خاص

الطريق غير معبدة أمام “الشراكة والارادة”

رسميا أسدلت لائحة “الشراكة والارادة” في الشوف وعاليه المؤلفة من تحالف “التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” و”الوطنيين الاحرار” الستارة على المرشحين الاثني عشر في حفل أقيم في قصر “الأمير أمين” في دير القمر الشوفية أمس السبت.

رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عزف عن حضور الحفل لأن نجله تيمور هو قبطان السفينة اليوم. تسلم عباءة الزعامة الجنبلاطية في آذار 2017، دخل البرلمان النيابي في العام 2018 مترئسا “اللقاء الديموقراطي”، وشكل نهضة في العمل البرلماني تمثلت في تقديم ما يفوق الستين إقتراح قانون. ويقود اليوم المواجهة بعد أن اختار مرشحي “التقدمي” مع والده ليقع الخيار على شخصيات تشبه الزعيمين: مناضلون رافقوا وليد جنبلاط أيام الصعاب وباتوا اليوم يعرفون بصقور الحزب. سيدات ناضلن في الحزب وفي الشأنين الميداني والأكاديمي، ووجوه جديدة بعضها دخل البرلمان في العام 2018 مع تيمور جنبلاط.

بكلمات المعلم كمال جنبلاط والرئيس الأميركي أبراهام لينكولن ختم رئيس لائحة “الشراكة والارادة” تيمور جنبلاط حفل إعلان اللائحة، واضعا الكرة في ملعب الناخبين، ومسلما أمر هذه المعركة لهم برسالة مفادها أن لا استمرارية الا لخيارات الناس القادرين على صنع مستقبلهم، فلا قدر يُفرض عليهم.

هذه اللائحة التي شكلها “التقدمي” بالتعاون مع “القوات” و”الوطنيين الأحرار” اللذين إختارا عددا من المرشحين على المقاعد المسيحية كما جرت العادة تطبيقا لمبدأ الشراكة، تواجه صعوبات جمّة على صعيدين:

سياسيا، تواجه اللائحة العقل العوني المصمم على ضرب مصالحة الجبل من باب تحقيق شراكة حقيقية، شعار يرفعه التيار في الشوف متغاضيا عن أصوات صديقة له نصحته بتعديل حملته هذا العام كي تكون أقرب الى الواقع، غير قائمة على انتقاد مصالحة الجبل الماثلة أمام المسيحي والدرزي. وفي السياق، إستغرب أهالي المنطقة الحملة الإعلانية لأحد مرشَحَي “الوطني الحر” في الشوف فريد البستاني الذي إختار عبارة “أنا متطرفٌ” التي كتبت على ملصقات اعلانية إنتشرت منذ حوالى الشهرين في المنطقة ورأها البعض مستفزة وفي غير مكانها لاسيما وانها لا تشبه البستاني حليف التيار وغير المنتمي الى صفوفه.

يرفق البستاني حملته اليوم بعبارات مثل “أنا متطرف بإلتزامي” و”أنا متطرف للشراكة الحقيقية” تحاكي العقل العوني المتطرف أصلا وجمهور التيار المشبَّع حقدا على مصالحة الجبل وأركانها. سياسيا أيضا ترى لائحة “الشراكة والإرادة” أن حماية إتفاق الطائف تقع على عاتقها لاسيما مع إرتفاع منسوب الحديث عن تغيير النظام وعن مؤتمر وطني بُعيد الانتخابات النبابية قد ينتج عنه تشريع تسليم الدولة الى “حزب الله” إن نجح محور الممانعة في أخذ الأكثرية النيابية. من هنا، ترى هذه اللائحة نفسها مسؤولة في إطار مواجهة السطو الايراني الخارجي ذي الأدوات الداخلية التي خطفت الجمهورية وقطعت أواصرها العربية، ويبدو اليوم أنها تخطت بحساباتها الاستحقاق النيابي ودخلت في الاستحقاق الرئيسي الذي دفع السيد نصر الله الى جمع سليمان فرنجية وجبران باسيل على مأدبة إفطار تحضيرا للانتخابات الرئاسية.

