تحذيرات من سجل لبنان الضعيف في تطبيق الإصلاحات

هدى علاء الدين

تتوالى التقارير الدولية المرحّبة بتشكيل حكومة جديدة أنهت فراغاً حكومياً دام أكثر من عام في ظل أحداث كارثية خرجت عن السيطرة في مرات عدة. فلبنان الذي يرزح تحت وطأة مجموعة من الأزمات المتزامنة سواء على صعيد ميزان المدفوعات أو المالية العامة أو الدين العام أو القطاع المصرفي أو على الصعيد الإجتماعي، انعكست تداعياتها انكماشاً في الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 20 في المئة وتضخّماً مفرطاً وتدهوراً في سعر صرف العملة المحلية وانقطاعاً في المواد الأساسيّة وزيادة في الهجرة وإفقاراً للشعب.

وفي هذا الإطار، أصدر قسم البحوث الدوليّة في “بنك أوف أميركا” تقريره الاقتصادي عن لبنان، تطرّق فيه إلى تشكيل الحكومة الذي طال انتظاره، الأمر الذي سيؤمّن بعض الاستقرار الاقتصادي ويتيح الفرصة لبدء محادثات مع الدائنين الدوليين، معتبراً أن وجود عوامل كالسجل التاريخي الضعيف وقرب الإنتخابات النيابية والتأثير القوي للطبقة السياسية قد يطيح فرص القيام بإصلاحات جوهرية، مما سيحدّ من أي ارتفاع ممكن في أسعار سندات لبنان السيادية.

وأشار “بنك أوف أميركا” إلى أن الوزراء يتمتعون بدعم سياسي، معتبراً أن تعيين المدير التنفيذي السابق للعمليات المالية في مصرف لبنان كوزير مالية قد يساعد في توحيد وجهات النظر بين وزارة المال ومصرف لبنان حيال المفاوضات مع صندوق النقد، إلا أن انهماك الحكومة بالتحضير للانتخابات النيابية المقبلة قد يخفف من فرصة إنجاز اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي، التي من الممكن أن تتسارع وتيرتها بعد الانتهاء من إجرائها. كما توقع حصر عمل هذه الحكومة بشكل أساسي بتحقيق بعض الإستقرار الاقتصادي وبدء مفاوضات مع المانحين الدوليين وإدارة البطاقة التمويلية التي سيُخفف إطلاقها من وطأة الأزمة الإنسانية عبر تمويلها لعام واحد من خلال قرض من البنك الدولي وحقوق السحب الخاص.

وعلى صعيد الحساب الجاري، فقد أشار البنك إلى أن العجز في الحساب الجاري قد تراجع من 12 مليار دولار أميركي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 إلى 4.7 مليارات دولار أميركي خلال الفترة عينها من العام 2020، مشيراً إلى أن رفع الدعم (والذي يكلف نحو 0.4-0.5 مليار دولار أميركي) سيُخفف من استنزاف احتياطيات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية.

وعن إقرار قانون الكابيتال كونترول والذي أرسل إلى البرلمان أواخر تموز، يعتقد البنك أنه سيساهم في إطلاق عجلة الإصلاحات مشيراً إلى خروج ودائع بنحو 10.8 مليارات دولار من لبنان خلال الفترة الممتدة بين الفصل الثالث من العام 2019 والفصل الثالث من العام 2020.

أمّا على الصعيد المالي، فقد أشار إلى أن عملية تحويل الودائع إلى الليرة اللبنانية قد تستغرق سنوات وأن خسائر مصرف لبنان قد ارتفعت بشكل كبير منذ الفصل الثالث من العام 2019، في حين أن التراجع في عجز الموازنة يعود إلى انخفاض النفقات الأساسية بشكل كبير وفوائد الدين، مما فاق بشكل كبير التراجع في الإيرادات الحكوميّة.

من جهتها، أصدرت وكالة التصنيف الدولية “موديز” تعليقاً حول تشكيل الحكومة في لبنان، مشيرةً إلى أنها تُشكل خطوة أولى فقط نحو إيقاف الانهيار الاقتصادي وإعادة هيكلة الدين ونقل البلاد نحو نموذج نموّ أكثر استدامة يركّز على الإنتاج المحلّي. وبحسب الوكالة، فإن وضع لبنان السيئ قد تفاقم نتيجة استنزاف احتياطياته بالعملة الأجنبية مع اشتراط صندوق النقد الدولي تنفيذ عدة إصلاحات قبل الإفراج عن أي مساعدات تتضمن تطوير أنظمة الحوكمة وبدء التدقيق في حسابات مصرف لبنان والمؤسسات التابعة للدولة وتصحيح المالية العامة عبر إعادة هيكلة الدين وإلغاء تعدد أسعار الصرف وتطبيق قيود رسمية على تحويل الرساميل.

واعتبرت موديز أن خطة التعافي التي كانت قد أعدتها حكومة الرئيس دياب قد تشكل نقطة انطلاق لأي عملية إصلاح علماً أن هذه الخطة قد حظيت بشكل كبير بموافقة صندوق النقد الدولي، إذ قُدّرت حينها الحاجات التمويلية الخارجية للبنان بنحو 10 مليارات دولار على فترة خمس سنوات، مذكرة بأن تلك الخطة قد قدّرت الخسائر الإجمالية للقطاع المالي بـ 241 تريليون ليرة لبنانية عبر اعتماد سعر صرف 3.500 ليرة لبنانية للدولار الواحد على أن تُوزع هذه الخسائر بين مختلف الأطراف المشاركين بحيث ستفوق خسائر حاملي سندات الدين نسبة الـ 65 في المئة مما يبرّر تصنيف لبنان “C”.

هذا وحذرت الوكالة من أن سجل لبنان الضعيف في تطبيق الإصلاحات قد يعرّض جهود الحكومة لتغيير الوضع الإقتصادي للخطر، مشيرةً إلى أنها قد تُحسن تصنيف لبنان في حال عولجت مشكلة استدامة الدين والعودة إلى النمو الإقتصادي وإستقرار الأسعار وتحقيق فوائض أوليّة متكرّرة.

شارك المقال