“راحة نفسية” بالـ”فريش دولار”

نور فياض
نور فياض

يبدو أن اللبناني الذي بات فقيراً صار محتجزاً في وطنه فلا يمكنه السفر ولا حتى التجول بين أزقته، نظراً لما يشهده من ازمات اقتصادية جمّة تتفاقم يوماً بعد يوم متزامنةً مع تفشي وباء كورونا.

من عادات اللبناني سابقا، السفر مرة او اكثر كل سنة حتى لو كان دخله بسيطاً إذ كان يدّخر المال ليسافر الى بلاد عدة كـتركيا ومصر وغيرهما ليرفّه عن نفسه ويكتشف حضارات جديدة. اما اليوم فأصبح من الصعب على ذوي الدخل البسيط تخطّي حدود الوطن وذلك بسبب شحّ الدولار – العملة الرئيسية والوحيدة – لحجز تذكرة السفر.

ورفضت العديد من شركات السياحة والسفر ومنها “بون فوياج”، و”تلكو ترافل”، و”بركات ترافل”، أن تقبل العملة الوطنية من المسافرين حتى ولو دفعوا على سعر صرف السوق لعدم تثبيته من الدولة، لذا على المسافر تحويل المبلغ الى دولار ثم يأتي ليحجز الى البلد الذي يهوى. أما قبل الأزمة، فكان الدفع يتم بالتقسيط في البنك الذي الغى هذه الميزة نظراً للصعوبات التي يواجهها، فألحق الضرر بحجوزات الـ”اونلاين” واستفادت الشركات التي يُدفع لها “فريش دولار”.

وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية القاهرة، فوجئت الشركات بالإقبال المرتفع على السفر، عكس السنة الفائتة التي شهدت ازمة صحية خانقة وإغلاق العديد من القطاعات أبوابها. وباتت الطبقة الوسطى والاغنياء يتهافتون على السياحة او حتى الهجرة هرباً من مشاكل لبنان التي لا تعد ولا تحصى، فيلجأون الى بلاد سياحية كالأردن وجورجيا وتركيا ومصر بالإضافة الى الامارات وفرنسا التي سُهّل السفر اليها بعد انفجار الرابع من آب عربون محبة بين الدولتين الفرنسية واللبنانية.

وتتفاوت نسبة الحجوزات بين الشركات بحسب التسهيلات، فمثلاً شركة “نخال” كانت تقبل دفع 30% من قيمة بطاقة السفر بالفريش دولار و70% باللولار (دولار بسعر المنصة 3900)، إلى جانب العروضات المقدمة من مختلف الشركات التي ما زالت تعمل لكن بوتيرة اقل وبنسب مختلفة، ولا تفرّق بين غني ومرتاح فكلاهما يبحث عن الأوفر.

وتوجهت “شركة نخال” برسالة شكر، عبر “لبنان الكبير”، للمسافرين اللبنانيين لثقتهم بالشركة وتشجيعهم ودعمهم لها ولجميع شركات السياحة والسفر لتستمر وتتجاوز هذه المرحلة الصعبة. كما تؤكّد ان السياحة الداخلية هي الاكثر طلباً هذه الايام، فاللبناني المقيم يتنزّه على حساب المغترب الذي يجد البلد “رخيصاً” بسبب انهيار الليرة مقابل الدولار.

في المقابل، تشير وكالة “بركات ترافل” إلى “لبنان الكبير” ان الرحلات الداخلية كانت من حصة السياح الاوروبيين والبرازيليين، اما اللبناني فلا يقترب من هذه الرحلات وهو يقوم بها ولا يحتاج لدليل او مرافق.

اما شركة “بون فوياج” فتختلف عن باقي الشركات بنسبة المسافرين فهي تعتبرها ضئيلة وتضيف انها لا تنظّم رحلات داخلية نظراً للكلفة الباهظة وعدم الإقبال عليها.

ومن المستغرب في هذا الوضع الاستثنائي الذي تشهده البلاد، عدم وجود مشاكل في احدى شركات قطاع السياحة والسفر وهي شركة “تلكو” التي أكدّ مديرها أن “لا ازمة تعيق دربها فالدوام تقلّص ساعة واحدة فقط، والموتور الخاص متوافر بالإضافة الى الإشتراك في المبنى، والمكتب مجهّز بالطاقة الشمسية والبطارية فلا انقطاع بفضل هذه الاحتياطات التي اتخذت سابقا”.

اما باقي الشركات فتعاني من كثرة المشاكل على الأصعدة كافة مما يفرض عليها الاقفال قبل انتهاء الدوام بسبب اطفاء المولدات والتقنين الدائم للكهرباء.

وعلى الرغم من هذه العوائق، الا ان القطاع السياحي ما زال بخير على الأقل حتى اشعار آخر.

ويقول المواطن علي.ع لـ”لبنان الكبير” انه كان يستقلّ الطائرة اكثر من سيارته على الرغم من انه يعتبر من الطبقة الفقيرة أو الوسطى. اما اليوم وبسبب شحّ الدولار فلا يمكنه حتى النظر الى الطائرة مع أنه اشتاق لإرشاداتها ولصوت المضيفة والى جملة “الحمد لله على السلامة” و”اهلا بكم في مطار الكويت”.

من جهته، سامر.ق المرتاح ماديا فيفضّل السفر مرة واحدة في السنة لأنه في بلد كلبنان تنام غنياً وتستيقظ فقيراً.

اما ابناء الطبقة التي باتت فقيرة فيطلقون على أنفسهم لقب “غرباء في الوطن”. فهم كالعصفور المكسور، المحتجز بين اربعة قضبان لا يمكنه التحليق ولا حتى التنقل من غصن الى آخر، وتعب من الأزمات المتوالية التي حبست عنه انفاسه.

ويحتاج اللبناني بين فترة واخرى الى السفر بغية تعديل المزاج وحقن الجسم بجرعة من الراحة النفسية. الا ان هذا الامر بات شبه مستحيل ويقتصر على ذوي الرواتب بالدولار الاميركي، اما اصحاب الرواتب بالليرة اللبنانية فلا امكانية لديهم لا بالسفر ولا حتى التنقل في أرجاء الوطن الذي يمر بأسوأ أيامه.

مع تشكيل الحكومة وإنخفاض الدولار زاد أمل اللبناني في السفر، لكن تبقى بعض التساؤلات حول تحرير الدولار. فهل بهذا التغيير سنلمس إفراجاً عن المواطن ليتحرر من قضبان لبنان؟ أم سيبقى اسير دولته ومتغيراتها المفاجئة؟!

شارك المقال