حراك حكوميّ بنَفَس فرنسي – سعوديّ… وهواجس العرقلة قوية

لبنان الكبير

إذا كانت مرحلة ما بعد انقشاع “بصيص نور” في عتمة الأزمة الديبلوماسية، المخيّمة منذ أسابيع على علاقة لبنان بدول الخليج العربيّ، تتطلّب السير باتجاه الضوء الذي أناره البيان الفرنسيّ – السعوديّ المشترك حيال البنود الأساسيّة التي تضمّنها كخريطة طريق لبنانية واضحة المعالم، فإنّ سلوك المسار اللبناني للخروج من النفق لن يكون مسألة بهذه السهولة على الرغم من الحراك المكوكيّ الذي قاده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واعتزامه أخذ تفاصيل الورقة الفرنسية – السعودية على محمل الجدّ. لكن فتّش عن “حزب الله” الذي تعود له الكلمة الفصل في تبديل سلوكه وكفّ قبضته عن الإحكام بالقرار اللبناني بكامل تفاصيله. فهل تنجح الحكومة في مهمّة انتشال البلاد من واقعها المأسوي بالحدّ الأدنى أقلّه؟

في الشكّل، بدأت إدارة المحرّكات الحكومية للاستجابة لخريطة الطريق الفرنسية – السعودية. وعلم “لبنان الكبير” أنّ ميقاتي وضع تصميماً يتضمّن مجموعة نقاط وإجراءات، يعتزم المباشرة بالعمل عليها مع كلّ فريق وزاريّ مختصّ لبداية ترجمة ما اتفق عليه في السعودية بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وتشير المعطيات إلى أنّ نقاط التصميم الذي سيباشر العمل عليه تتطرّق بشكل خاص في تكثيف الإجراءات الهادفة إلى ضبط الحدود اللبنانية والمرافق الحيوية البرية والبحرية والجوية. ويريد ميقاتي تسريع عجلة العمل مع صندوق النقد الدولي والوصول إلى خطوط عريضة على صعيد الخطة المالية الإنقاذية في مهلة سريعة، على الرغم من بعض التأخير الذي بات أمراً واقعاً بعدما كان من المفترض الانتهاء من عناوين الخطة الأساسية في النصف الأول من شهر كانون الأول الجاري. ويرجّح مطلعون أن تنضج أساسات الخطة مطلع العام المقبل على أبعد تقدير.

وأطلع الرئيس ميقاتي أمس رئيس الجمهورية ميشال عون على التطورات الحكومية وعدد من الشؤون المتصلة بعمل الحكومة واللجان الوزارية، خلال لقائهما في قصر بعبدا. وتداول معه بتفاصيل الاتّصال الذي تلقاه السبت الماضي من الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان خلال اجتماعهما في جدة والنقاط التي تمّ البحث فيها. كما عرض عون مع ميقاتي الإجراءات الواجب اعتمادها لمعالجة بعض القضايا الملحة.

وعلى خطّ الإشادة بالبيان المشترك الصادر عن السعودية وفرنسا في ختام زيارة الرئيس الفرنسي إلى المملكة، برز أمس موقف الرئيس فؤاد السنيورة الذي رأى أنّ “البيان جاء واضحاً لجهة التمسّك بتنفيذ اتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، والالتزام بتنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان في شتّى القطاعات، ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية الشرعية، وأن لا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية تزعزع استقرار المنطقة”. وشدّد السنيورة على أنّ “هذا البيان يجب أن يشكّل بوصلة أداء بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية، ولجميع الأطراف الحريصة على أن يخرج لبنان من أزماته الراهنة، وأن ينتج عن ذلك موقف سياسي واضح يتخطّى الخلافات الثانوية، وبما يصون الوطن والشعب ووحدة الدولة اللبنانيّة وسلطتها الكاملة وقرارها الحر، ويستفيد من هذا التأييد الدولي والعربي المتجدّد، وبما يسمح للبنانيين في التطلّع الى مرحلة نهوض جديدة، والعمل الجاد والمثابر نحوها”.

وفي خضمّ البحث عن حلول للأزمات السياسية المتلاحقة، اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أمس أنّ المطلوب “نظام سياسي جديد يخرج من نظام انتخابي جديد، لأنّ النظام الحالي هو نظام محاصصة بين الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي، وأكبر الخاسرين في هذا النظام كان زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري، ونحن كأقلية حزبية والأحزاب العامة والأحزاب الوطنية التي تنادي بإلغاء الطائفية السياسية”. وتساءل جنبلاط: “إذاً نبدأ من بناء نظام انتخابي جديد، هل ممكن؟ في الوقت الحاضر وبهذه المعادلة الحالية لا أعتقد، ماذا نفعل؟ ما يسمى بأحزاب التغيير موجودة وتريد التغيير، أهلاً وسهلاً بكل أحزاب التغيير وبما يسمى المجتمع المدني، فإذا استطاع هؤلاء أن يدخلوا إلى مجلس النواب 10، 15، أو 20 نائباً جديداً ويغيّروا صيغة الطائفية أهلاً وسهلاً، نساعدهم أو نلتقي معهم إذا أرادوا، إذا لم يريدوا فليست هناك أي مشكلة”.

إلى ذلك، تمثل حديث الساعات الماضية في ملف “الكابيتال كونترول” الذي عاد وطفا على سطح المقاربات السياسية والاقتصادية، بعدما لم يمرّ في جلسة اللجان المشتركة. وأشار رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى “ضرورة أن يتضمّن أي قانون يتعلق بالكابيتال كونترول بداية حفظ حقوق المودعين قبل أي بحث آخر”. وبدوره، طالب المكتب السياسي لحركة “أمل” بتحرير “أموال المودعين، والإفراج عن أرزاقهم”، رافضاً “أي امكانية لإحتواء الأزمة المالية من خلال محاولات البعض وضع اليد على هذه الودائع”. ولفت في بيان إلى أنّ “ودائع الناس في المصارف هي من المقدسات التي لا يجوز التصرف بها تحت أي ظرفٍ من الظروف، وأن الأساس في هذا الملف هو حماية حقوق الناس وجنى عمرهم”.

وفي السياق نفسه، اعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي أنّه “منذ بداية الأزمة النقدية، كان الحزب أول المطالبين بإقرار قانون القيود على التحويلات والسحوبات النقدية (Capital Control)، وبعد ما يزيد على سنتين من التأخير يعود الحزب ليؤكد على ضرورة إقرار هذا القانون ليضمن أولاً وأخيراً حقوق المودعين ويفرض تقنيناً في سحب الودائع إنما بعملتها الأساسية. كما يجب أن يتضمّن القانون ضرورة الاحتفاظ بنسبة 14 في المئة كحد أدنى للاحتياطي الإلزامي مع وضع خريطة طريق واضحة لكيفيّة رفع القيود عن السحوبات والتحويلات بشكل تدريجي، مع تحديد مسبق لسقوف السحوبات النقديّة”. واعتبر أنّ “القانون يجب أن يراعي مبدأ فصل السلطات واحترام استقلالية القضاء، مع مراعاة الاتفاقات الدولية التي تسمو على القوانين الداخلية”.

شارك المقال