عودة الغضب الشعبي: قطع الطريق على الجوع

لبنان الكبير

لعلّ من باب المصادفة المحاكية لغضب المواطنين واشتعال قدرتهم على التحمل، أن يتزامن يوم إشعال الطرقات بالإطارات والصرخات في توقيته أمس مع انعدام أفق الحلول على الصعد الاقتصادية وانطفاء روحيّة اللقاءات السياسية التي تدور في حلقة مفرغة، من دون القدرة على إيجاد حلول خصوصاً في ما يتعلّق بالأزمة الديبلوماسية بين لبنان ودول الخليج العربي. وإذا كانت التساؤلات قد طاولت الجهات التي عملت على تنظيم التحركات المطلبية أمس، فإنّ الإجابة الحازمة ما لبثت أن ظهرت مع إعلان “ثوار 17 تشرين” عن تحرّكهم كبداية غضب شعبي جماهيري للحؤول من دون تفاقم الأزمة التي لم يعد المواطن يقدر عليها في كلّ سبله المتاحة. وأتى التحرّك رفضاً للأوضاع المعيشية التي حذّروا منها منذ انطلاقتهم عام 2019. ووعدوا باستمرارية التحركات السلمية حتى تحقيق مطالب الشعب.

وعلم “لبنان الكبير” أنّ موجة تحرّكات جديدة تستعدّ مجموعات من قوى الانتفاضة لإطلاقها يوم غدٍ الأربعاء، في الإطار التعبيري نفسه عن رفضهم للواقع المعيشي الذي وصل إلى قعر القعر. وفي وقت كانت وردت تساؤلات أمس عما إذا كانت التحركات تعبّر عن تقاطعٍ في الأهداف والرؤى بين أحزاب سياسية والمجموعات المحسوبة على قوى الانتفاضة، فإنّ المعلومات أشارت إلى أنّ ثمة كوادر لأكثر من حزب سياسي بدت داعمة للنزول الى الشارع من دون أن تشارك مباشرة في التحرّكات أو تساهم في تنظيمها. ولا يلغي ذلك مشاركة مناصرين لأحزاب محسوبة على الخطّ السيادي في التحركات؛ بما في ذلك مناصرين لـ”تيار المستقبل”، لكن مشاركة عدد من المناصرين أتت تلقائية من دون توجيهات أو خطوات مدروسة من “التيار الأزرق”.

وخلافاً للحركة الشعبية الناشطة التي أطلقتها التحركات على امتداد المناطق اللبنانية، بدت التحركات السياسية هامدة أمس على الرغم من التطوّر المتمثل بزيارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى قطر ولقائه الأمير تميم بن حمد آل ثاني. وفيما تحلّقت التساؤلات حول مدى قدرة الزيارة على إحداث كوّة في جدار الأزمة مع الخليج العربي، لم يتظهّر أيّ مؤشّر يدلّ على متغيّرات قريبة طالما أنّ المشهدية السياسية اللبنانية لا تزال هي نفسها وسط سيطرة “حزب الله” على القرار السياسي. وإذ اتسمت الزيارة إلى قطر بتمنيات وأمنيات، شكر عون أمير قطر على “وقوف بلاده الدائم إلى جانب لبنان، ورحّب بأي استثمار تقوم به الدوحة في ظل الفرص الكثيرة والمتنوعة”. ورأى الطرفان أنّ “المرحلة تتطلب وقوف الدول العربية إلى جانب لبنان، ولضرورة تجاوز أي خلل يصيب هذه العلاقات”. وتوافقا على “عقد اجتماعات للوزراء المعنيين لبحث المواضيع وفق الاتفاقات المعقودة بين البلدين”. وبدوره، أكّد أمير قطر “وقوف بلاده إلى جانب لبنان، واستعدادها لمساعدته في كل المجالات، وإيفاده وزير الخارجية القطري قريباً لتقديم الدعم والمساعدة”.

وفي ظلّ الحاجة اللبنانية إلى نجدة اقتصادية سريعة، كان الرئيس نجيب ميقاتي قد عقد أمس اجتماعاً للجنة المكلّفة متابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في السرايا الحكومية، شارك فيه نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، وزير المال يوسف خليل، النائب نقولا نحاس، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وتم الاتفاق على توحيد الرؤى بالنسبة إلى الأرقام في القطاعين المصرفي والمالي. وناقش الاجتماع كيفية معالجة الفجوة الموجودة في القطاع المصرفي، وسط اقتراحات عدة قيد الدرس. وتأمل المجتمعون عقد اجتماع ثان خلال الأسبوع الجاري للوصول إلى رؤية موحدة ونهائية لتقديمها خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وعلم “لبنان الكبير” أنّ اللجنة المكلفة متابعة المفاوضات، قد قدّمت كلّ الأوراق والمستندات المالية التي طلبها ممثلو صندوق النقد لجهة الإيرادات والنفقات وميزان المدفوعات والحساب الجاري، حيث سيعمل الفريق المتخصص في الصندوق على دراسة هذه الارقام وإدخالها في برامج محاسبية في سبيل العمل على إعادة هيكلة الدين العام في لبنان بعد دراسة منحى العجز والدين العام. وإذا كانت مرحلة المباحثات التقنية قد انتهت مع موفد الصندوق، فإن المرحلة المقبلة التي يتطلع إليها لبنان تكمن في إطلاق مرحلة المفاوضات التي تحتاج بلورة العناوين الأساسية في الخطة الحكومية.

وفي سياق الترجيحات حول المهلة المطلوبة للوصول إلى اتفاق، أكد الشامي أمس “أننا كنا نأمل بالوصول إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق في نهاية العام، لكن قد يحصل بعض التأخير بحسب الظروف. أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت، وبعد الاتفاق مع العاملين في الصندوق سيتم صدور تصوّر لمجلس الإدارة الذي سيعطي الموافقة النهائية للاتفاق مع لبنان”. واعتبر أنّ “الخلاف على الأرقام انتهى وتم توحيدها، وهناك اتفاق واضح وجلي بين دولة الرئيس ووزارة المال ومصرف لبنان وأنا على كل الأرقام”.

وإذا كان الانتظار لا يزال قائماً في غياب أي معطى يشير إلى اقتراب انعقاد جلسات الحكومة، ظهر تطوّر أمس على صعيد الموقف من التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت مع إشارة المكتب السياسي لحركة “أمل” إلى أنّ “ما حصل مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عين التينة ولقاءات الرئيس نبيه بري مع الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي يؤكدان الحرص على تصحيح المسار القضائي”. ولفت المكتب السياسي إلى أنّ “تصحيح المسار القضائي أيّده البطريرك والرئيس عون وتم استهدافه من قبل التعطيليين المعروفين للجميع”. وأضاف أنّ “كل الحديث عن مقايضات في الشأن القضائي لا أساس أو قيمة لها وهذا ما ترفضه الحركة ورئيسها”. واعتبر أنّ “مسار التحقيقات في جريمة المرفأ فضيحة في وقت نرى الانفصام الفاضح لبعض القيادات التي تتحدث عن استقلالية القضاء”. وأكّد أن “الحديث عن مسؤولية المجلس النيابي في تصحيح المسار القضائي يتطلّب من مطلقيه الالتزام بالحضور والتصويت”.

شارك المقال