خاص

جبران باسيل يخوض الانتخابات في “تيار” يحتضر!

“التيار الوطني الحر” ليس بخير: خلافات داخلية، تخل عن نواب معروفين كرأس حربة، ابتعاد حزبيين ومناصرين، استطلاعات للرأي تشير إلى تراجع “التيار” مسيحياً، مساع لـ”حزب الله” لإنقاذ حليفه، تغاضي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عن خلافاته مع الرئيس نبيه بري للتحالف في الانتخابات، واقتراحات وذرائع متتالية تهدف إلى تأجيل الانتخابات، مع ذلك يبدو أن القرار اتخذ والانتخابات ستجري في موعدها في 15 أيار المقبل، و”التيار” سيخضع للمحاسبة أمام الرأي العام والنتائج المتوقعة لا تُطمئن قيادة “التيار”، فما الذي أدى به إلى هذه الحالة؟

المسار التراجعي الذي يعيشه “التيار الوطني الحر” ليس وليد اليوم، إنما يعود إلى ما قبل العام 2016 حين تولى باسيل رئاسة “التيّار” بالتزكية. حزبيّون كثرٌ اعتبروا أن باسيل قد عيّن تعييناً في المنصب بعدما استُبعد المرشّحون الآخرون. هذا الحدث كان مفصليّاً، إذ تلاه بروز حركة معارضة داخل “التيّار”. جوبهت هذه الحركة بقرارات فصل وتعليق عضوية، وصل عددها إلى حوالي 34، واستهدفت أعضاء أدّوا أدواراً رياديّة في “التيّار”. هيمنت الأحاديّة على العمل الحزبي وبات الرئيس يتفرّد بسلطة القرار.

ووجهت المعارضة بالقمع. وتمّ إستخدام الأجهزة القضائيّة داخل “التيّار” لهذه الغاية، بينما إرادة السلطة الفاعلة والموالية لباسيل آنذاك بدت متصلبة في سعيها الى وضع نظام يمنح رئيس “التيّار” صلاحيات مطلقة لا يشاركه بها شريك.

قبل انتخابات 2018، أعلن “التيار الوطني الحر” للمرة الأولى عن نيّته تنظيم انتخابات تمهيدية داخلية، تسمح للقاعدة الشعبية أن تختار ممثليها في الندوة البرلمانية، بدل أن تُفرض عليها الأسماء من قبل القيادة، إنما كما في أغلب مشاريع “التيار”، يختلف التطبيق عن الشعارات، فانتهت التجربة الأولى للإنتخابات التمهيدية بمشكلات وخلافات حزبية واسعة وكبيرة، استطاع “التيار” تغطيتها بقوته الشعبية، أما اليوم فيبدو أن الإنتخابات التمهيدية تسبّبت بشرخ تصعب معالجته قبل موعد الانتخابات النيابية، والسبب أن قيادة “التيار” لم تلتزم بنتائج الانتخابات الداخلية، وقامت باختيار بعض المرشحين الخاسرين الأقرب إلى باسيل على حساب الفائزين الذين لا ينالون رضاه! وقد خرجت مثل هذه الخلافات إلى الأضواء مع نواب كماريو عون وحكمت ديب وزياد أسود وغيرهم، ومن المتوقع أن تظهر خلافات أكثر عمقاً كلما اقتربت الانتخابات.

على خط مواز، تشير استطلاعات للرأي عديدة إلى تراجع في شعبية “التيار”، وعلى الرغم من نفي قيادته ذلك، إلا أن هذا الواقع يفرض نفسه، وقد تكون ثورة 17 تشرين الأول 2019 أكثر من استهدف “التيار” بحكم وجوده في السلطة والامتعاض الشعبي من أسلوب ادارته للبلد وانحرافه نحو المحاصصة ورفعه شعارات طائفية كتحصيل حقوق المسيحيين، بينما هموم الشعب اللبناني، مسلمين ومسيحيين، كانت في مكان آخر. وقد هرب كثر من مؤيدي “التيار” إلى المجتمع المدني، وهذا ما ستظهره الانتخابات على نحو واضح.

في المقابل، تخوض “القوات اللبنانية” المنافس اللدود مسيحياً لـ”التيار” الانتخابات بهدوء أكثر من دون خلافات داخلية وضوضاء، إنما خطوات ثابتة واختيار مدروس للمرشحين والتحالفات، وإذا لم تزدد مقاعد “القوات” إلا أنها لن تتراجع، وتشير التوقعات إلى أنه سيكون لها التكتل المسيحي الأكبر في المجلس العتيد.

