رحيل الأسطورة البرازيلية بيليه

لبنان الكبير

توفي البرازيلي بيليه، أسطورة كرة القدم العالمية والمهاجم العبقري الذي أحدث ثورة في عالم المستديرة، الخميس عن 82 عاماً في ساو باولو (جنوب-شرق)، بحسب ما أعلنت عائلته والمستشفى حيث كان يرقد منذ قرابة الشهر لعلاج سرطان القولون.

وبحسب التقرير الطبي “أكّد مستشفى ألبرت أينشتاين وفاة إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، بيليه، في 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، الساعة 15 و27 دقيقة بسبب فشل أعضاء متعدّدة نتيجة تطوّر مرض السرطان”.

وكتبت ابنة “الملك” كيلي ناسيمنتو على انستغرام من المستشفى “نشكرك. نحبّك بلا حدود. أرقد بسلام”.

اختير بيليه، اللاعب الوحيد المتوّج بكأس العالم ثلاث مرات (1958 و1962 و1970) أفضل رياضي في القرن الماضي من قبل اللجنة الأولمبية الدولية عام 1999، وبعدها بعام كأفضل لاعب في القرن عينه من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

تُشكّل وفاته صدمته لعشاق كرة القدم حول العالم، بعد أيام من انتهاء مونديال قطر 2022، حيث ودعت البرازيل من ربع النهائي أمام كرواتيا بركلات الترجيح.

“أجلبوا الكأس إلى البيت!”، هكذا نشر الحساب الرسمي لبيليه على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم المباراة الأولى للبرازيل أمام صربيا (2-0). وطوال البطولة، نشر رسائل تحفيزية لمنتخب البرازيل ثم هنأ الأرجنتيني ليونيل ميسي على اللقب “المستحق” ضد فرنسا. خسر بيليه معركته الأخيرة مع سرطان القولون المُكتشف في أيلول/سبتمبر 2021 خلال فحوص روتينية.

 

– “معنا إلى الأبد” –

وسارع عالم المستديرة للاشادة بالنجم الراحل، فكتب الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) “بيليه خالد – معنا إلى الأبد”.

بيليه “جعل كرة القدم فنًا”، كتب على إنستغرام نيمار وريثه في المنتخب البرازيلي. اضاف “قبل بيليه، كانت كرة القدم مجرد رياضة. لقد غيّر بيليه كل شيء، وجعل كرة القدم فنًا (…)، ومنح صوتاً للفقراء ولأصحاب البشرة السوداء وفوق كل شيء: أعطى رؤية للبرازيل”.

وبدوره كتب بطل العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي على تويتر “ارقد بسلام”، في اشارة إلى رحيل بيليه.

من ناحيته، أشاد زميل نيمار وميسي في سان جرمان مهاجم المنتخب الفرنسي كيليان مبابي بأسطورة كرة القدم مؤكداً أن “إرثه لن ينسى أبدا”.

 

– الأعظم –

يعتبره كثر أعظم لاعب كرة قدم في كل العصور، ويُعدّ هذا المراوغ الفتاك الذي ساهم بولادة “كرة السامبا” بمثابة “كنز وطني” في البرازيل.

هزّ الشباك بغزارة غير مسبوقة: 1281 هدفاً في 1363 مباراة تحت ألوان نادي سانتوس (1956-1974)، المنتخب الوطني “سيليساو” ونيويورك كوزموس الأميركي (1975-1977).

لكن بعيداً عن الأرقام، تبقى ذكرى بيليه خالدة كـ”ملك” أحدث ثورة في رياضته. خلّد بيليه الرقم 10، لكن عن طريق الخطأ. نسيت البرازيل ارسال أرقام لاعبيها إلى الاتحاد الدولي (فيفا)، فتمّ اختيارها بطريقة عشوائية. شاءت الصدف أن ينال بيليه الرقم 10 الذي التصق بتاريخ اللعبة.

كان بيليه رائداً في كرة القدم الحديثة، بتقنية استثنائية مقترنة بقدرات رياضية لا مثيل لها برغم قامته المتواضعة (1.72 م).

برغم “جلالته”، كان بيليه عاطفياً، كما يتضح من مشاهد لا تنسى بالأسود والأبيض ليافع بعمر السابعة عشرة أحرز أوّل ألقابه العالمية عام 1958 في السويد.

وفى بوعد قطعه لوالده، بعد ثماني سنوات من رؤيته يبكي أثناء الاستماع على جهاز الراديو إلى خسارة “ماراكانازو” الشهيرة أمام الأوروغواي التي حرمت البرازيل من أوّل ألقابها العالمية عام 1950 على أرضها.

