خاص

قانون الانتخاب أسير أطراف سياسية… وتغييره مهمة وطنية

لم ينجح اللبنانيون في تحقيق مطلب يعتبر “شعبيا” وهو اقرار قانون عصري وعادل للانتخابات النيابية، إذ ظلت خلافات أهل السلطة وقواها المعروفة قائمة ولم تنتج سوى قوانين هجينة وتعديلات من المجلس النيابي راعت خواطر قوى سياسية في الحكم ومصالحها ولم تكن بعيدة عن تفصيلات يقررها الخارج ويراعيها الداخل، حتى ينتج مجلسا شبه تابع ومقيدا لخدمة مشاريع تصب في صالح دول إقليمية وتجعل من لبنان مطية لسياساتها وبالقانون.

نقل قانون الانتخاب رقم 44/2017 لبنان من نظام أكثري إلى نظام نسبي، يسمح باعتماد الصوت التفضيلي وللمغتربين بالاقتراع. وأدخل القانون للمرة الأولى الاقتراع عبر بطاقة ممغنطة وانشاء “ميغاسنتر” للاقتراع في المدن الكبرى.

في حينه، قيل انّ القانون تضمّن إصلاحات مهمّة، لكنه حوى ما من شأنه تقويض النسبية، بسبب صغر حجم الدوائر الانتخابية وطريقة الإدلاء بالأصوات التفضيلية، ووضع سقف عال للإنفاق الانتخابي، كما أنّه لم يعين لجنة مستقلّة لإدارة العملية الانتخابية، وطارت الكوتا النسائية.

في 19 تشرين الأول 2021، عدل مجلس النواب هذا القانون، معلقا العمل باستحداث الدائرة 16 الانتخابية للمغتربين، وبإلزامية البطاقة الممغنطة للاقتراع.

وينتظر أن تجري الانتخابات بعد أقل من شهر وسط رهانات على تغيير ما تحققه ما يسمى ب “قوى 17 تشرين” لعل وعسى تأتي النتائج لتنقذ لبنان من جحيمه وان كانت المؤشرات لا توحي بذلك، بل ترسم صورة أكثر تشاؤما في بقاء الحال على ما هو عليه، ولذلك لا بد من الانتظار.

فماذا في سلبيات قانون الانتخاب الحالي وايجابياته؟ وهل يحقق عدالة في التمثيل ويعطي المرشحين فرصا متساوية؟

مالك: مقاعد أسيرة أطراف سياسية

يقول الخبير الدستوري سعيد مالك في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “من الثابت والأكيد أن ليس هناك قانون انتخاب مثالي لا تعتريه أي شائبة على الاطلاق، إنما هناك قانون يكون أقرب الى التمثيل الصحيح. والقانون 44/2017 هو القانون الأقرب الى التمثيل الصحيح، خلافا لما كان عليه الأمر مع القوانين السابقة”.

ويرى أن “من أهم ايجابيات هذا القانون أنه حقق التمثيل الصحيح فأعطى للمسيحيين حق التمثيل أو انتخاب القدر الأكبر من النواب المسيحيين وكذلك بالنسبة الى المسلمين”.

لكنه يشير الى سلبيات في هذا القانون، “أهمها مبدئيا أنه أبقى العديد من المقاعد أسيرة بعض الأطراف السياسية، من دون أن يحق لهذه الأطراف أو الشرائح أن يكون لها رأي بهذا المرشح. مثلا المقعد الماروني في طرابلس أو المقعد المسيحي الأرثوذكسي في دائرة الجنوب الثالثة، اضافة الى بعض المقاعد الأخرى التي باتت مبدئيا أسيرة أطراف سياسية معينة، وهذا يشكل سلبية أساسية لقانون الانتخاب”.

ويرى أن “هناك ضرورة لاعادة قراءة هذا القانون في مرحلة لاحقة، وحين يحين الظرف وتسمح الأوضاع بذلك، من أجل ادخال العديد من التعديلات عليه، لكي يصبح أكثر تمثيلا وأكثر اعتدالا وعدلا بالنسبة الى باقي أو كل المذاهب والطوائف”.

عبد الله: تغيير القانون مهمة وطنية

من جهته، يقول المرشح على لائحة “الشراكة والارادة” في دائرة الشوف – عاليه النائب بلال عبد الله لــ”لبنان الكبير”: “قد يكون تغيير قانون الانتخاب مهمة وطنية بامتياز ومن أهم القوانين الاصلاحية المطلوبة، فاليوم تطفو على السطح القوانين الاصلاحية الأخرى المرتبطة بالتعافي الاقتصادي أو الكهرباء وكل القطاعات التي تتطلب بالتأكيد ورشة تغييرية تتلاءم مع أوضاعنا الجديدة والتي انهارت بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى”.

ويأسف لأن “مقاربة قانون الانتخاب كانت دونها عقبات كبيرة خاصة الاصطفاف العمودي الذي كان يحصل في الهيئة العامة لمجلس النواب، مع كل محاولة لفتح النقاش حوله. ولقد مرت أربع سنوات وقمنا بأكثر من محاولة في هذا الموضوع الا أن الانقسام العمودي الطائفي كان قاتلا وفاضحا ان صح التعبير، لأن هناك طرفا يعتبر أن هذا القانون أعاد له صحة التمثيل، بينما الطرف الاخر ونحن منه يعتبر أن هذا القانون قد أعادنا عشرات السنين الى الوراء، بدل الذهاب باتجاه دولة المواطنة والدولة المدنية. ونحن كحزب اشتراكي نطمح الى الدولة العلمانية، وللأسف عدنا الى الوراء والى المعايير الطائفية المذهبية المناطقية، وهذا كما أعتقد كان انتحارا وطنيا وانتصارا طائفيا ربما لفريق من اللبنانيين”.

