خاص

بين “الثوار” والناس “انفخت الدف” فهل يتفرّق العشاق في الانتخابات؟

جاءت لوائح المعارضة مخيّبة لآمال الناس على عكس ما ادعته وما حملته من شعارات لاسيما التغيير، فقد وقعت في أزمة داخلية و”انفخت دف الثورة وتفرق العشاق” – كما يقول المثل – في لوائح عديدة ظهرت في كل لبنان، وأنتجت لوائح “توافقية” لم تحمل أي مشروع سياسي مقنع للناس لا سيما في تناول العناوين المطلبية الاقتصادية وطرق معالجة الهموم المعيشية والمرتبطة جميعها بعودة تسيير مؤسسات الدولة. فالمشكلة اليوم ليست مشكلة السلاح والفلتان الأمني وحسب، بل هي أيضاً مشكلة معالجة ترشيد النفقات والاتفاقات مع المؤسسات الدولية، لتقديم ما يمكن من مساعدات سريعة، فالبلد متحلل بسبب المؤسسات المتحللة.

تقول أوساط متابعة لـ “لبنان الكبير”: “لم تستطع المعارضة أن توحد صفوفها وتخيف السلطة وأحزاب المنظومة الحاكمة، وأن تشكل أزمة فعلية لحزب الله، الذي كان مرتاحاً يشكل لوائحه ويبت بأخرى ويوعز الى مجموعات ثورية تنفذ سياساته وتعيش في جلبابه وراض عن تنوعها وأدائها بتشكيل هنا أو تحالف هناك، وبالطبع هذا لا علاقة له بقناعات الحزب أي التنوع والديموقراطية والاختلاف الفكري أو التسليم بالمسار الديموقراطي، وانما تعكس عبودية هؤلاء لحزب ديني همه الوحيد شرذمة المعارضة وإبقاء هيمنته وتشتيت الأصوات لإنجاح مخططه في السيطرة على مجلس النواب بديموقراطية”.

وترى أن ما زاد الطين بلة، “هو أن الخلافات داخل المعارضة والثوار كانت الأنا متحكمة بها، فلم تتحد اللوائح في كثير من الدوائر وفرّخت لوائح ومرشحين باسم الثورة، حتى وجد من كانوا في الساحات فعلياً أنفسهم غرباء عنها، ووصلت الأمور الى حد التخوين الضمني من بعض المجموعات لمجموعات أخرى، واعتبار بعض المجموعات غير سيادية ولم ترفع خطابها في مواجهة حزب الله”.

وتعتبر الأوساط أن “تعدد اللوائح يعكس عدم قراءة سياسية صحيحة وسيطرة الغرور والأنانية الفردية وعدم التجمع في لائحة واحدة حتى تخاض المعركة في وجه الثنائي حزب الله – أمل لا سيما في الجنوب. حتى أن البعض تجمع في لائحة مع أزلام السلطة على قاعدة أن المشكلة هي مشكلة وطن والعنوان الرئيس يجب أن يكون إعادة بناء الدولة”.

أما عن تدخلات ايران وسوريا، فتشير الى “محاولات سورية لشن حملات ضد شخصيات بغية ازاحتها واعادة آخرين على ركبهم، وبذلك يترجم موقف واضح وهو أن حزب الله يمتلك المعارضة وبالتالي ستكون له الكلمة الفصل في مخاطبة المجتمع الدولي بعد نجاحه في الحصول على الأكثرية النيابية التي تمكنه من فرض رئيس الجمهورية المقبل ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب”.

وتلفت الأوساط الى أن “هناك معارضين نصّبوا أنفسهم قضاة لمحاكمة آخرين ووقفوا ضد ناشطين في الثورة وصاغوا تحالفاتهم وفقاً لشعاراتهم التي انقسمت ما بين السيادة وعودة الدولة، وما بين التعايش مع السلاح وتحميل المشكلة للاقتصاد. وبالتالي غاب التحالف التكتيكي الانتخابي، لأن السياسة تختلف عن العمل النقابي. ولهذا السبب شهدنا في المناطق لوائح مختلفة للمعارضة تحمل في طياتها التخوين للبعض والسماح لحزب الله بالحصول على الحواصل براحة تامة، وبالتالي زيادة مشاعر القرف عند الناس من هذه المعارضة”.

ولا يغيب عن بال هذه الأوساط “دور مجموعة شربل نحاس ونجاح واكيم ومجموعات عونية وأخرى في أحزاب يسارية، كالشيوعي والقومي والبعثي الذين يريدون الانقضاض على النظام المالي المصرفي، لأن مشكلتهم الأساسية مع المصارف ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبالتالي لا مشكلة مع سلاح حزب الله. كما خرجت مجموعة التحالفات من تحت الطاولة مع أحزاب أخرى مثل التقدمي والقوات وبعض المستقبليين السابقين”، مشيرة الى أن “القوات تريد ملاحق لها ولهذا لن تدعم لائحة المعارضة في الجنوب الثالثة لا بل قدمت أسماء مرشحين آخرين ملحقة بها وتريد من الأطراف الموجودة أن تتبعها، علماً أن خطاب هذه المجموعة وبرنامجها السياسي ضمناً موجه ضد حزب الله وفي الوقت الذي لم تقله القوات لا في المجلس النيابي ولا في مجلس الوزراء وهي من وافق على كل بنود المجالس الوزارية. وبالتالي فإن القوات تقاتل ضد حزب الله بأجنحة أو بأطراف ملتحقة بها”.