هذا الأمر يدركه جيداً “حزب الله” ويتهيّب خطورته، لأنه بحاجة دائماً الى تغطية مسيحية لسلاحه غير الشرعي، ولن يجد أفضل من “التيار” للاستمرار في أداء هذا الدور، لذلك سارع إلى تكوين تحالف ثلاثي مع “التيار” وحركة “أمل” على الرغم من الخلافات الشديدة بين الأخيرين، واضطر “التيار” إلى وقف كل الحملات ضد الرئيس نبيه بري، و”الحركة” التزمت عدم التعرض لرئيس الجمهورية ميشال عون أو انتقاد باسيل، حتى أن التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت شملته التهدئة، ويبدو أن هناك تفاهماً ضمنياً على تأجيل الاشتباك إلى ما بعد الانتخابات! لكن بعض المشككين يعتبر أن حركة “أمل” لن تقدّم كثيراً لـ”التيار” انتخابياً، بل أن امدادات الثنائي الشيعي له ستكون محدودة ولن تنقذه من خسارة أكثر من نصف نوابه وخاصة في المناطق المسيحية البحتة ككسروان والمتن والشمال حيث من المتوقع أن تميل الدفة إلى “القوات” وربما إلى المجتمع المدني وبعض المستقلين.

من جهة أخرى، حاول “التيار” منذ بدء العد العكسي للانتخابات، وضع عراقيل تهدف إلى تعديلات تلائمه أو تأجيل موعد الانتخابات للافادة من أجواء مختلفة. والكلام عن هذه الأمور التي تبدو كوضع العصي في الدواليب، يبدأ بتقديم طعن محاولة لحصر أصوات المغتربين في ستة مقاعد، بدلاً من التصويت على جميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 128. هذا الاقتراح لم يحظ بتأييد المغتربين أنفسهم لأنهم أرادوا المشاركة في انتخاب كل النواب وليس ستة نواب في الانتشار فقط.

واللافت أن المغتربين موزعون في شقين أساسيين: الأول من الذين غادروا لبنان منذ سنوات طويلة وهم ينتمون إلى الخط السيادي، ومن الطبيعي ألا يؤيدوا سلاح “حزب الله” الذي أوصل لبنان إلى ما هو عليه. ثانياً الهجرة الحديثة من اللبنانيين الذين يعتبرون أن العهد وسياسة العهد دفعتهم إلى الهجرة ومغادرة لبنان، لذلك كان “التيار” يريد التخلص من المغتربين لأنه يدرك تأثيرهم في المشهد السياسي اللبناني وينعكس على وضعه المتراجع أساساً.

الأهم في الموضوع أن الطعن الانتخابي المقدم من تيار باسيل لم يحصل على التأييد الكافي من أعضاء المجلس الدستوري وخاصة أنه تسجّل أكثر من 244 ألف ناخب لبناني في الخارج للتصويت في الانتخابات المقبلة. لكن ألاعيب باسيل لا تنتهي لنسف هذا التأثير أو الافادة منه، واستمرت محاولات العرقلة عبر تمنُّع وزارة الخارجية المحسوبة على الفريق العوني عن تسليم جداول أقلام الاقتراع لوزارة الداخلية.

بعد اخفاقه في موضوع المغتربين، تنطّح باسيل للمزايدة في مشروع “الميغاسنتر”، الذي يعني انتخاب المواطن من حيث يقطن لا بحسب دائرته، وهو مطلب حقّ يراد منه باطل أي ضرب موعد الإنتخابات النيابية، لكن باسيل لن يتمكن من فرضه لأن الوقت قد تأخر كثيراً لإنشاء هذه المراكز وبات لبنان على مشارف الانتخابات!

وكلّما اقتربت الانتخابات “سيخترع” باسيل ذرائع جديدة ولا سيما التهويل بحوادث أمنية، علماً أن الأجهزة الأمنية أعلنت عن جهوزيتها التامة لموعد الإنتخابات اذا جاء القرار السياسي بحصولها!.

ومن الواضح أنّ باسيل يريد تأجيل الانتخابات النيابية عاماً كاملاً، بحيث تُجرى بعد الانتخابات الرئاسية المحدَّدة في الخريف وليس قبلها. وهذا الأمر يتيح للمجلس الحالي أن يتولّى انتخاب الرئيس. وفي اعتقاد باسيل، أنّ هذا المجلس يبقى أفضل له بكثير من المجلس الذي سيتمّ انتخابه في أيار، والذي قد يتأثر بمناخات طارئة.

الاستحقاق يقترب وهامش المناورة يضيق على “التيار الوطني الحر” ورئيسه، وهو يعلم أن عواصم القرار تعتبر اجراء الانتخابات النيابية خطاً أحمر، لذلك لا مفر من المحاسبة ولا بد من أن يحصد ما زرعه في النهاية!

زر الذهاب إلى الأعلى