أكثر ما يمكن أن يقال في الإشارة إلى حراجة الوضع اللبناني وانعدام آفاق الحلول على غير صعيد، أشار إليه البابا فرنسيس أمس في تعبيره عن قلق شديد إزاء الأزمة التي يواجهها لبنان. ووصلت العبارات المعبّرة عن الألم سريعاً من قبرص إلى “الوطن المجاور”، حيث أشار البابا في كلمة ألقاها أمام مسؤولي الكنيسة المارونية في كاتدرائية سيدة النعم بنيقوسيا القديمة إلى شعوره بالقلق الشديد عندما يفكّر بأزمة لبنان التي يواجهها. ويشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم. وحمل البابا معه صلاة الرغبة في السلام. وحضر المناسبة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي حضر خصيصاً للمشاركة في استقبال البابا فرنسيس، متوجّهاً إليه بالقول إنّ “حضوركم في منطقتنا المعذّبة رسالة قويّة لتسود قيم السلام والمصالحة”.
وليس ما هو أشدّ تأكيداً على العذاب الذي يعتري البلاد سوى “أزمة الوزير” التي كانت راوحت مكانها منذ
أسابيع، من دون قدرة على إقالته بالمونة كحدٍّ أدنى. وعلم “لبنان الكبير” أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي
قد أطلق من جديد حراكاً خلف الكواليس بهدف العمل على بلورة مخرج يساهم في استقالة قرداحي،
خصوصاً أن الرئاستين الأولى والثالثة تجدان في هذه الخطوة بداية جيّدة لرسم معالم الحلّ مع دول الخليج
العربي.
وأشارت المعطيات التي رشحت عن اللقاءات والاتصالات الخارجية إلى أنّه لا بدّ من خطوات لبنانية جادّة وحقيقية لبدء رأب الصدع الحاصل مع الخليج. وتسعى الرئاستان إلى إعادة تحريك موضوع استقالة قرداحي تزامناً مع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية. وتحدّثت معطيات عن “حلحلة” في هذا الاتجاه لناحية تأمين فتح باب استقالة قرداحي خلال الساعات المقبلة تزامناً مع زيارة ماكرون، من دون جزم هذا الاتجاه الذي سيبقى محلّ ترقّب بانتظار ترجمة الخطوة. لكن ثمّة من يُعبّر عن أجواء مؤكّدة باتجاه تقديم قرداحي استقالته اليوم.
وتزامناً مع هذه المعطيات، لوحظ أمس توجيه قرداحي التهنئة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدها
الـ50. وكتب في تغريدة على “تويتر”: “أطيب تحية من القلب، إلى الإمارات الحبيبة، قيادة وشعباً، بمناسبة
عيدها الوطني الخمسين… خمسون عاماً كأنها خمسون قرناً من الإنجاز والتطور والرقي والطموح”. يُذكر أن الامارات كانت سحبت ديبلوماسييها من بيروت إثر تصريحات قرداحي حول حرب اليمن.
وإذا كان “الجرح” الأول الذي أحدثته تصريحات قرداحي يتّجه إلى المداواة، فإنّ “جرح” تعطيل عقد جلسات
الحكومة لم يختم بعد وسط تعنّت مستمرّ على مقلب “حزب الله”. ولم يكن ينقص أحرف التعبير عن
المظلومية أمس بين سطور بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” سوى التسلح بالدستور الذي عمل محور “الحزب” على تعطيله تباعاً في الاستحقاقات الدستورية الرئاسية والحكومية. ويأتي البيان في وقت لم يبرز أيّ أفق حل يشير إلى إمكان عودة الجلسات في وقت قريب.
ورأت كتلة “حزب الله”، في بيانها، أن “الأزمة الحكومية الراهنة في البلاد، كشفت المزيد من مواطن الخلل التي تحتاج إلى معالجة قانونية ووفاقية. واعتبرت أنّ غياب الرؤية الوطنية الواحدة وتفاوت النظرة إلى الثوابت الحاكمة، هما منشأ أغلب الاختلافات حول مقاربة القضايا والمستجدات اليومية التي نواجهها في حياتنا السياسية والعامة”. وزعمت أنّ “أوضح أسباب الأزمات المتوالية التي تعصف بالبلاد، محاولة التذاكي لمخالفة الدستور تارة وتجاوز ثوابت الوفاق الوطني تارة أخرى، وخلف ذلك كله تغليب المصالح الشخصية أو الفئوية على مصالح العباد والبلاد واعتماد الاستنسابية في تنفيذ ما جرى التفاهم والتوافق حوله”. وشدّدت على أن “مقاربة الحل في قضية المحقق العدلي يجب أن تكون تحت سقف الدستور، كما أن مقاربة الأزمة السعودية المفتعلة لا تصح بالمجاملة ولا بالاستخفاف بسيادتنا وكرامتنا الوطنية”.
وبقيت قضية المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ظاهرة على سطح التطورات
أمس. وعادت أساليب “الأخذ والردّ” لتتظهر مرّة أخرى في قضية القاضي، مع تقديم الوزير السابق
يوسف فنيانوس دعوى مخاصمة الدولة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بسبب عمل القاضي البيطار
لجهة قراره ردّ الدفوع الشكلية.
وفي هذه الغضون، حصل مدّعون في قضية مرفأ بيروت على نسخة من قرار الهيئة العامة، حُدّد بموجبه محكمة التمييز للنّظر بطلبات ردّ المحقّق العدلي، لإيداعه غرفة محكمة الاستئناف برئاسة القاضي نسيب إيليا، وذلك بهدف إصدار محكمة الاستئناف قرارها بشأن طلب ردّ القاضي البيطار. وأتى ذلك بعدما اعتبرت الهيئة العامة في قرارها الصادر منذ أسبوع أن محكمة التمييز المرجع الصالح للنظر بطلب ردّ المحقّق العدلي.