكلة التهريب عبر الحدود، هو الذي قدم في أيار من العام الماضي خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع مقارنة بين الطلب على المازوت في نيسان 2019 ونيسان 2020 بينت ارتفاع الكمية مليون ليتر، فيما كمية الاستهلاك بالسوق المحلية معروفة.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي

دخل المجلس الاقتصادي والاجتماعي على خط الحلول المقترحة لموضوع الدعم، فحضّر ورقة تشارك في إعدادها وزراء وممثلو كتل نيابية وأحزاب سياسية على ان يرفعها الى الحكومة. مع الاشارة الى ان ما يصدره المجلس ليس الزامياً بل هو يقدم والنصح عند طلب الحكومة منه. فهل ستلقى صدى؟

في الأسباب الموجبة للورقة التشاركية التي اطلعت عليها “لبنان الكبير”، ان المجتمعين “توافقوا على وجوب التحرك السريع لوقف النزيف النقدي الذي يصيب المصرف المركزي الذي يقدر تمويله للدعم بـ5.2 مليارات دولار بالاضافة الى تمويل بعض عمليات الخزينة بحوالي 1 مليار دولار سنوياً والذي وصل الى حد استخدام الاحتياطي الالزامي الذي لا يجوز مخالفة النقد والتسليف في استعماله”.

اما أهداف الاجراءات المقترحة في الورقة، فتتناول تصويب الدعم لكي يستهدف اللبنانيين الاكثر حاجة واستحقاقاً، وتحسين كفاءة الدعم وخفض الهدر الى أدنى مستوى ممكن ووقف كل اشكال التهريب والاحتكار، والمحافظة على الاحتيايط الالزامي لمصرف لبنان.

ومن 5.2 مليارات دولار، تتوقع الورقة أن تساهم الاجراءات الى خفض الدعم الى حد اقصاه ملياري دولار خلال سنة على أن يوزع بشكل شهري بسقف 160 مليون دولار.

اجراءات نحو الالغاء

تطالب الورقة التشاركية برفع تدريجي للدعم وصولا الى الغائه من ضمن برنامج متكامل للانقاذ والتعافي وبالتقاطع ع تأمين مساعدان نقدية مباشرة عبر بطاقة نقدية مع الاخذ في الاعتبار زيادة قيمتها بالتوازي مع عملية رفع الدعم.

وتقترح الورقة اتخاذ الاجراءات التالية:

-البنزين (دعمه الحالي بـ963 مليون دولار): أن يعاد تسعيره على أساس سعر السوق وعلى مرحلتين، الاولى بحسب سعر منصة مصرف لبنان حتى رفعه نهائيا خلال عام.

علماً أن مصرف لبنان يدعم ما نسبته 90 في المئة من شراء هذه المادة. وهذا يعني أن سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان التي يبلغ سعرها اليوم 38700 ليرة تصبح في حدود الـ55 ألفا”.

-المازوت (تكلفة الدعم حاليا تصل الى 1075 مليار دولار): الدعم يبقى في السة الاولى مع ابقاء المرونة في التسعير منعاً للتهريب، والتشديد في مراقبة الكميات المستخدمة وحصرها بالسوق المحلية. ثم توضع سريعاً خطة لإلغاء الدعم بعد استيعابه في البطاقة النقدية.

-الغاز (تكلفة الدعم تصل الى 99 مليون دولار): خفض الدعم تدريجاً وعلى مرحلتين، الاولى وفق سعر المنصة حتى يرفع نهائياً خلال عام.

-الادوية (فاتورة دعمها تصل الى 1105 مليارات دولار): يبقى الدعم على لائحة أساسية من ادوية الامراض المزمنة والملحة ضمن سقف محدد للإنفق لا يتعدى الـ600 مليون دولار سنوياً.

-القمح يبقى دعمه البلغ 135 مليون دولار على ما هو عليه مع تشديد الرقابة على استخدامه للخبز العربي.

-بقية المواد: الغاء كامل للدعم خلال 3 أشهر.

-الكهرباء: تصحيح تدريجي للتعرفة والبدء بالشطور العليا الى أن تصل موازنة مؤسسة كهرباء لبنان لتحقيق توازن مالي مع الاخذ في الاعتبار قوة العدادات والاستهلاك ومراعاة الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل. على اني ترافق هذا الأمر مع العمل على ترشيد انتاج الكهرباء وتأمين حد أدنى من التغذية ووقف الهدر غير التقني. ويوضع سقف قيمه 750 مليار ليرة في السنة الاولى كمساهمة من الخزينة لدعم المؤسسة.

وفي المقابل، تشير الورقة الى انه يجدر تحويل سياسة الدعم نحو تقديم مساعدات نقدية مباشرة على أن توضع البطاقة النقدية حيز التنفيذ في مدة أقصاها 30 حزيران 2021، ويكون الدفع لمرحلة انتقالية بالدولار النقدي حفاظاً على القوة الشرائية مما يسمح ويشجع عرض الدولار النقدي في السوق، ولا يزيد من الكتلة النقدية. وتحدد المرحلة الانتقالية مع المصرف المركزي على أن يصبح الدفع لاحقاً بالليرة حسب سعر الصرف في السوق الموازية.

وتحدد البطاقة على اساس 25 دولارا في الشهر للبالغين و15 دولاراً للأطفال القاصرين بسقف لا يتعدى المئة دولار.

وبين الاجراءات التكميلية، اجراء تصحيح بدل النقل اليومي في مؤسسات الاعمال بشكل يتلاءم مع اجراءات رفع الدعم، والحض على تصحيح تدريجي للحد الادنى للأجور ضمن تفاهمات مرنة بين أصحاب العمل والعمال، ووضع اجراءات مرحلية لدعم وسائل النقل العمومي، واقرار استراتيجية الحماية الاجتماعية، والعمل على تفعيل الانتاج المحلي، واصلاح قطاع الطاقة واعادة هيكلته.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً