خاص

انتخابات المغتربين… هل رسمت طريق التغيير؟

لا شك أن كثيراً من القوى السياسية الاعتراضية والتغييرية، يربط مدى التقدم في تحقيق نجاحات انتخابية مأمولة بتأثيرات إقتراع المغتربين اللبنانيين، الذين كان عليهم في الإجمال مهمة ترجمة نقمة الشعب اللبناني على المنظومة السياسية الحاكمة في صناديق الاقتراع المخبأة في مصرف لبنان والتي قد تحمل مفاجآت، لا سيما أن مجموعات الثورة والتغيير لم تستطع، بسبب قلة امكاناتها المادية، نشر مندوبين عنها في 58 دولة جرت فيها عمليات اقتراع المغتربين، بينما كانت الأحزاب التقليدية تمتلك ماكينات انتخابية قوية مثل “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”التيار الوطني الحر” وكذلك “حزب الله” وحركة “أمل” على الرغم من غيابهما في بعض الدول العربية. واللافت أن في بعض البلدان كانت هناك ماكينة منظمة ومقتدرة مالياً تابعة لـ “جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية”. بينما وضحت صورة المقاطعة السنية من خلال انخفاض نسبة المقترعين السنة في دول خليجية عدة وغيرها.

فالرهان على كتلة برلمانية وازنة لقوى “كلن يعني كلن” مدعومة من منظمات إغترابية تبنت “ثورة 17 تشرين” لا يمكن أن ينجح بأصوات الخارج فقط وإنما في الداخل أيضاً، ولا تبشر اللوائح المتعددة في الدائرة الواحدة بقدرات فعلية على إنجاز خروق مهمة تغيّر صورة البرلمان، علماً أن أحزاب السلطة تمتلك قدرات على التجييش حزبياً وطائفياً وتحت عناوين وشعارات مسمومة وتهويل قد يصل حد التهديد، من أجل الحفاظ على مقاعد برلمانية حتى لنواب متهمين بالفساد، متجاوزين رغبة الناس في التغيير ومعاقبة من كان وراء الانهيار وتفريخ الأزمات وإسقاط الدولة في حضن الولي الفقيه.

الا أن هذه الصورة لم تخف حماسة المغتربين للتصويت لصالح التغييريين والمستقلين والمجتمع المدني، سواء كانوا في دول عربية لا سيما الخليجية منها أو في أوروبا وأستراليا والقارة الأميركية وأفريقيا، ولكن نسب الاقتراع لا توحي بترجيح تقدم مؤثر لصالح لوائح “قوى التغيير”، انما بحدوث خروق قليلة تخلخل التوازن القائم.

إذاً، إنتهت إنتخابات المغتربين وستبقى صناديق الاقتراع التي تصل تباعاً الى مصرف لبنان تحت أعين كاميرات المراقبة، حتى لا يتم التلاعب بها. ويقول مؤسس حركة “مواطنوان لبنانيون حول العالم” ليان سركيس لــ “لبنان الكبير”: “نحن قمنا بما علينا في الخارج، والكرة في ملعب الداخل اللبناني، وقد أدينا واجبنا الوطني بطريقة ممتازة، وكنا نعمل لذلك منذ سنتين حتى اليوم بشكل متواصل من أجل الوصول الى يوم الانتخاب لنحدث التغيير. ويمكننا القول ان عملية الانتخاب تمت والايجابيات كانت أكثر من السلبيات، أي أن النتائج مشجعة. نحن نجحنا في إنجاز هذه المرحلة، وبعد الآن يجب أن ترتفع وتيرة تحركات مجموعات الثورة في الداخل من أجل الدفع نحو ايصال وجوه جديدة موثوقة قادرة على إحداث فرق بين نواب السلطة ونواب يعملون من قلب البرلمان على تغيير المنظومة الحاكمة وتغيير القوانين، بهدف الوصول الى دولة مدنية عادلة ومستقلة كما نحلم بها”.

وعن تعددية لوائح المعارضة وقوى التغيير والثورة والبلبلة التي أحدثتها في صفوف الناخبين مغتربين ومقيمين، يؤكد سركيس “اننا أجبرنا على إتخاذ قرارات قد تكون موجعة لبعض اللوائح ومؤثرة للبعض الآخر. فقد وحدنا اللوائح بعد توجيه إنذار الى لوائح عدة رأينا أنها لا يمكن أن تحقق نجاحات مرجوة ودعمنا لوائح قادرة على خوض معركة تنافسية حقيقية، ونجحنا في ذلك، وأخذنا على عاتقنا تداعيات مثل هذه القرارات في بيروت وغيرها وقد صبّت في الهدف الذي نريده، وهي مبادرة منا إنما لاقت رواجاً لدى معظم القوى الاغترابية تقريباً”.

ولا يخفي سركيس “وجود ناخبين في مراكز الاقتراع في الاغتراب كانوا يعيشون حالة ضياع بالنسبة الى اللوائح، واحتاروا من ينتخبون وأي لائحة يختارون من مرشحي الثورة، لا سيما في الدوائر التي تتنافس فيها لوائح عدة للمعارضة. هناك أحياناً 3 أو 4 أو حتى 5 لوائح في دائرة واحدة، ولكننا وحدنا اللوائح ووجهنا إنذاراً الى البقية وكانت هناك استجابة سهلة. المهم أن رسالتنا وصلت وكانت واضحة ومنظمة”.

ويصف سلوك الأحزاب التقليدية خلال عمليات الاقتراع بأنها “دلت على فشلها الذريع، وكانت تصرفات مندوبيها شاهدة على ذلك، من خلال الاقتراب من الناخبين والطلب منهم التصويت لهم والطريقة التي اعتمدوها في جلب أتباعهم”، معتبراً أن “هذا دليل على بداية النهاية لهذا النظام الرديء. صحيح أنه لن ينتهي كلياً ولكن تحقيق نجاح جزئي عبر الاختراق في الانتخابات النيابية ستتبعه حتماً اختراقات أخرى وعقارب الساعة لن تعود الى الوراء، ولنا كل الثقة بأن الشعب اللبناني قادر على الاختيار، فمعظم المغتربين في الخارج صوّت بأكثرية ساحقة للتغيير. ونحن ننتظر الانتخابات يوم الأحد المقبل في لبنان وسنراقب عن كثب عملية فرز الأصوات ونقل الصناديق وكيفية أداء السلطة، ونأمل أن تكون هزة الانتخابات بداية نهاية السلطة الفاشلة الفاسدة التي دمرت البلد”.

من جهته، يقول الناشط السياسي المعارض أحمد عليق، مندوب لائحة “معاً للتغيير” في دائرة الجنوب الثالثة، والذي اقترع في اسطنبول، عن أجواء الاقتراع: “ان نسبة المقترعين حسب احصاءات دقيقة وصلت الى 58% وهي نسبة كان يمكن أن تكون أعلى من ذلك الا أن كثيراً من اللبنانيين موزعون في مناطق متفرقة وبعيدة ومكلفة بالنسبة الى البعض الذي عليه الحضور الى اسطنبول من أجل ممارسة واجبه”. ويوضح أن “عدد المسجلين 999 ناخباً اما عدد المقترعين فعو 589”.

وبحسب متابعته، يشير الى أن “ثلثي عدد المقترعين العام على الأقل ذهب لبيروت الثانية ومدينة طرابلس والثلث لباقي الدوائر. ونصف العدد ذهب للوائح التغيير والنصف الآخر للائحتي الأحباش في بيروت الثانية، وفيصل كرامي في مدينة طرابلس، أي لفريق الممانعة الذي كانت لديه ماكينة انتخابية منظمة وذات إمكانات مالية كبيرة وتغطية إعلامية مباشرة من قناة المنار، وحتى من خلال تأمين نقل مقترعيه من مناطق تركيا النائية وتأمين المأكل والمشرب وأدوات التواصل والمتابعة”.

والجدير بالذكر أن مركز الاقتراع في أنقرة ألغي لأن عدد المسجلين من المغتربين كان ثمانين شخصاً فقط، في حين أن العدد المطلوب على الأقل 200 شخص، وهو عدد لا يخوّل وزارة الخارجية فتح مركز بحسب سفير لبنان في تركيا غسان المعلم.

ويوضح عليق أن “لوائح التغيير لم يكن لديها مندوبون على الصناديق اضافة الى مندوبة عن لائحة (توحدنا للتغيير) في دائرة الشوف – عاليه، وعندما وصلنا فوجئنا بالعدد الكثيف للأشخاص على مدخل مدرسة قرب السفارة اتخذت مركزاً للاقتراع، وتواجد مندوبين عن لوائح حزب الله وحلفائه من الممانعة ومن جمعية المشاريع، وكانت هناك باصات صغيرة الحجم تنقل ناخبين من مناطق مختلفة بعيدة في تركيا وبعضهم وصل من المطار مباشرة الى مركز الاقتراع مما يدل على امكانات كبيرة”.

ومع ذلك، يشير الى أن “الأصوات في صناديق عدة صبّت في صالح لوائح التغيير بشكل واضح ويمكن القول إن هناك 80% صوّتوا لصالح هذه اللوائح في بعض الصناديق”. لكنه ينتقد في الوقت نفسه “عدم حضور بعض الشخصيات اللبنانية المعروفة في تركيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنها مؤيدة للثورة، كي تدلي بصوتها”، لافتاً الى عدم حضور مؤيدي تيار “المستقبل” التزاماً بقرار المقاطعة.

ويؤكد أن “لوائح التغيير لم يكن لديها مندوبون على كل الصناديق بسبب انعدام الامكانات المالية، وكان الاتكال على المتطوعين وهو أمر صعب لأن لوائح السلطة في المقابل لديها امكانات كبيرة مالية ولوجيستية”. ويشدد على أن “الانتخابات كانت منظمة وديموقراطية للغاية ولا تشوبها شائبة على الرغم من كل الملاحظات”.

زر الذهاب إلى الأعلى