خاص

بالأسماء والأرقام: هؤلاء نواب دائرة الشمال الثالثة

على الرغم من التعنيف الذي تمارسه الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة بحق اللبنانيين، وفي الوقت الذي يسعون فيه وراء تأمين كسرة خبز أو حبة دواء تبقيانهم أحياء في معركة صراع البقاء المستفحلة، هناك حسابات أخرى تقض مضاجع أهل السلطة تجعلهم يقاتلون ليس في سبيل ذلك الرغيف أو مسكِّن الألم، بل يحصون ويحسبون ويستطلعون أصوات هؤلاء وإن كانوا جوعى أو مرضى لا بأس، فالأهم أن يصوّتوا في انتخابات كثرت الاستطلاعات حولها، وأهم تلك المعارك تحط رحالها في دائرة تطويب الزعامة المارونية الرئاسية. فكيف ستتوزع المقاعد النيابية في دائرة الشمال الثالثة؟

تضمُّ الدائرة الانتخابية الثالثة في الشمال أربعة أقضية تتوزع فيها عشرة مقاعد مسيحية 7 للموارنة و3 للروم الأرثوذكس ويبلغ عدد الناخبين فيها 257964: زغرتا (3 مقاعد للموارنة 81959 ناخباً)، الكورة (3 مقاعد للأرثوذكس 62667 ناخباً)، البترون (مقعدان للموارنة 62444 ناخباً) وبشري (مقعدان للموارنة 50894 ناخباً). وتتنافس في هذه الدائرة سبع لوائح أبرزها، إضافة إلى الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، لائحة “شمالنا” التي تعتبر الأكثر تمثيلاً للمجموعات التغييرية و”ثوار 17 تشرين”، أما اللوائح الحزبية فتتوزع تبعاً للآتي: “وحدة الشمال” (تحالف تيار المردة)، “نبض الجمهورية القوية” (القوات اللبنانية)، “رح نبقى هون” (تحالف التيار الوطني الحر) و”شمال المواجهة” (تحالف ميشال معوض والكتائب اللبنانية ومجد بطرس حرب).

وفي دراسة أعدها الباحث والخبير في الشؤون الانتخابية الدكتور إيليا إيليا كنتيجة لاستطلاع الرأي الذي أجراه مركز الاحصاء والدراسات الاستراتيجية من خلال 4890 استمارة وزعت بين الأقضية الأربعة (الكورة 1200 استمارة)، البترون (1380 استمارة)، بشري (860 استمارة) وزغرتا (1450 استمارة)، تجدر الإشارة إلى أن من المتوقع ألا يسمّي 8796 أحداً ومردُّ ذلك ربما إلى الغضب الشعبي تجاه السلطة والقوى التغييرية على السواء إضافة إلى المتأثرين باعتكاف تيار “المستقبل” عن خوض الانتخابات النيابية، ليتبيَّن أن الحاصل الانتخابي الأول يبلغ 12857 في حال اقترع 128572 ناخباً ليعود وينخفض الحاصل إلى 12029 إثر خروج 8280 صوتاً من المنافسة الانتخابية.

أما في ما يتعلق بالنتائج المتوقعة لأبرز المرشحين على صعيد الدائرة الكبرى فتتوزع مئوياً بالترتيب الأفقي كلٌ حسب منطقته وفقاً للآتي: ستريدا جعجع 37.69، جبران باسيل 34.6، فادي كرم 33.88، جوزف إسحاق 33.49، غياث يزبك 32.93، طوني فرنجية 30.11، ميشال معوض 29.51، مجد حرب 22.25، ويليام طوق 20.00، سليم سعادة 17.31، فادي غصن 17.14، اسطفان الدويهي 13.23، بيار رفول 12.5، جورج عطا الله 10.7، مخايل الدويهي 9.52، وليد العازار 8.9 ووليد حرب 5.7. وبناءً عليه يبدو واضحاً أن القوى التغييرية والثورية ستكون خارج المنافسة الانتخابية نتيجة الأطماع التي ضربت كوادرها وتضارب المصالح بين مرشحيها وهو ما أدى إلى تشتت أصواتها بين ثلاث لوائح لتتقاسم الأحزاب التقليدية الحواصل الانتخابية العشرة وفقاً للتسلسل الآتي: “نبض الجمهورية القوية” 3.05، “وحدة الشمال” 2.49، “رح نبقى هون” 1.98 و”شمال المواجهة” 1.74، ما يشير إلى فوز اللائحة التي يتزعمها جبران باسيل بمقعدين وفقاً لحصولها على الكسر الأعلى.