ويوضح أنه يقول ذلك نسبة الى “قياس نبرة الخطابات الطائفية والمذهبية بعد هذا القانون. وربطا بما سبق يتضح أن منسوب الخطاب الطائفي ارتفع أضعافا وخاصة أمام كل استحقاق انتخابي أو سياسي أو تشكيل حكومة أو محاصصة توظيفات أو الى اخره… وهذا انسحب حتى على نقاشات أمور جوهرية وطنية، ربما الجامعة اللبنانية الوطنية، والعديد من المسائل التنظيمية الادارية، كالمركزية الادارية أو قانون البلديات وقوانين أخرى، وعندها نلحظ هذا الهاجس الطائفي. فعندما ناقشنا الكوتا النسائية وخفض سن الاقتراع الى 18 سنة وغيرها من الأمور، رأينا أن اصطفافا طائفيا خطيرا ناتج عن الامعان في طرح شعارات وهواجس انتخابية مرتبطة بهذا القانون، كانت ترافق وتعرقل اقرار أي قانون اصلاحي جدا”.

ويعرب عن إعتقاده أنه “إذا كانت هناك من ايجابية لهذا القانون فقد تكون بالنسبة الى شريحة من اللبنانيين، هي صحة التمثيل ولكن غير ذلك لا وجود لأي ايجابية أخرى، فهو يمنع التصويت الوطني، وللأسف كل طائفة وكل مذهب وكل منطقة وأحيانا كل بلدة تنتخب مرشحها. فأين الانتماء الوطني؟ وأين التعاطف مع أي مرشح ربما يكون من مذهب آخر وفي موقع آخر ومن منطقة أخرى؟ هذا القانون ممانع للأسف لكل ما ننشده من انصهار وتوحد بإتجاه تغليب مصلحة الوطن في الوقت الذي لا تزال تطفو فيه مصالح الطوائف والمذاهب”.

وردا على ايجابية إعتماده النسبية، يرد عبد الله: “ربما النسبية الموجودة في القانون نسبية منطقية والقانون دائما يجب أن يصحح التمثيل وينصف الأقليات البسيطة أمام الأكتريات الطفيفة، فيعطي تمثيلا صحيحا لكل الشرائح المنضوية في العملية الانتخابية، لكن هذه النسبية في لبنان مشوهة لأنها مرتبطة أيضا بالدوائر التي لها طابع سياسي أو طائفي أو مذهبي وربما الثلاثة معا. لذلك أعتقد أننا أمام تراجع في منسوب الحس الوطني والخطاب الوطني والقوانين التشريعية الوطنية، التي يمكن أن تذهب بنا الى التقدم، في الوقت الذي سيبقى فيه هذا القانون يشدنا الى الوراء حتى في أداء السلطة التنفيذية وليس في التشريع وحسب، في قرارات الحكومة، في التمثيل بالحكومة، في التعيينات، في المشاريع، وأكبر دليل ما سمعناه عن أكبر مأزق في لبنان، مأزق الكهرباء! كيف تحول الى معمل كهرباء للسنة ومعمل آخر للشيعة وهناك مطالبة ليكون هناك معمل كهرباء للموارنة والمسيحيين”.

الحجار: يرسخ التعصب ومجحف للمرشحين

اما المرشح محمد سامي الحجار على لائحة “صوتك ثورة”، فيرى أن “قانون الانتخاب الحالي اذا ما قورن بالقانون السابق فهو بالطبع أفضل، على اعتبار أنه يعتمد النسبية، وبالتالي فهو أكثر عدالة لناحية تمثيل المواطنين مقارنة بالقانون الأكثري”.

ويقول: “لقد شكل القانون خطوة جيدة في التحول نحو النسبية وسقوط الأكثرية التي كانت قائمة، كذلك سمح للبنانيي الاغتراب ولأول مرة باختيار ممثليهم في البرلمان، لكن هذا القانون لا يلبي طموحاتنا، فنحن لا نرى بديلا عن تطبيق الدستور واقرار قانون نسبي خارج القيد الطائفي يعتمد فيه لبنان دائرة انتخابية واحدة وتأسيس مجلس شيوخ يمثل الطوائف”.

ويضيف: “شئنا أم أبينا، فإن القانون الحالي يرسخ التعصب الطائفي والمذهبي، ان من ناحية تقسيم الدوائر الذي تم وفقا لمعايير طائفية بامتياز أو لناحية اعتماد الصوت التفضيلي والذي هدف الى قياس ثقل المرشح لدى طائفته. كذلك لا يمكن انكار أن تقسيم الدوائر جاء ليصب في مصلحة القوى النافذة آنذاك والتي عملت على اقرار قانون يضمن عودتها الى البرلمان، فضلا عن أنه لم يحدد كوتا نسائية أو يخفض سن الاقتراع الى ١٨ عاما”.

هذا على صعيد صحة التمثيل، اما في ما خص المرشحين فيعتبر الحجار أنه “قانون مجحف ونعود هنا الى كيفية تقسيم الدوائر وعدد الناخبين فيها، اذ نرى أن مرشحا قد يحصل على ٥٠٠٠ صوت مثلا ويحجز مقعده في البرلمان بينما يحصل غيره في دائرة أخرى على ١٠٠٠٠ صوت ولا يستطيع أن يدخل البرلمان. والخلاص هنا لا يكون سوى بتطبيق الدستور واقرار قانون نسبي خارج القيد الطائفي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة”.

زر الذهاب إلى الأعلى