“حزب الله” يتعنّت “قرداحياً”… وميقاتي يطبخ مخرجاً

لبنان الكبير

لم يكن ينقص فصول العاصفة الديبلوماسية العاتية إلى حدّ الافتراق بين لبنان ومحيطه العربيّ – الخليجيّ، سوى “لا” إضافية بدا كأنها تأكيد على “جواب نهائيّ” من وزير الإعلام جورج قرداحي برفض خيار الاستقالة الذي تعوّل عليه دوائر رئاسة الحكومة لبداية رسم طريق الحلّ مع دول الخليج. فبتثبيت الإجابة مرّة جديدة، ردّ قرداحي على الدعوة المكرّرة له من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بضرورة “تحكيم ضميره وتقدير الظروف واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وتغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية”، لافتاً إلى أنه “لن يستقيل، وموقفه لم يتغيّر”.

ويحلّ تعنّت وزير الإعلام في مرحلة دقيقة شكّلت مدار بحث ومشاورات مكثّفة عقدها ميقاتي خلال لقاءاته أمس، بدءاً من بعبدا حيث تباحث مع رئيس جمهورية ميشال عون في الخيارات الممكنة على صعيد معالجة الأزمة. وأفادت معلومات “لبنان الكبير” بأنّ ميقاتي وضع عون في إطار مساعيه لفرملة حجم المشكلة المتفاقمة، فيما وصلت أجواء إلى دوائر القرار الرسمي في لبنان تنذر بإمكان اتخاذ إجراءات تشمل قطاع الطيران. وتوافق عون وميقاتي على ضرورة القيام بخطوات سريعة تقوم على التوصّل إلى استقالة قرداحي أو إقالته في حال لم يتحقق خيار الاستقالة التلقائية، وذلك من خلال العمل على تأمين مناخ سياسي يضمن تنفيذ هذه الخطوة حكوميّاً.

وأكد ميقاتي خلال رعايته حفل إطلاق وزارة السياحة “الرزمة السياحية الشتوية 2021-2022” في السرايا الحكومية، “العزم على معالجة ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الشقيقة وفق القواعد السليمة، ولن نترك هذا الملف أبداً عرضة للتساجل والكباش السياسي، وسنسعى بالتعاون مع جميع المخلصين للعودة عن القرارات المتخذة بما يعيد صفو العلاقات اللبنانية مع امتداده العربي الطبيعي”. وهو تلقى جرعة دعم “تويتريّة” بتوقيع تغريدة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي اعتبر موقفه “لافتاً، مسؤولاً وشجاعاً. علّ الآخرين يتجاوبون معه بالحد الأدنى من روح المسؤوليّة والوطنيّة لتجنيب اللبنانيين المزيد من المآسي”.

لكن، تبدو جميع هذه الأفكار غير قابلة للتطبيق عملياً طالما أنّ “بيت القصيد” ظهر في موقف نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم الذي قطع الطريق أمام أي مسعى و”لم يترك للصلح مطرح”، بعدما زعم أنّ “التصعيد السعودي مع لبنان، عدوان غير مبرّر”، مشيراً إلى أنّ “لبنان ليس مكسر عصا، ويجب التعامل معه بنديّة وكدولة مستقلّة، ولن نقبل أن تتدخّل السعودية بالحكومة”. ثم أتى بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” أمس ليزيد “الضرب” على رأس الأزمة، باعتباره أنّ “السعودية افتعلت الأزمة الحالية في لبنان، ونرفض التدخل في عمل الحكومة”. وثمّة من بين المراقبين السياسيين من رسم تقاطعاً بين موقف “حزب الله” وقرار قرداحي بعدم الاستقالة.