وهذا الواقع، يهدد المسار الايجابي الذي تحقق في ملف ترميم العلاقات اللبنانية – الخليجية، والتي تشير المعلومات الى أن “التقدمي” و”القوات” يعتبران نفسيهما مسؤولين تجاه إستكمال هذا الملف الذي قطع شوطا كبيرا مع عودة سفراء الخليج الى ممارسة مهامهم الديبلوماسية. فهذه العودة أتت تلبية لنداءات القوى السياسية المعتدلة في لبنان التي رأت في المبادرة الكويتية مدخلا لترميم العلاقة فإرتكزت عليها لتشجيع الخليج على عدم ترك لبنان.

الصعوبات التي تواجه لائحة “الشراكة والإرادة” على الصعيد الوطني لها تداعياتها الداخلية المرتبطة بالشوف وعاليه على وجه الخصوص.

وفي هذا الاطار، لا يخفي تيمور جنبلاط في لقاءاته الداخلية إعتزازه بمؤسسات الجبل التي “بقيت موجودة وفتحت أبوابها في عز هذه الأزمة”، كما قال في إطلاق اللجنة الشبابية في عاليه مطلع الشهر الفائت. هذه المؤسسات التي لوليد جنبلاط اليد الطولى في إنشائها ودعمها، صمدت وإستمرت وبعضها حصل على تقديرات عربية كالمؤسسة الصحية للطائفة الدرزية “عين وزين مديكال فيليدج” التي نالت في حزيران 2021 جائزة “المستشفى المتميز” من إتحاد المستشفيات العربية تقديرا لخطتها في التعاطي مع جائحة كورونا.

مع ذلك، يخاف تيمور جنبلاط على مستقبل هذه المؤسسات وعلى قدرة الاستمرار في دعمها وتمكينها وتطويرها في ظل الانهيار وتزايد عدد المتربصين بها الذين أقحموها ضمن حملة ممنهجة لتشويه صورة وليد جنبلاط. وقد وصل الحال ببعض متسلقي “المجتمع المدني” الى عرض “فريش دولار” على كل من لديه “خبرية” تُسيء الى هذه المؤسسات، إذ يمكن استثمارها ضمن الحملة الهادفة الى إضعاف “الشراكة والارادة” لصالح مرشحين على لوائح المجتمع المدني المنقسمة على بعضها والتي تتهم بعضها البعض بخدمة “حزب الله”، على الرغم من وجود معطى واحد أكيد متمثل في كون اللائحة الأوفر حظا بالخرق وهي لائحة “توحدنا للتغيير” ذات معسكرين: الأول مدني يدعم “حزب الله”، وهو الأقوى، والثاني مدني متهم من الأول بالإرتهان للخارج.

وفي السياق، تجهد “الشراكة والارادة” في مواجهة غرفة العمليات السورية – الايرانية التي طلبت من حلفائها عام 2018 خوض المعركة الانتخابية بعنوان “كسر الأحادية”. وفي هذه الانتخابات أبلغتهم قرارها بخلق زعامة درزية ثانية في الشوف يقودها الوزير السابق وئام وهاب الذي سطع نجمه مؤخرا في قصر المهاجرين، يوم زار “سوريا الأسد” ضمن وفد درزي رأسه النائب طلال أرسلان إنما كان فيه وهاب الألمع. وهو اليوم يعتبر نفسه رئيس “لائحة الجبل” التي أوصل في مقابلته التلفزيونة الأخيرة رسالة الى الناخبين مفادها أن الممانعة الدرزية المتمثلة به وبارسلان هي التي فرضت شروطها على “التيار الوطني الحر” في اللائحة لاسيما من حيث إختيار المرشحَين على المقعدين السنيين، وكأن لا مرجعية لاقليم الخروب لاختيار مرشحيه بنفسه. وهاب قال ما قاله بهدف إستفزاز وطنيي الإقليم الذي يحاول دخوله وبيده الفرمان السوري.

وعلى رأس كل الصعوبات التي تواجه “الشراكة والارادة” وكل اللوائح في لبنان، يأتي الواقع المتمثل بالارتطام الاقتصادي والمعيشي الذي سيدفع العديد من اللبنانيين الى اتخاذ قرار العزوف عن التصويت على الرغم من كون المعركة سياسية مرتبطة الى حد كبير بهوية لبنان ومستقبل كيانه.

زر الذهاب إلى الأعلى