ولا شك أن للصوت الاغترابي أثره الواضح في العملية الديموقراطية وهو ما تجلى في الجيوش التي زحفت نحو التسجيل للإقتراع، على الرغم من المعوقات اللوجيستية في كثير من السفارات اللبنانية حول العالم، ثم إن تصويت المغتربين لن يشكل كتلة موحدة تصب في خانة توجه سياسي أو تغييري معين، وبالتالي فإن التصويت الخارجي لن يغيّر كثيراً في الداخل الانتخابي.

وعليه فإنَّ النواب المتوقع فوزهم في هذه الدائرة هم: ستريدا جعجع، جوزف إسحاق وفادي كرم (القوات اللبنانية)، طوني فرنجية، سليم سعادة وفادي غصن (تيار المردة)، جبران باسيل وبيار رفول (التيار الوطني الحر) وميشال معوض ومجد حرب. وتجدر الإشارة إلى أنه من الممكن أن يتغير الإسم والموقع نتيجة جهد حثيث يبذله المرشحون والأحزاب في الأيام الأخيرة الفاصلة عن استحقاق 15 أيار ما يؤدي إلى زيادة النسبة المئوية للمرشح على اللائحة، إلا أن عدد الحواصل التي تنالها الأحزاب يبقى نفسه، على سبيل المثال في حال قرر تيار “المردة” توزيع أصواته بين مرشحيه في زغرتا يمكن أن يفوز إسطفان الدويهي عِوضَ فادي غصن أو سليم سعادة في الكورة. إلا أن حسابات الحقل الرئاسية ومعركة الموارنة الأوائل في المنطقة لا تتطابق وبيدر التحالف الانتخابي وحتى الزمالة السياسية والحزبية، وفي حال قررت “القوات اللبنانية” أن تؤمن فوز غياث يزبك في البترون مقابل فادي كرم يفقد مجد حرب مقعده ليذهب حاصله الى أحد زملائه في الكورة. وكان تيار “المردة” قد نال في انتخابات 2018 أربعة حواصل نتيجة تحالفه مع بطرس حرب الذي شكل رافعة كبيرة للائحة بحدود الـ 7000 صوت.

وفي حديثه لـ “لبنان الكبير” اعتبر الدكتور إيليا أنَّ “الخاسر الأكبر في هذه الدائرة هو الفريق الثوري أو القوى التي تسمّي نفسها بالتغييرية الجديدة التي مارست لعبة السلطة بل كان أداؤها أسوأ منها ولم تبذل جهداً حقيقياً لإعطاء صورة صحيحة للناس من أجل انتخابها”.

وعن توزع المقاعد بين اللوائح الفائزة، أضاف إيليا: “يمكن للمال السياسي أو حتى الخطاب السياسي أن يبدل في المواقع النيابية من دون أي تغيير في عدد الحواصل التي تنالها الأحزاب”.

أما في ما يتعلق بالمنافسة الانتخابية بين “المردة” و”الوطني الحر” فقال إيليا: “بإمكان تيار المردة أن يمنع التيار الوطني الحر من الدخول إلى زغرتا عبر توزيع الأصوات التفضيلية بين طوني فرنجية وإسطفان الدويهي ليخسر بذلك بيار رفول مقعده مقابل نيل لائحته مقعداً في الكورة”.

في الموازاة، هناك معركة أخرى تقودها الأحزاب التقليدية في الدائرة عنوانها كسب الصوت السني خاصة الذي ينتمي إلى تيار “المستقبل” أو يدور في فلكه في كل من زغرتا والكورة والبترون. فتيار “المردة” يراهن على الخلافات القائمة بين “المستقبل” و”القوات”، في حين أن “القوات” تراهن على الخيار السني الذي لا بد أنه سيبقى مؤيداً للخط السيادي الذي تمثله وهو الحال نفسه عند تحالف ميشال معوض. أما “التيار الوطني الحر” فلا يزال يعمل على خط العلاقات الشخصية التي كونها إبان تحالفه مع “المستقبل”. وبانتظار ورود كلمة سر حريرية ما تحدد وجهة الخيار التصويتي يبقى الحريريون منقسمين بين مقاطع ومنتظر وربما منتقم ممن أساؤوا سياسياً ودستورياً وحكومياً إلى زعيمهم سعد الحريري.

إذا كان الاستحقاق الانتخابي فرصة لإحداث التغيير الذي يتطلع إليه الشعب عادةً في سياق ديموقراطي دستوري، فإنَّ لهذا الاستحقاق في لبنان وجهٌ آخر يقود إلى تجديد شرعية السلطة المتجذرة في أعماق الدولة اللبنانية وقوى الأمر الواقع التقليدية ليتحول بذلك إلى استفتاء بـ “نعم” للفريق الحاكم من دون أي منازع، فهل يتحمل الشعب اللبناني وزر التجديد للوجوه نفسها أم إنها إحدى مساوئ الديموقراطية العددية التي لا تسمع صوت الفئة الصامتة مهما تكاثرت؟

زر الذهاب إلى الأعلى