ونشطت أمس المشاورات على خطّ عين التينة بعد زيارة بقيت مداولاتها بعيدة عن الإعلام، التقى خلالها الرئيس ميقاتي رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وعلم “لبنان الكبير” أنّ اللقاء تطرّق إلى خريطة الطريق التي وضعها ميقاتي ووضع برّي في تفاصيلها. وتداول الاجتماع في ضرورة أن يصبّ جهد المرحلة المقبلة في العمل لأجل عودة تفعيل اجتماعات مجلس الوزراء. وفي المسألة المتعلّقة بأزمة قرداحي، تداولا في ضرورة تقدير المصلحة الوطنية، وأن المرحلة تقضي التحرّك بحكمة وبعيداً عن الانفعال. في وقت لا يزال برّي يعتمد لغة الصمت في مقاربة الاشكالية المستجدة نتيجة تصريحات وزير الإعلام، فإنّ المعطيات تشير إلى أنه يدرس كل الخيارات وليس غائباً عن متابعة الملف، لكنه يفضّل عدم إصدار مواقف والاكتفاء باستطلاع المشهدية العامة.

وأشارت المداولات بين ميقاتي وبرّي إلى أنّ مجلس الوزراء ليس المكان المخوّل مناقشة موضوع قضائي. وأعاد الاجتماع الغوص في موضوع تحقيقات المرفأ وما بحثه برّي مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لجهة ملاحقة النواب أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والالتزام بما بنصّ عليه الدستور. وتزامن تشاور برّي – ميقاتي في موضوع تحقيقات المرفأ أمس مع عودة هذه القضية إلى الواجهة، إذ جرى كفّ يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عن قضية انفجار مرفأ بيروت بشكل موقّت بانتظار بتّ محكمة الاستئناف بالدعوى التي قدّمها منذ أيام وكلاء الدفاع عن الوزير السابق يوسف فنيانوس.

وفي وقت تبقى الأزمة مع دول الخليج تشكّل الطبق الرئيسي الذي يطغى على سواه على طاولة المشاورات بين الرئاسات الثلاث، بدا بارزاً أمس البيان الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين، أدانت خلاله “المحاولة الفاشلة للاعتداء بواسطة طائرتين مفخختين على المملكة العربية السعودية”، مشيرة إلى تضامنها مع المملكة “في وجه أيّ اعتداء يطال سيادتها وأمنها واستقرارها ومنشآتها المدنية ومدنييها بما يخالف القوانين والمواثيق الدولية”. إلى ذلك، استقبل وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أمس وفداً ألمانيّاً برئاسة مدير الشؤون السياسية في الخارجية الألمانية فيليب آكرمان. واستعرض اللقاء جولة أفق حول مواضيع الساعة بما في ذلك الأزمة المستجدة بين لبنان والخليج. وبحث الاجتماع العلاقات الثنائية والمساعدات التي تقدّمها ألمانيا للبنان. على صعيد آخر، التقى بو حبيب سفيرة فرنسا آن غريو. وتداول الاجتماع في علاقات لبنان مع العالم العربي ومع الدول الأوروبية والغربية.

وتوازياً، رأت الخارجية الفرنسية ضرورة إبقاء لبنان خارج الأزمات الإقليمية الأوسع، ووجوب أن يكون لبنان قادراً على التعويل على كلّ شركائه في المنطقة لمساعدته على الخروج من الأزمة. وفي الإطار عينه، عوّلت روسيا على أقرب وقت ممكن لحلّ الصراع الدائر بين لبنان ودول الخليج العربي، مع تأكيدها أنه لم يطلب أحد من الجانب الروسي التوسّط لحلّ الأزمة. وأتى الاهتمام الأبرز دولياً بلبنان بصورة الاجتماعات التي يعقدها قائد الجيش العماد جوزف عون في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كشف متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أنّ اجتماعات قائد الجيش شملت كبار المسؤولين في الوزارة، بمن فيهم وكيلة الوزارة لشؤون الحدّ من التسلّح والأمن الدولي، بوني دنيز جنكينزر. وركزت الاجتماعات على الشراكة الطويلة الأمد مع الجيش اللبناني.

شارك المقال