سباق بين المجهول و”الطبخة” لعودة الحكومة

لبنان الكبير

إذا كانت الأجواء السياسية تأرجحت بين “هبّة باردة وهبّة ساخنة” في الساعات الماضية التي شهدت محاولة جديدة لإحداث كوّة في جدار الأزمات الملاحقة، فإن لا مؤشرات حاسمة من شأنها أن تؤكّد أنّ طريق عودة انعقاد جلسات مجلس الوزراء باتت معبّدة، على الرغم من التفاؤل النسبيّ الذي أعرب عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس من مقر الاتحاد العمالي العام، في تأكيده أنّه “سيدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء قريباً وستعود الأمور كما كانت”. وعلى الرغم من المساعي المستمرّة التي يبذلها ميقاتي للعمل على إنقاذ حكومة “معاً للانقاذ” بعد التعطيل المستشري الذي هندسه “حزب الله”، فإنّ وقع “ناقوس الخطر” بدأ يتصاعد على نحو أكبر بما يحتّم عودة انعقاد الجلسات بالحدّ الأدنى. وقد أشار ميقاتي إلى أنّ “لبنان دخل مرحلة تضخم كبير نتيجة التراكمات وسياسة الدعم التي لا يمكن الاستمرار بها”.

وكانت النفحات الإيجابية لجهة التبشير بحلحلة يُعمل عليها، بدأت بالتصاعد أمس بعد زيارة رئيس الحكومة إلى بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال عون وأطلعه على عمل اللجان الوزارية والنتائج التي توصلت إليها تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء “الذي تقرّر أن يعاود جلساته قريباً”، وفق ما أعلنت رئاسة الجمهورية.

وأكدت معلومات “لبنان الكبير”، أنّ اجتماع ميقاتي بعون استعرض اللقاءات التي عقدها مع رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيه ووزير الإعلام جورج قرداحي، وموضوع رحلته المرتقبة إلى روما الأسبوع المقبل. وأكد ميقاتي على ضرورة عقد جلسة لمجلس الوزراء، ولاقاه عون في هذا الموضوع، باعتبار أنّ هناك ملفات عدّة أنهت اللجان العمل عليها وتحتاج إلى مراسيم من مجلس الوزراء أو إلى مراسيم عادية، إضافة إلى مشاريع قوانين تحتاج إلى أن تحوّل إلى المجلس النيابي. واتفق عون وميقاتي على الدعوة القريبة إلى عقد جلسة وزارية، لكن تاريخ الانعقاد لم يحدّد حتى الساعة. وعُلم أنّ موضوع قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار يعالج على نار هادئة بعيدة من الإعلام.

إلى ذلك، أشارت مصادر مواكبة عبر “لبنان الكبير” إلى أنّ ثمة حركة جديدة على مقلب حثّ قرداحي على تقديم استقالته. وقالت إنّ إخراج قرداحي سيحصل في النهايةـ وهو بات يشعر بأنه يتحمّل أكثر مما يستطيع، في ظلّ رهان على أن يعمد إلى تقديم استقالته بنفسه إذا نجحت المساعي الهادفة إلى عودة انعقاد جلسات الحكومة وايجاد حلّ في موضوع المحقق العدلي. لكن، ما لبث أن تبيّن أنّ الإغداق في الإيجابية لناحية استعجال استقالة قرداحي تبقى مسألة سابقة لأوانها، خصوصاً بعدما سرّبت معطيات سلبية أقرب إلى التصعيد مساء أمس من المحور الموالي لقرداحي. واستقرّت المعطيات على أنّ هناك “طبخة” جديدة تُحضّر بغية الدفع باتجاه تحقيق استقالة قرداحي، لكنها وضعت “على نار خفيفة” في ظلّ ترقّب مستمرّ لنتائجها وإذا ما كانت ستؤدي الغاية منها أو أنها ستحترق هذه المرة أيضاً.

ولم تصبّ المواقف والقراءات التي تم التعبير عنها مساء أمس في اتجاه استطلاع انقشاع للحلول. وإذ نبّه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، من “أننا نتجه إلى المجهول، والأزمة ستزداد”، لفت إلى “أننا انتظرنا سنة لتشكيل الوزارة، حين ظهر لنا الثلث المعطل. واليوم، بدلاً من أن يكونوا ثلثاً، فهناك واحد معطل، لكن النتيجة عينها”. وخلال زيارة قام بها لعائلة المقدم الراحل شريف فياض، أكّد جنبلاط أنه “على رئيس الجمهورية اتّباع الأصوال واحترام الدستور، ويجب أن تكون الانتخابات في موعدها، ولا يمكن الاستمرار في المسيرة التي ترفض إتباع الدستور”.

ولم يكن ما حذّر منه الرئيس أمين الجميّل في الذكرى الـ15 لاستشهاد بيار الجميّل، بعيداً من قاموس التحذيرات التي أطلقها جنبلاط. وإذ أكد الجميّل أثناء افتتاح “حديقة بيار” إلى جانب البيت المركزي في الصيفي، أنّ “الأحداث تتوالى وفق مخطّط جهنّمي محبوك ومحكم وهادف لإركاع لبنان”، رأى أنّ “الانحدار السريع مع أنشطة مشبوهة وحركات تأسيسية متصاعدة تنشط في المنطقة وتنبئ بمخاطر داهمة، يخشى معها أن يكون لبنان، الخاصرة الرخوة والحلقة الضعيفة ضحيتها”.

وعلى الأرض الواقع، سجّلت أمس حادثة أكدت مستوى الدرك الذي وصل إليه لبنان في وطأة الأزمات. إذ ضجّت المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي بخبر أفادت خلاله السلطات الإسبانية بأنّ مجموعة من 39 لبنانيّاً كانوا مسافرين بين مصر وأميركا اللاتينية؛ استغلّوا توقفهم في برشلونة لطلب اللجوء في إسبانيا. وقال مصدر في مقاطعة كاتالونيا إنّ الركاب الـ39 بدأوا إجراءات طلب اللجوء. وهم موجودون في منطقة بالمطار تُقدّم فيها الخدمات الأساسية.

ولم تأتِ المواقف والخطب عشية عيد الاستقلال بعيدة من تناول تداعيات الأزمات المتدحرجة والحضّ على الصمود. وتوجّه قائد الجيش العماد جوزف عون إلى العسكريين في أمر اليوم، مشيراً إلى أنه في ظل “تزاحم الأزمات والتحديات الوطنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية، تمر ذكرى الاستقلال محملة بالآلام والآمال. آلام الأوضاع التي نمر بها وآمال بالخروج من الأزمة وتجاوزها ليعود لبنان إلى وضعه الطبيعي”. ولفت إلى أنّ “ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي بالمؤسسة العسكرية هي النتيجة الحتمية لأدائكم وتضحياتكم وجهودكم في وأد الفتن والحفاظ على السلم الأهلي، لأنكم على مسافة واحدة من كل الأفرقاء، وتشكلون النقطة الجامعة التي يلتف حولها جميع اللبنانيين”.

من جهته، توجّه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى عسكريي الأمن العام، في نشرة توجيهية في العيد الثامن والسبعين للاستقلال، مؤكداً “التمسك بالمشتركات الوطنية والأخلاقية التي تبقى أكبر بكثير من التباينات التي تدفع البعض في اتجاهات مريبة، غير مضمونة النتائج وتهدّد الكيان اللبناني”. ودعا العسكريين إلى أن “يكونوا وسائر المؤسسات العسكرية والأمنية يداً واحدة للدفاع عن لبنان ووحدته من أجل صون الشعب وحمايته من الأخطار”.

شارك المقال