خاص

السنيورة… عازفاً ومنخرطاً!

ليس فؤاد السنيورة إسماً هامشياً في المشهد السياسي اللبناني، خصوصاً في حقبته الحريرية، ثابتاً مع الأب رفيق منذ البداية، ثم مع الإبن سعد لكن متراجعاً حيناً ومتقدماً حيناً في أولويات الوسط.

له معزة خاصة لدى كثيرين من هواة النوستالجيا السياسية لأيام 14 آذار، ليس لشخصيته القيادية الجماهيرية ولا الكاريزمية الفصيحة لديه، بل لاعتباره “الأنكد” بين شخصيات المعسكر السيادي للمحور المعادي 8 آذار، الذي يدلع نفسه أحياناً بـ”الممانعة” ويتباهى بأنه “مقاومة”.

يتذكره السياديون جيداً حين كان رئيساً للوزراء وبكى على الأطفال والضحايا في حرب تموز 2006، وكيف سخر المقاومون “الفولاذيون” من دموعه، التي تكشفت عن القرار الدولي 1701، الذي رسم حداً جغرافياً فاصلاً جنوبياً لسلاح “حزب الله”، وصار معياراً للمناوشات والالتزامات بينه وبين إسرائيل بعد “حرب لو كنت أعلم”.

ويتذكره السياديون حين حاصره “الشيعة” في السراي بعدما استقال وزراؤهم من حكومته التي اعتبروها لاميثاقية، وصولاً الى “اتفاق الدوحة”.

هو بالتأكيد شاهد خبير على وقائع السياسة منذ التسعينيات، مع محطاتها التفاؤلية قبل 2005، ثم خيباتها السيادية المتوالية التي مكنت “حزب الله” من تأسيس دويلته وصولاً الى مصادرة الدولة واحتكاره قرار الحرب والحكم بكل تفاصيله.

هو علامة فارقة في “ربط النكد” بين السنة والشيعة في البلد، في وقت كانت الدولة تتلاشى أكثر على وقع انهيارات الثورة السورية وخرق “الدويلة” الحدود للتدخل العسكري في سوريا.

في المقدمات، يصل السنيورة في توصيف الوضع السياسي والكياني للبنان الى التكامل مع السرد المفصل للحريري في قرار تعليق العمل السياسي، لجهة اليأس من إمكان تخليص لبنان من قبضة “جمهورية الولي الفقيه” بالانتخابات والغالبية البرلمانية، بدليل تجربة 2008.

كثيرون جرّبوا، من مواقعهم الوطنية لا الطائفية والمذهبية، طرقاً عديدة للتعايش مع “فائض القوة” لدى الوكيل الإيراني، ليعلنوا يأسهم، وهو ما أوصل الرئيس سعد الحريري الى خيار وقرار تعليق العمل السياسي والعزوف مع تياره عن خوض تجربة انتخابية جديدة معروفة النتائج بغض النظر عن حساب المقاعد.

فالجميع يعرف جيداً أن “حزب الله” ولو من دون مقعد واحد يستطيع بـ”قمصانه السود” أن يأخذ الحافلة في الاتجاه الذي يريد.

السنيورة خلص من المقدمات التي تثبّت منطق العزوف وعدم المشاركة، وبحجة عدم ترك الساحة للانتهازيين والطارئين، الى النقيض: الانخراط في اللعبة، عازفاً عن الترشح عازماً على المشاركة بالكامل.

والسؤال: اذا كان يرى جدوى من المشاركة في الانتخابات “لكي لا يُتاح للوصوليين تعبئة الفراغ” على قوله أمس، فهل عزوفه عن الترشح له معنى غير إدراكه عدم قدرته على اجتذاب أصوات السنة البيارتة تحديداً؟ والحال هذه، أليس بقراءته لمزاج الناخبين إقرار بأن القاعدة الشعبية ليست مع المشاركة؟

لا يشبه عزوف السنيورة عزوف الحريري وقبله الرئيس تمام سلام، ولا يشبه حتى عزوف الرئيس نجيب ميقاتي لأن الأخير لديه حيثية وقدرة على رفع لائحة في طرابلس ولكان فوزه مضموناً لو ترشح، في حين أنه، السنيورة، لا يمتلك الحيثية لا في مدينته صيدا ولا في بيروت، التي لم تكارم انتخابياً أحداً من خارجها الا الحريريين الأب والأبن.

عزوف ودعوة الى المشاركة والانخراط بالكامل يشكلان في الظرف الصعب الحالي “غطاء شرعياً ميثاقياً” للانتخابات التي لن تغير شيئاً اللهم زيادة مقاعد “الثنائي الشيعي”.

زر الذهاب إلى الأعلى