ولا تغفل عن الاشارة الى لوائح ضمت بعض الانتهازيين المعارضين، الذين ينتقدون السلطة ويوفرون “حزب الله” منها، معتبرين أن هذا الحزب غير فاسد، وليس مثل “أمل” أو “المستقبل” على حد ما يعبّرون عنه، وهذه المجموعات تميل الى “حزب الله” ومن هنا كان من الصعب تركيب اللوائح الموحدة، وحصول حرب ضروس بين المعارضات المختلفة.

وتراهن هذه الأوساط على لائحة المعارضة في الجنوب الثالثة وقدرتها “ليس على الفوز على لائحة الثنائي، فحتى لو خسرت هي تخوض معركة أصوات ولائحة وحيدة للمعارضة على الرغم من أنها جمعت تناقضات”.

وترى أن “الهدف من كثرة لوائح المعارضات هو تشتيت الأصوات وتقديم خدمة لأحزاب السلطة. في الجنوب مثلاً ستقدم خدمة للثنائي الشيعي وفي المتن ستقدم للعونيين، فالقوى الاعتراضية ليست قوة موحدة، بل هي معترضة على أشياء ومتحالفة مع نظام السلطة على أشياء أخرى. واذا نظرنا الى الأرقام فسنجد أن لوائح السلطة في كل المناطق تراوحت بين 42 و50 في 15 دائرة، في حين أن لوائح المعارضة كانت من 5 الى 7 في كل دائرة تقريباً وهو أمر غير طبيعي، بينما قدمت أنظمة السلطة لوائح موحدة لها في كل المناطق حتى في بيروت”.

وتضيف الأوساط: “المشكلة الأساسية في لوائح المعارضة أو في شخصيات المعارضة المتسلطة الموجودة داخل القوى والأحزاب هي أنها تظن أن باستطاعتها أن تعين وتسقط في الباراشوت مرشحين في كل المناطق وهذا يعني خربطة الأوضاع. هناك نماذج نرجسية مثل شربل نحاس الذي أعد حوالي نصف البرلمان ويعتبر أنه يمثل حزباً قد يصوّت له بالملايين ويخربط اللوائح كلها. هناك نرجسية بولا يعقوبيان التي تعتبر نفسها قيمة على اللائحة الأولى في بيروت في الوقت الذي شهدنا في انتخابات 2018 أنها جاءت على دواليب حزب سبعة وعدد الأصوات التي حصلت عليها لم يتجاوز الـ 2500”.

وتلفت الى قول “حزب الله” ان الانتخابات المقبلة ستشير الى مدى القدرة التمثيلية، “فهو يعلم حجم هذه المعارضات المنقسمة لا بل ساهم فيها بدعم شخصيات وعزل أخرى، لكنه لن يعطي هؤلاء حواصل، وسيظهر حجم هؤلاء المرشحين خلال التصويت ويتبين مدى عجزهم”.

من هنا تستنج الأوساط أن “المعارضة تعيش أزمة أخلاقية نتيجة غياب البرنامج وفقدان ثقة الناس بها، من خلال عدم قدرتها على التعامل معهم لادارة معركة مطلبية تحمل همومهم وليس حمل مواقف عدائية من آخرين أو محاكمتهم على وجهتهم السياسية، بدل خطاب الصراعات على وسائل التواصل الاجتماعي وهي خفة عقل من سمّوا بالثوار، وانعدام امكاناتهم لقيادة الشارع، عبر التوصل الى خطة مشتركة، وعدم التوصل الى اتفاق من أجل تحقيق ما يسمى التصويت الذكي، أي الاجتماع مع شخصيات قد تكون تقليدية لكنها أقل ضرراً من شخصيات في المنظومة الحاكمة. فصياغة التحالفات الانتخابية غابت عن المعارضات، التي اجتمعت على مدى ثلاث سنوات ولم تستطع أن تخرج برؤية توحيدية أو توافق على خطة أو برنامج عمل مما أفقدها ثقة الناس بها، علماً أن هناك شخصيات معارضة لها وزن هائل وقدرة على التاثير في الصراع منها من هو جيد ونظيف الكف وليس فاسداً، ولكن هناك الكثير من المعارضين يسعى الى الوصول والحصول على أموال عن طريق الارتباط بمؤسسات داعمة مثل (نحو الوطن) و(كلنا ارادة) اللتين سعتا بدورهما الى تقديم مساعدات من المغتربين لتخوض هذه المعارضات الانتخابات ومساعدتها في الوصول الى الندوة البرلمانية، لكن هذه المعارضات ضعيفة في الصوت وفي الأموال وفي الأخلاق”.

زر الذهاب إلى الأعلى