لبنان المنهك يستعدّ لمفاوضات حاسمة

هدى علاء الدين

ينتظر لبنان المنهك والمتخلّف عن سداد ديونه مفاوضات حاسمة مع صندوق النقد الدولي من أجل وضعه على سكة الإصلاح والنهوض، في ظل كساد شاق وتضخم مفرط ومؤشرات اقتصادية كارثية غير مسبوقة. فبعد مرور أكثر من عام على فشل مفاوضات حكومة الرئيس حسان دياب التي استغرقت 17 اجتماعاً من دون أي جدوى، يُعوّل اليوم على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من أجل عقد اجتماعات فعّالة مبنية على أسس مالية تصحيحية تُلجم الانهيار وتكون مدخلاً لاستعادة النمو والثقة بالاقتصاد اللبناني وانتشاله من أزمته المالية.

إشارات إيجابية أرسلها رئيس الحكومة الذي تعهّد بإحياء المفاوضات مع الصندوق، فليس هناك وقت لتضييعه ولا سبيل سهلاً للتعامل مع أسوأ انهيار اقتصادي في التاريخ، مشيراً إلى وجود خطة للإصلاح تتضمّن سبعة أو ثمانية بنود أساسية قادرة على انتشال لبنان من الانحدار الحُر. وبحسب ميقاتي، فإنّ الإجراءات التي سيطلبها صندوق النقد لدعم لبنان أصبحت مُطبقة، وسيعمد إلى طلب المساعدة اللازمة لتوفير النقد الأجنبي للقيام بالمقوّمات الأساسية للعيش الكريم.

هذا وترتبط إصلاحات صندوق النقد الدولي مباشرة بتدفّق الأموال والمساعدات، والتي تتضمّن تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية، رفع الدعم، استعادة الملاءة العامة وسلامة النظام المالي، إجراء تدقيق جنائي في حسابات مصرف لبنان لمعرفة حجم الخسائر المالية، ووضع شبكة أمان اجتماعي موسعة لحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً، في حين يبقى أبرزها إصلاح القطاع الكهربائي ومكافحة الفساد والهدر فيه بصورة جذرية لاستنزافه خزينة الدولة على مدى أعوام، تزامناً مع إعادة هيكلة للقطاع العام.

إقرأ أيضاً: البطاقة التمويلية في أيلول وستشمل العسكريين

وبحسب مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير”، فإنّ العقبة الرئيسية التي ستواجه هذه المفاوضات تكمن في عدم توافر نية الإصلاح في ظل أجواء من التناحر السياسي من جهة، وفي توحيد الخسائر المالية لمصرف لبنان والاتفاق على قيمتها كي لا تقع هذه الاجتماعات في فخ الاجتماعات السابقة من جهة ثانية. وعن قدرة الحكومة على تلبية كل مطاب صندوق النقد، تقول هذه المصادر إنّ الحكومة مرغمة على خوض هذا الغمار إنْ أرادت الإنقاذ فعلاً، فالخيارات أمامها شحيحة إنْ لم تكن معدومة، مشيرة إلى أنه بالرغم من قساوة بعض المطالب، إلا أنّ نتائجها لن تكون بمساوئ الأزمات التي يعيشها اللبناني اليوم على مختلف الصعد. فالسنوات المقبلة في حال نجحت هذه المفاوضات، ستكون تقشفية بامتياز وتتطلب التزاماً واضحاً بالسير على نهج الإصلاح بشفافية تامة بعيداً عن أساليب الهدر والفساد التي وضعت لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية له على الإطلاق. فالحكومة اليوم ملزمة بوضع حزمة من الإصلاحات المالية والاجتماعية والمعيشية على طاولة المفاوضات تُشكل خريطة طريق واضحة نحو التعافي ومن ثم الاستقرار الاقتصادي لتكسب من خلالها ثقة المجتمع الدولي مجدداً من أجل ضخ الدولار.

لن تكون اجتماعات التفاوض المقبلة اجتماعات صورية، بل هي الاجتماعات الأصعب على الإطلاق، إذ ينتظر المجتمع الدولي والدول المانحة اتخاذ قرارات جريئة والبدء بإجراءات ملموسة وجدّية على أرض الواقع تُعبّد الطريق أمام تلقي المساعدات المالية. أما عن مسار المفاوضات، فحتماً لن يكون سلساً وليناً في ظل ألغام داخلية وغياب المناخ السياسي الذي يُسرع من عملية الإصلاح ومطالب قاسية من قبل الصندوق الذي حذّر مراراً وتكراراً من مغبة التأخر في إجراء الإصلاحات وخطورة انعكاساتها على لبنان، فتكرار تجربة الحكومة السابقة ستكون أشد خطورة اليوم من سابقتها، لا سيما أنّ خطوة اللجوء إلى هذه المفاوضات هي الخيار الأوحد أمام الحكومة… فالأزمة لا تحتمل الفشل مجدداً ولا خيار أمامها سوى النجاح.

شارك المقال