اخبار

الرقابة على الانتخابات… بين أهل البيت والخارج

تكثر التساؤلات في ظل الظروف التي ستجري فيها الانتخابات النيابية عن قدرة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التي تعمل على مراقبتها محلياً ودولياً، على الحفاظ على الشفافية ورصد ما يحصل في مراكز الاقتراع لاسيما في المناطق التي يهيمن عليها “حزب الله”، حيث سجلت انتخابات العام 2018، نقل صناديق وتزوير ومنع المراقبين من دخول المراكز، وما حصل في انتخابات بعلبك – الهرمل أفضل مثال على ذلك، فللسلاح فعله ظاهراً كان أم خفياً، وأي انتخابات تحصل تحت رايته، هي عملياً انتخابات غير ديموقراطية ومشكوك في نزاهتها على الرغم من كل ما يروّج عن وصف البعض بأنها “عرس ديموقراطي”.

على الرغم من ذلك يحاول اللبنانيون اليوم أن يجعلوا من انتخاباتهم فرصة للتعبير ويطمح الكثيرون منهم الى التغيير، فهناك 103 لوائح سجلت للتنافس في ما بينها، ومن المفترض أن تجري مواكبة دولية لهذه العملية الانتخابية عبر الاتحاد الأوروبي، ولهذه الغاية أعلن رئيس البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات منذ أيام عن قدوم 200 مراقب. والسؤال هل يكفي هذا العدد لتغطية مراكز الاقتراع كافة؟ وما هي ضمانة عدم حصول ضغوط على الناخبين؟ وهل سيحصل كما في الانتخابات الماضية بعض عمليات التزوير التي جرت “على عينك يا تاجر”، فيما أعطى تقرير البعثة الأوروبية شرعية لهذه الانتخابات المزورة وغطى على الشوائب والمخالفات التي سادتها؟ كما يقول بعض الناشطين.

فقد جاءت جولة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات جورجي هولفيني على المسؤولين اللبنانيين، لتعيد فتح النقاش عن مهمة البعثة وتغاضيها في تقاريرها عن فضائح علنية خيّبت آمال المجتمع المدني الذي كان يراهن على حرفية هذه البعثة وشفافيتها وحيادها، لا سيما أنها ستراقب على المدى الطويل العملية الانتخابية وتوصي بالاصلاحات لاحقاً.

وتعاني هيئة الرقابة على الانتخابات في لبنان التي شكلت في العام 2008 ضعفاً في الامكانات المادية نتيجة الأزمة وهو أمر لا يبشر بالخير أيضاً، على الرغم من التشكيك في دور هذه الهيئة خاصة أنها قد تتعرض لضغوط.

وحذر رئيس الهيئة القاضي المتقاعد ​نديم عبد الملك​، من “عدم التمكن من مراقبة الدعاية الانتخابية أو التصويت نفسه بشكل ملائم من دون ضخ تمويل وأدوات تشريعية، كون الهيئة من دون ميزانية ولم تتمكن من توظيف الا نحو 40 مراقباً”، معتبراً أن هذه الهيئة شكلت “لإرضاء ​المجتمع الدولي​ والقول إن لبنان يعمل وفق الشفافية والمساءلة”.

والمعروف أن هذه الهيئة تقوم بدور المرصد الانتخابي الأساسي في المرحلة السابقة للانتخابات، بحيت تنظم الحملة الانتخابية وتراقبها وتضبطها، فتتولى مراقبة تقيد اللوائح والمرشحين ووسائل الإعلام على اختلافها بالقوانين والأنظمة التي ترعى المنافسة الانتخابية. وجرى توسيع دائرة صلاحياتها لتمارس الإشراف بصورة مستقلة مع وزير الداخلية والبلديات.

