خاص

لا شيء في “بيروت الثانية” يطغى على قرار الحريري

أيام قليلة تفصل لبنان عن الصمت الانتخابي ليدخل بعدها رسمياً في صلب الاستحقاق الدستوري بشقيه الاغترابي والمحلي، إذ من المتوقع أن يشهد هذا الأسبوع المزيد من الخطابات السياسية والطائفية المتشنجة من أجل شد عصب الناخبين الذين سيقترعون بمعظمهم لأحزابهم التقليدية مع إحراز بعض الخروق لقوى التغيير في بعض الدوائر الانتخابية.

أجواء انتخابات هذا العام لا تختلف عن انتخابات العام 2018، فالمال الانتخابي لا يزال سيد الموقف و”الفريش دولار” يسيطر على الساحة الانتخابية لجذب الأصوات. أما عن التحالفات السياسية، فلم يطرأ عليها أي مفاجآت خصوصاً بعد أن طغت المصالح السياسية على المصالح الوطنية. وحده قرار الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي المتمثل في مقاطعة الانتخابات وعدم خوضها ترشيحاً أو اقتراعاً، كسر الروتين الانتخابي وأضفى عليه حالة من الهيستيريا التحليلية الموالية والمعارضة، فقيل عنه الكثير وحُمّل أوزاراً لأهداف تنبثق بالدرجة الأولى من استكمال استهداف شخصه وتياره ونهجه السياسي، في حين حمّله بعض الأقطاب السياسيين مسؤولية ما ستؤول إليه هذه المقاطعة من سيطرة الدويلة على الدولة، معتبراً قراره خياراً ليس في محلّه.

معارضو موقف الحريري من المقاطعة الانتخابية، يُرجعون ذلك إلى خطورة المرحلة حالياً وما لها من انعكاسات سلبية على الساحة السياسية مستقبلياً، خصوصاً وأن عدم مشاركة الناخبين السنة لا سيما في دائرة بيروت الثانية سيخفض الحاصل الانتخابي وسيمنح الفرصة لـ”حزب الله” وحلفائه  للحصول أقله على نائبين إضافيين سيكونان من الطائفة السنية في حال أصرّ جمهور تيار “المستقبل” على عدم الإدلاء بأصواته. كذلك الأمر في الدوائر الانتخابية الأخرى التي يتواجد فيها مناصرو الحريري، ما سيُمكن محور الممانعة من تشديد قبضته على الحياة والقرارات السيادية والمصيرية. ومن هنا يأتي إصرار هذه القوى المعارضة على خوض الانتخابات وعدم ترك الساحة فارغة أمام من يريد فرض هيمنته على الطائفة السنية خوفاً من زجها في خيارات سياسية لا تريدها في المرحلة المقبلة أو حتى استبعادها من الحياة السياسية لسنوات طويلة كما حصل مع المسيحيين مطلع التسعينيات، آملة أن تُلاقي دعواتها إلى حثّ الطائفة السنية على المشاركة في هذا الاستحقاق التاريخي صدى، وأن يكون لها الكلمة الفصل في اختيار من يمثلها بأصواتها حصراً.

من جهتها، اعتبرت أوساط تيار “المستقبل” أن “الدعوات التي لا يهدأ ضجيجها الى ضرورة الاقتراع وعدم المقاطعة ما هي إلا اعتراف صريح بشعبية هذا الرجل على الساحة السنية، وإلا فلماذا هذا الإصرار المميت على ضرورة خوض الاستحقاق الذي لن يغيّر شئياً من المشهد السياسي الحالي؟ علماً أن الحريري لم يدع الطائفة السنية بأكملها إلى المقاطعة بل كان واضحاً في حصرها بتياره السياسي والمنتسبين إليه فقط، مع ترك الجمهور والمناصرين على حريتهم في تحديد خيارهم، أو أن هناك من يستخدم قرار الحريري لدعم حملاته الانتخابية لأنه يجد فيه ورقة رابحة تُغنيه عن صرف الدولارات عبثاً وهدراً”. وأشارت إلى أن “مشكلة خصوم الحريري من الطائفة وخارجها ليست مشكلة مستحدثة تعود إلى قراره مقاطعة الانتخابات، بل هي مشكلة وراثة سياسية يسعى الكثيرون إلى الحصول عليها”.

وعمّا إذا كان الانقلاب على الطائفة السنية صنعه قرار الحريري، تساءلت أوساط “المستقبل”: “ماذا عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ وماذا عن 7  أيار واتفاق الدوحة؟ وماذا عن دس السم في علاقاته مع بعض الدول العربية؟ وماذا عن دفعه إلى الاستقالات الواحدة تلو الأخرى؟”، مستغربة إتهامه بإعطاء المحور الايراني مقاعد إضافية في المجلس النيابي المقبل.

أضافت: “أيعقل أن محوراً كهذا ينتظر قرار الحريري للحصول على 6 أو 7 أو 8 نواب من أجل توسيع نفوذه وهو المتمدد في لبنان منذ سنوات بتغطية محلية ودولية لو أرادت له الخروج والانهزام لفعلت في أكثر من موقف؟”. أما عن الاتهام بتسليم البلد، فأكّدت هذه الأوساط أن “من أراد للرئيس الحريري أن يكون خارج الحكم وعمل جاهداً من أجل تحقيق ذلك لا يُمكن له اليوم انتقاد موقفه وهو الزعيم السني الأكثر حرصاً على وطنه وطائفته بحيث نجح مراراً وتكراراً في عدم جعلها أداة لتنفيذ أجندة خارجية”، مشدّدة على أن “إنكفاء سعد الحريري المؤقت اليوم لا يعني مطلقاً إلغاءه من الساحة السياسية، ومن حارب من أجل إقصائه لا يمكن أن يرثه أو أن يكون بديلاً عنه، فالطاعن من الخلف لا يمكن أن يكون وريثاً شرعياً”.

اليوم، ينتظر الرئيس الحريري مع جمهوره نتائج هذه الانتخابات التي تأتي في ظروف محلية وعربية ودولية استثنائية من أجل تأكيد صوابية قراره، لاسيما مع إعادة انتخاب الأحزاب التقليدية ودخولها مجدداً مجلس النواب من الباب العريض، ليكون الحريري بذلك قد فعل حسناً برفضه إعطاء المزيد من الشرعية لمن يهيمن ويسيطر على مصير لبنان وسيادته منذ نحو عقدين، بانتظار تنفيذ وعود من زايد وتحامل عليه وسيُكتشف لاحقاً أنها كانت مجرّد شعارات انتخابية لن يُسمح بتحقيقها، ختمت أوساط “المستقبل”.

زر الذهاب إلى الأعلى