على الرغم من النجاح الملحوظ الذي استطاع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من خلاله فتح باب في جدار الأزمة الديبلوماسية بين لبنان ودول الخليج العربيّ، إلا أنّ الامتحان انطلق لتوّه وغداً لناظره قريب. ولا يمكن الدخول من الباب أن يُترجم إلا من خلال التأكيد على بلورة النقاط التي أشار إليها البيان المُشترك لزيارة رئيس الجمهورية الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية، والتي عاد وأكّدها سفير المملكة في لبنان وليد البخاري عبر حسابه على “تويتر”.
فهل سيكون لبنان قادراً على الحفاظ على استقراره واحترام سيادته ووحدته، بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية ذات الصلة؟ وهل يتلقّف المعنيون أهميَّة الالتزام باتفاق الطائف المُؤتمن على الوحدة الوطنيَّة والسِّلم الأهلي في لبنان؟ وإلى أي مدى بإمكانه المباشرة بحصر السّلاح بمؤسسات الدولة الشرعيِّة، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدّرات؟.
ويبدو واضحاً بالنسبة إلى مصادر سياسية معارضة أنّ بناء مسار استعادة الثقة بين لبنان ودول الخليج، لن يكون على طريقة “كوني فكانت”، بل إنه يحتاج إلى عمل وترجمة انطلاقاً من بنود البيان المشترك الفرنسي – السعودي. ورأت المصادر عبر “لبنان الكبير” أنّ هذه البنود ستصطدم بالأداء السياسي المرتبط بسيطرة محور “الممانعة” في لبنان والمترافق مع قضية سلاح “حزب الله” التي لا يمكن أن تحلّ بين ليلة وضحاها. وخفّضت سقف توقّعاتها للمتغيرات التي يمكن أن تحصل في لبنان بمرحلة قريبة، باعتبار أنّ موضوع تغيير سلوك “حزب الله” بالحدّ الأدنى يستند إلى البعد الاقليمي الايراني ولا يرتبط بالموضوع الداخلي. وأشارت إلى أن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون بمثابة انطلاقة لبلورة مسار متغيّر في البلاد، بما يمكن أن يطلق فعلياً مساراً مختلفاً للوضع الحالي المسيطر في لبنان، خصوصاً في حال تمكّنت الأحزاب السيادية من الحصول على الأكثرية النيابية بما يضمن نوعاً من التوازن الذي كان اختلّ في العهد الحالي. وخلصت إلى أنّ الخطوة الأولى التي لا بدّ منها في المرحلة المقبلة، تكمن في ضرورة تصويب بوصلة السياسة الخارجية للدولة اللبنانية وعودة البلاد إلى الروحية العربية والالتزام بقرارات الجامعة العربية.
ولم يكن ما هو اكثر تأكيداً على اصطدام أي نية داخلية باعتبارات “حزب الله” وتوجهاته، سوى ما أشار اليه أمس رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفيّ الدين لجهة اعتباره أنّ “الفريق الآخر في لبنان الذي يتخلّى عن كرامة وطنه ويريد أن يُرهِن وطنه للخارج، لا يمكن أن يؤتمن على شيء ولا يحقّق أيّ إنجازات ولا يعالج المشاكل الإقتصادية”. وقال في احتفال حزبي: “إذا كان البعض يتخيّل أنّه بالحصار أو الإنتخابات أوالعقوبات أن بإمكانهم أن يُضعفوا هذه المقاومة فأقول لهم أنتم أغبياء وحمقى، لا تقرأون تاريخنا ولا تعرفون حقيقتنا ولم تكتشفوا حتى اليوم سرّ القوّة في مقاومتنا وفي وجودنا لأنّ سرّ قوّتنا في إيماننا وتوكّلنا على الله سبحانه وتعالى”.
وفي الموازاة، رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أمس أنّ “استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي ضربة كبيرة لـ”حزب الله”، غير أنها لن تحلّ الأزمة، بل ستكون مقدمة لدخول حوار صريح وواضح ومباشر لإجراء تغيير في السياسات اللبنانية”. واعتبر جعجع أنّ “الأزمة مع دول الخليج أكبر بكثير من قرداحي، إذ تتعلّق بـ”حزب الله” وسياساته وتدخلاته في عدد من الساحات العربية، بالإضافة إلى سيطرته على الدولة اللبنانية وقراراتها. وتالياً، فإنّ حل الأزمة يحتاج إلى تغيير كبير في سياسة الحزب وتوجهاته وحل معضلة سلاحه واعتماد سياسة خارجية واضحة”. ولفت إلى أنّ “مشكلة الحزب تكبر أكثر فأكثر في ظل الأزمات المتوالية والانهيارات التي تتسبّب فيها سياسته، أو الناجمة عن المشروع الإيراني الذي لم ينتج سوى الكثير من الدمار والتدهور، ليس في لبنان فقط، بل في المنطقة كلّها”.
وبدوره، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أمس بعيد الإعلان عن مباردة فرنسية – سعودية لحلّ الأزمة الخليجية المستجدة مع لبنان. واعتبر أن “مبادرة ماكرون لإنقاذ لبنان شجاعة، لكن علينا ألّا ننسى قوى الظلام ودورها التقليدي في إفساد كل شيء وقتله”. كما أكد جنبلاط خلال لقاء مع منظمة الشباب التقدمي على “أهمية إعادة تفعيل عمل الحكومة وتوفير مقوّمات الصمود ودعم الناس”. وشدّد على ضرورة اتخاذ “مقاربة رسمية جدية في العمل مع الجهات المانحة لتوفير الدعم والمساعدات”. وتطرّق جنبلاط إلى “ملفات الطبابة والاستشفاء والدعم الاجتماعي”، داعياً إلى “إعطاء الأساتذة المساهمة التي أقرّها لهم وزير التربية بالدولار أيضاً”. كما طالب جنبلاط الشباب بـ”الانفتاح والتعاطي مع الجميع وتفعيل واستكمال العمل الشبابي”.
حكومياً، أجرى وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب عرضاً للأوضاع في لبنان والمنطقة أمس، في جلسة حوارية ضمن فاعليات مؤتمر روما المتوسطيّ. وتطرق إلى أولويات الحكومة التي تتمحور حول المفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ والإصلاحات ولا سيما في الكهرباء والقطاع المصرفيّ وإجراء الانتخابات النيابية. كما أشار بو حبيب إلى علاقات لبنان بالدول العربية وخصوصاً الخليجية، مشيراً إلى “هوية لبنان العربية والتزام الحكومة سياسة النأي بالنفس تجاه الأزمات في المنطقة”. يذكر أن بوحبيب كان شارك في ندوات حول الشرق الأوسط والطاقة والشراكة الأورو – متوسطية، خلال المؤتمر، والتقى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية وشؤون الأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للبحث في المساعدات المقدّمة للبنان. وشدّد بوريل على ضرورة إجراء الإصلاحات للإفادة من الدعم المالي، ضمن إطار برنامج مع صندوق النقد. وبحثت مسألة النزوح السوريّ وتأثيره في الوضع الداخلي اللبناني اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وضرورة إيجاد مقاربات جديدة لحلّها.