وأوضح الخبير الانتخابي رياض عيسى لــ “لبنان الكبير”، أن “هناك ثلاثة أدوار تقوم بها الجمعيات المحلية لمراقبة الانتخابات: الأول، هو توعية المواطنين على حقوقهم وواجباتهم وتعريفهم الى آلية الاقتراع. الثاني، يتعلق بسبل تطوير التشريعات الانتخابية. والثالث، مراقبة الانتخابات وإعداد تقارير لاعلام الرأي العام بالتجاوزات وكذلك إعلام المسؤولين بالخروق التي يمكن أن تحصل خلال الانتخابات”، مشيراً الى أن “عمليات المراقبة تبدأ من فترة الحملة الانتخابية حتى نهايتها واعلان النتائج والطعون وغيرها. هذه الجمعيات تذكر في تقاريرها التجاوزات وتضع ملاحظاتها على العملية الانتخابية، مرفقة بالأدلة والاثباتات والشهود وبتوقيع المراقب الذي أبلغ عن تجاوز أو مخالفة أو تزوير حصل، أي أن الهيئة تتحمل مسؤولية ما يرد في تقاريرها تجاه الرأي العام”.

وقال عيسى: “ما يحصل اليوم هو أن معظم الجهات التي تشارك في العملية الانتخابية تستند الى تقارير هذه الجمعيات، وتتقدم بالطعون بناء على ما ورد فيها عن مسار العملية الانتخابية اذا حصل فيها تجاوز أو لاشفافية أو تدخلات أو رشاوى وغش وخرق للقانون. فدور الجمعيات هو مراقبة مدى التزام الجهات المعنية بادارة الانتخابات تطبيق القانون، لأن هيئات المراقبة أو الجمعيات المحلية لا تراقب مدى التزام الجهات المعنية بادارة الانتخابات تطبيق القانون فقط، ولا يمكن اختراع تجاوز لها لأن المراقبين ماهرون ومدربون ومطلعون على قانون الانتخاب، ورقابتهم وتقاريرهم يجب أن تؤدي الى تحسين عملية الانتخاب وتطويرها”.

أضاف: “مثال على ذلك، عندما كانت تحصل تجاوزرات معينة تتدخل الأجهزة الأمنية في عمليات الانتخاب، أي يتواجد عناصر أمن داخل قلم الاقتراع، وهذا مخالف للقانون، واليوم لم نعد نرى هذه الظاهرة. مثال آخر هو وجود ماكينات انتخابية في مراكز الاقتراع، وهذا أيضاً لم يعد يحصل اجمالاً. الدعاية الانتخابية أمام مراكز الاقتراع توقفت أيام التصويت حتى لا تؤثر على الناخبين، وتباعاً صار الناس يعرفون أكثر فأكثر ما هو مخالف للقانون، وتمكنت هذه الجمعيات المحلية من إدخال بعض الاصلاحات ومنها قسيمة الاقتراع المطبوعة، والتركيز على فترة الصمت”.

وعن الرقابة الدولية، أكد عيسى أن “الوضع مختلف، لأن المراقبين الدوليين لا يمكن لهم أن يغطوا كل مراكز الاقتراع ويتواجدوا في كل المناطق. الرقابة الدولية يمكن أن تراقب قانون الانتخاب نفسه اذا كان يتطابق ويتوافق مع المعايير الدولية للانتخابات، أي هل القانون الانتخابي يؤمن نزاهة الانتخاب وشفافيته وحياد السلطة ويعطي فرصاً متساوية للمرشحين ويسمح لكل المواطنين بأن ينتخبوا في جو آمن وبسرية الاقتراع؟، كما ترصد ما اذا حصل تزوير لكنها لا تدخل في التفاصيل الدقيقة للعملية الانتخابية. البعثات الدولية لا ترى سوى الكتل وفق الموالاة والمعارضة، تستمع الى اعتراضات المرشحين، وآراء القوى السياسية لرصد موضوع الانفاق والاعلام الانتخابيين”. وأعرب عن اعتقاده أن “الرقابة الدولية في كثير من الأحيان لا تكون موضوعية مئة بالمئة ويمكن القول إنها شكلية وتراعي السلطات أو الجهات التي تدير الانتخابات. وحسابات الدول مختلفة عن حسابات المنظمات المحلية”.