عام 1970، وخلال أوّل بث مباشر لكأس العالم بالألوان، احتفل بيليه بابتسامة مشرقة في ذروة مسيرته، باللقب العالمي الثالث، عندما كان في تشكيلة ذهبية تُعدّ الأكثر موهبة في التاريخ لضمّها أمثال ريفيلينو، توستاو وجايرزينيو.

 

– كلية واحدة وثلاثة قلوب –

متأثراً بآلام قوية في وركه، ظهر بيليه على كرسي متحرّك في كانون الأوّل/ديسمبر 2017، خلال سحب قرعة مونديال 2018، محاطاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وباقي أساطير الكرة، على غرار الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي توفي في نهاية 2020. تأثر كثيراً بعد رحيل “الولد الذهبي”، صديقه وغريمه “خسر العالم أسطورة. في يوم من الأيام آمل أن نلعب كرة القدم سوياً في السماء”.

التقط عالم الكرة أنفاسه في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، عندما أدخل بيليه العناية الفائقة إثر أزمة خطيرة في المسالك البولية استدعت وضعه في غسيل الكلى.

عانى أزمة ثانية في نيسان/أبريل 2019 في فرنسا، بمناسبة زيارته باريس لملاقاة المهاجم الشاب كيليان مبابي، كجزء من عملية ترويجية نظّمها راع مشترك.

في أيلول/سبتمبر 2021، إنذار جديد: خضع في ساو باولو لجراحة لإزالة ورم “مشبوه” في القولون، تم اكتشافه خلال فحوص روتينية للقلب والأوعية الدموية وتسبب بشكل رئيس بوفاته.

كتب انذاك على انستغرام “أصدقائي، مع مرور كل يوم أشعر بتحسّن قليل. أتطلع إلى اللعب مجددا، لكني ما زلت أتعافى لبضعة أيام أخرى”.

ولدى بيليه كلية واحدة فقط منذ كان لاعباً. تسبّب كسر أحد الضلوع أثناء احدى المباريات بضرر في كليته اليمنى والتي تمت إزالتها في النهاية.

امتلك كلية واحدة لكن “ثلاثة قلوب” بحسب ما قال ممازحاً، في تلميح إلى مسقط رأسه تريس كوراسويس في ولاية ميناس جيرايس (جنوب-شرق).

 

– طفولة فقيرة –

وُلد إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1940 في عائلة فقيرة، فاضطر لبيع الفول السوداني في الشارع لمساعدة والديه. تم اختيار اسمه الأول تكريماً لتوماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي.

وقّع أول عقد احترافي بعمر الخامسة عشرة، مع سانتوس الذي أحرز معه انجازاً تلو الآخر، فرفع لقب كأس الانتركونتيننتال مرتين توالياً ضد بنفيكا البرتغالي (1962) وميلان الإيطالي (1963).

في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1969، ولدى تسجيله الهدف الرقم ألف في مسيرته على ملعب ماراكانا التاريخي في ريو دي جانيرو، توقفت المباراة لنحو ثلث ساعة لغاية انتهاء لفة تكريمية عملاقة.

 

– وزير وغناء –

خلال جولات المباريات الودية مع سانتوس أو منتخب بلاده، كان يلقى معاملة رؤساء الدول. يُروى انه لدى وصوله عام 1969 إلى نيجيريا، حصلت هدنة لمدة 48 ساعة وسط حرب بيافرا الأهلية الرهيبة.

لم يرضخ بيليه أبداً لعروض الأندية الأوروبية الكبرى، لكنه سمح لنفسه بنهاية مسيرة مترفة مع نيويورك كوزموس، مساهماً بنمو عابر لكرة القدم في الولايات المتحدة حيث اعتزل اللعبة عام 1977.

استمرت شهرته خارج الملاعب، مع أدوار في السينما، تسجيل أغان وحتى وصوله إلى الحكومة حيث لعب دور وزير الرياضة (1995-1998)، ليصبح أول رجل أسود يصل إلى هذا المنصب في البرازيل.

وخلافا للمتمرّد الدائم مارادونا، لطالما اعتبر بيليه في البرازيل قريباً من النظام، بما في ذلك الديكتاتورية العسكرية (1964-1985).

بيليه، المعتبر أحياناً متغطرساً ومغروراً وصاحب التصريحات الجدلية، لم يكن معشوق الجماهير في بلده، خلافاً لأبطال لقوا مصيراً مأسوياً مثل لاعب كرة القدم غارينشا وبطل العالم في سباقات الفورمولا واحد أيرتون سينا.

شارك المقال