خاص

“التيار البرتقالي”… ثمن الاستقالات و”العنتريات” في الانتخابات

لا شك في أن “التيار الوطني الحر” عاش فترة ذهبية في مرحلة تاريخية معينة حين ادّعى أنه يمتلك 70 في المئة من المسيحيين وأن شعبيته شكلت “تسونامي” في الحياة السياسية اللبنانية، لكن هذا المجد لم يدم طويلاً لأن “ما بني على باطل فهو باطل”، وسلطة العرش تتدحرج شيئاً فشيئاً بسبب السياسات المتسلطة والخاطئة المنطلقة من أساس كيدي وأناني ومصلحي، حتى أن “التسونامي الشعبي” تحول الى موجات ارتدادية عاتية جارفة معاكسة للتيار وسياسته لأن من يبني بيته على الرمال ليس كمن يبنيه على الصخر.

حقيقة واحدة ثابتة لا تقبل الشك: “التيار البرتقالي” يعيش أزمة مصير في ظل الانشقاقات الداخلية والتراجع الدراماتيكي في صفوف قاعدته الشعبية التي وصلت الى أدنى مستوياتها منذ سنوات طويلة. فبعد أن قدم نواب استقالاتهم من تكتل “لبنان القوي” فضلاً عن انشقاق نحو مئة من الكوادر، أعلن النائب حكمت ديب تقدبم استقالته من “التيار الوطني الحر” وسط معلومات تشير الى أن حبل الاستقالات والانشقاقات على الجرار خاصة وأن هناك معارضين لسياسة رئيس التيار النائب جبران باسيل ان كان على الصعيد الحزبي الداخلي أو على صعيد السياسة الوطنية ما خلق جواً من البلبلة والتشنج داخل التيار، والانتخابات النيابية ليست سوى النقطة التي أفاضت كأس الخلاف.

المعارضة داخل التيار بقيت في دائرة الكتمان والسرية الى حين فوز باسيل برئاسة “التيار الوطني الحر” للمرة الثانية بالتزكية، اذ اعتبرت أن نهجه ان كان في قيادة التيار أو في السلطة اللبنانية بعيد كل البعد عن المبادئ التي نشأ عليها التيار، وحمّلته مسؤولية تردي الأوضاع التي وصل اليها البلد بسبب سياسته الخاطئة، كما أن سياسته المماثلة داخل التيار تشكل خطراً على مصير التيار وفق ما أكد أحد كوادر “التيار العوني” السابقين، الذي لفت الى أن “التيار الوطني الحر الذي رفع لواء محاربة الفساد والتوريث السياسي ها هو اليوم المتهم الأول بالفساد وأحادية السلطة”.

وكبرت كرة ثلج المعارضة داخل “التيار العوني” بعد 17 تشرين 2019 وصولاً الى الاستطلاع الداخلي التمهيدي لاختيار مرشّحي التيار في الانتخابات النيابية المقبلة، بحيث شكل غياب النواب إبراهيم كنعان وآلان عون وزياد أسود وحكمت ديب وسليم عون عن الاجتماع الذي دعا إليه باسيل لإعلان نتائج الاستطلاع، غياباً فاقعاً ووضع أكثر من علامة استفهام حول حالة الاحتقان والتوتر بين المسؤولين “البرتقاليين” خاصة بوجود شك حول نتائج الاستطلاع التي لم يسمح باسيل بنشرها “تفادياً لتوتير الأجواء” بين المناصرين. مع العلم أن الدعوة الى اجراء الاستطلاع أتت قبل ساعات من صدور التعميم لذلك، بحيث اعتبر المعارضون حينها أن ما حصل يؤكد مرة أخرى أن باسيل ينفرد في قراراته ويحكم بأمره داخل التيار، وسيدفع ثمن فاتورة أعماله وقراراته باهظاً في الانتخابات المقبلة التي ستكون أقسى معركة نيابية يخوضها التيار بعد عودة الجنرال ميشال عون من المنفى، حسب ما أكد أحد كوادر التيار السابقين لـ “لبنان الكبير”.

وفيما تستعد المعارضة العونية لخوض الاستحقاق الانتخابي وفق برنامج معين، أعلن النائب حكمت ديب تقديم استقالته، موضحاً أن الاستقالة لم تأت نتيجة عدم ترشيحه للانتخابات النيابية وحسب، بل بسبب العديد من الاعتراضات على سياسة الحزب، وأن هناك خلافاً بينه وبين باسيل. وأكد مصدر متابع أن باسيل يحاول استبدال المناضلين برجال أعمال ومتمولين وسط تراجع شعبية التيار مع العلم أنه سبق وأعلن أنّ التيار لن يتوانى عن خوض الانتخابات بمرشّحين حزبيّين في كلّ المناطق. وفي دائرة بعبدا، في حال تم ترشيح كل من حكمت ديب وآلان عون فسيكون مقعد أحدهما في خطر، أمّا في حال تم ترشيح غير حزبي فسيمد اللائحة بأصواته الخاصة. وبالتالي، لا خوف على مقعد النائب آلان عون الذي يتفوق بالأصوات التفضيلية على المرشح الشيعي. أما النائب حكمت ديب الذي أتى رابعاً في الانتخابات الداخلية للتيار، فهناك خوف من الحفاظ على مقعده.

وبعد تقديم استقالته، جرى الحديث عن أن النائب ديب يبحث في خيارات عدة لتموضع سياسي جديد ربما يكون بعيداً كل البعد عن خطه السياسي السابق ومنها انضمامه الى “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان”، وأنه تواصل مع النائب السابق فارس سعيد في هذا الاطار. ولاستيضاح الموضوع، تواصل “لبنان الكبير” مع كل من ديب وسعيد، لكنهما كانا غائبين عن السمع، إلا أن مصدراً مقرباً من ديب أشار الى استبعاده أن يأخذ خيار الانضمام الى المجلس لكن القرار النهائي يبقى له .

ولفت أحد كوادر التيار الذي رفض الكشف عن اسمه الى أنه يتفهم “الموقف الذي اتخذه النائب ديب لأنه لا يجوز التعاطي مع الناس وخاصة المؤسسين بهذا الاستخفاف”، واصفاً أداء باسيل الحزبي بأنه “مخيب للآمال، وجعل من التيار مزرعة خاصة، ولم تعد تنطبق عليه صفة مؤسسة حزبية”. وتوقع وفق معطياته ومعلوماته أن “نشهد مزيداً من الاستقالات لاحقاً ليس على خلفية الترشيحات وحسب، انما بسبب الاعتراض على النهج وعلى طريقة التعاطي لا سيما وأن الخيارات التي يتخذها رئيس التيار ليست الأفضل أو الأحسن بل هي خيارات مصلحية ضيقة”.

وأكد المصدر أن “الاستقالات اللاحقة داخل التيار اذا لم تظهر الى العلن فستكون في أحسن الاحوال بمثابة الاعتكاف عن العمل السياسي تحت عباءة التيار”.

ورأى رئيس “التيار المستقل” اللواء عصام أبو جمرة أن “التفرد في القرارات داخل الأحزاب يؤدي الى خروج البعض من الصف خاصة اذا كانوا من المؤسسين والقدامى ولهم تاريخهم في الحزب”، معتبراً أن “الاستقالات المتتالية منذ فترة والمتوقع استمرارها في المستقبل تأتي نتيجة التفرد بالقرار وتجاوز المراكز القيادية الفاعلة. وكل تلك التصرفات الرعناء تؤدي الى مثل هذه الخيارات”.

وقال: “ما قام به النائب ديب أقل ما يمكن في ظل كل التجاوزات الحاصلة داخل التيار حيث أن الثقة تزعزعت بقوة، ومن المنتظر أن تزيد الانسحابات بسبب قرار سلطوي يضع شخصاً له ثقله على الهامش واستبداله بآخر، وهذا لا يمكن تبريره بأي ذريعة لأنه يجب الحفاظ على القيادات التي ضحّت ولها وزنها في العمل الحزبي”.

وأوضح أن “النهج داخل التيار غير سليم، وهناك ضعضعة وتململ وارتباك واعتراض داخل هذا التيار الذي له تاريخه، لكن السياسات الخاطئة التي يعتمدها رئيسه ان كان على الصعيد الوطني أو على الصعيد الحزبي ستكون لها تداعيات وخيمة”.

زر الذهاب إلى الأعلى