ورأى أن “الرقابة لا تعطي وحدها شرعية للانتخابات بل نسبة المقترعين التي تعكس رأي الناخبين في الاستحقاق، والبت بموضوع الطعون وحق المواطنين في الدعاية الانتخابية للمرشحين ومبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين والمساواة، أي أن هناك عناصر أخرى عدة يجب أن تتوافر لتكون الانتخابات شرعية، وأحد هذه العناصر هو موضوع الرقابة المحلية والدولية”.

تستعد “الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات” لاطلاق عملية المراقبة يوم السبت في 16 نيسان الجاري، وقال الأمين العام للجمعية روني الأسعد لــ “لبنان الكبير” عن تأثير الأزمة الاقتصادية على نشاط الجمعية المنتظر في مراقبة الانتخابات: “نحن في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها كل لبنان، لا نزال نطلق عملية المراقبة في كل الانتخابات، وهذا السبت سنطلق حملة المراقبة للانتخابات النيابية، وفي المبدأ لم نراقب مرة كل المراكز الانتخابية، بل نأخذ عينة عشوائية علمية، ونوزع مراقبين على هذا الأساس. وهناك نوعان من المراقبين، مراقبون أوائل ومراقبون طويلو الأمد، يكتبون تقارير عن المخالفات التي تحدث، ونحن نصدر تقريراً نهائياً. أصدرنا حتى الآن تقريرين، وهناك مراقبون لنهار الاحد، نسمّيهم مراقبين قصيري الأمد يتابعهم منسق في كل دائرة يعمل على استقطابهم وتدريبهم، وهناك مراقبون جوالون وآخرون ثابتون في مراكز انتخابية”.

وعن فائدة المراقبة، أوضح “أننا نراقب لنعرف المخالفات الموجودة، لأنه عندما نطالب بإصلاح القانون الانتخابي يجب أن نتجنب حدوث هذه المخالفات. ونظرياً يمكن أن يكون القانون جيداً أحياناً ولكن بعد التجربة يتبين وجود أخطاء وتظهر أمور معينة تحتاج الى الاصلاح والتحسين. وأحياناً هناك مرشحون يطعنون بفوز مرشحين آخرين، ويستشهدون بتقارير المخالفات التي نوردها، كما أن المجلس الدستوري يطلب مراقبين ليأخذ افادات. من هنا أهمية المراقبة، وهذا موضوع مهم للشباب الذي يريد الانخراط في الشأن العام ويرغب بالعمل الميداني في مراقبة الانتخابات فهي وسيلة تثقيفية، وطبعاً نحن نقوم بالتدريب على قانون الانتخاب وعلى المراقبة”.

وعما اذا كان هناك تنسيق مع بعثة الاتحاد الأوروبي، أكد الأسعد أن “التنسيق أمر عادي مع الاتحاد الأوروبي، مثلاً طلبوا الاجتماع بنا وتكلمنا عن منهجية المراقبة والتنسيق بمعنى أنه اذا كان لدينا مراقبون في مناطق معينة يمكن أن يجتمعوا بهم للمناقشة، وبالطبع، نحن نتعاون معهم ولا مشكلة في ذلك أبداً”.

ولا يوافق على أن تقرير البعثة يمكن أن يعطي شرعية للانتخابات أو يسحبها، مشيراً الى أن “تأثير تقرير الاتحاد الأوروبي كونه يمثل مجموعة دول، لكن عناصر المراقبة لا تتواجد في كل المراكز، فعدد المراقبين قليل ولا يمكن المقارنة بين التقارير”.

ولفت الى أن “صعوبات الرقابة متعلقة بموضوع تأمين الكهرباء وإرسال صناديق الى الخارج وإعادتها وهي أمور تقف في وجه انجاز العملية الانتخابية. ويجب أن تحل في أسرع وقت ممكن والانتباه الى موضوع كتابة المحاضر لأنه في انتخابات 2018 صفيت نتائج ما يقارب 497 قلماً بسبب خلل لوجيستي. يجب أن يكون عدد المحاضر تقريباً ثلاثين أي ضعفي عدد الدوائر الانتخابية حتى تكون هناك نسختان كي لا تحصل أخطاء”.

زر الذهاب إلى الأعلى