الحريري يُعلّق السياسة

لبنان الكبير

إنه يومٌ حزين جديد في تاريخ لبنان الحديث، سجّلته الذاكرة السياسية الوطنية والتاريخية أمس مع إعلان الرئيس سعد الحريري قراره الحازم بالعزوف عن المشاركة في استحقاق الانتخابات النيابية معلّقاً مشاركته وتيار “المستقبل” في الحياة السياسية التقليدية بخطوة مرجّحة منذ أيام. لكن وقع إعلان النبأ بتفاصيله على لسان الزعيم الشاب الذي رافق بحضوره طموحات اللبنانيين وأحلامهم الكبيرة على مدى 17 عاماً، كان أشبه بإعلان نبأ تراجيديّ لا يريد المناصرون سماعه لئلا يستسلمون للدموع التي فرضت وقعها على وجوههم أمس، كما على غصّة سعد الحريري وهو “يستودع الله هذا البلد الحبيب”. ولم يقل رئيس “المستقبل” أنه مغادرٌ للحياة السياسية على عكس ما تبادر للبعض، بل شكّلت اعتراضاته تأكيداً على حضوره واستمراره… وغداً لناظره قريب.

اعلان شكل صفعة للقوى السياسية في لبنان التي بانت مرتبكة جراء ما اعلنه الحريري الذي وضع كل مسؤول سياسي أمام افق مسدود، طالما ان النفوذ الايراني حوّل لبنان الى صندوق بريد لمصلحة المرشد.

قرار الحريري الشجاع ليس نهاية للمدرسة الحريرية، بل هي بداية لمرحلة جديدة متحررة من كل السقوف والحسابات. ووفق المعلومات ان “تيار المستقبل” مستمر في عمله، كما ان الرئيس الحريري سيتفرغ لتياره ولشؤون اللبنانيين والوقوف الى جانبهم في محنهم “ولمن لديه حل فليتفضل الساحة أمامه”.

وأكد الحريري أمام نواب كتلته “عدم ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة، وتعليق العمل بالحياة السياسية، لفت إلى أنه بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقع الخيار عليّ لمواصلة مشروعه السياسي وليس لكي تبقى عائلة الحريري في السياسة. مشروع رفيق الحريري يمكن اختصاره بفكرتين: أولاً: منع الحرب الأهلية في لبنان، وثانياً: حياة أفضل للبنانيين. ونجحت في الأولى، ولم يكتب لي النجاح الكافي في الثانية”.

وحضّ الحريري “تيار المستقبل” على اتخاذ الخطوة نفسها، “لاقتناعي بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان، في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”. وأشار إلى “أننا سنبقى بخدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق أيّ دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي، وسنبقى من موقعنا كمواطنين متمسكين بمشروع رفيق الحريري لمنع الحرب الأهلية والعمل من أجل حياة افضل لجميع اللبنانيين. ونحن باقون بخدمة لبنان واللبنانيين، وبيوتنا ستبقى مفتوحة للإرادات الطيّبة ولأهلنا وأحبتنا من كل لبنان”.

وعلم “لبنان الكبير” أن قرار عزوف الحريري بشخصه وتياره السياسي سيكون له ارتداداته على صعيد المشاركة في الاستحقاق الانتخابي المرتقب في أيار المقبل، إذ من المتوقع أن ينكفئ الجمهور الأزرق في الانتخابات ومنهم من يتّجه إلى المقاطعة تماشياً مع اتجاه تياره السياسي، مما سينعكس انحساراً في المشاركة الانتخابية على الصعيد السني وتراجعاً في الاقبال على صناديق الاقتراع.

وأبعد من ذلك، فإن هواجس متعاظمة من تأجيل الانتخابات النيابية طفت على سطح التساؤلات السياسية في الساعات الماضية. وعلم “لبنان الكبير” أن أبرز المتوجسين من قرار الحريري إلى جانب “العاطفة السياسية العلنية” التي أظهرها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في حديثه عن يتم سياسي أمس وبقاء المختارة وحيدة، هو رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بقيت “استنكاراته السياسية” بين جدران اللقاء الذي جمعه بالحريري.

وتداول بري لأكثر من ساعة ونصف الساعة في تداعيات قرار الحريري محاولاً ثنيه أو تأجيل الاعلان للمزيد من المشاورات. ونصح بري الحريري بالتريث في مرحلة حساسة على الصعيد الاقليمي، متخوفاً من تحول تعليق المشاركة بالحياة السياسية إلى غياب كامل خصوصاً أن ممارسة السياسة بطريقة طبيعية ومتعارف عليها تتمثل في العمل بسبيل الوصول الى المجلس النيابي. وإذا كانت كلّ النداءات لم تقنع الحريري بالتراجع عن قراره أو تأجيل إعلانه بالحدّ الأدنى، فإن العزوف لم يلغِ استمرار التحضيرات الانتخابية على صعيد شخصيات سنّية عدّة تطمح إلى خوض الانتخابات على صعيد لوائح قوى الانتفاضة أو بارتباطها بحضور مناطقي مما يرجح تفرّعات عدة سترتبط بنتائج الانتخابات على صعيد الناخب السني في غياب تيار “المستقبل”.

وبدوره، تأسف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر ” تويتر” تعقيبا على قرار العزوف، مشيراً إلى أن “كلام الرئيس سعد الحريري اليوم صفحة حزينة للوطن ولي شخصياً، ولكنني أتفهم الظروف المؤلمة التي يعيشها والمرارة التي يشعر بها، مؤكدا أن الوطن سيبقى يجمعنا والاعتدال مسارنا ولو تغيرت الظروف والأحوال، مستلهمين قوله تعالى “لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم”.

وشملت الاستنكارات رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي أشار إلى أنه “بمعزل عن من يتفق أو يختلف معه فإن الرئيس سعد الحريري وجه من وجوه الاعتدال في لبنان. وغيابه عن الساحة السياسية سيخلق فرصة للضعفاء الذين سيعمدون الى المزايدات التي تعزّز التطرف. والتطرف هو أكبر خطر على مستقبل لبنان”.

حكوميا، عقدت أمس أول جلسة لمجلس الوزراء بعد ثلاثة أشهر من التعطيل. وشهدت الجلسة إقرار مجلس الوزراء عدداً من المراسيم التي تتعلّق بالأمور الحياتية والمعيشية، إلى جانب مناقشة مشروع الموازنة العامة لعام 2022. وأشار وزير الإعلام بالوكالة وزير التربية عباس الحلبي بعد الجلسة، إلى أنّ “مجلس الوزراء باشر درس مشروع قانون موازنة 2022، وستُعقد جلسات يومية لاستكمال دراسة المشروع إلى حين إقراره وإحالته إلى مجلس النواب”، فيما أعلن وزير المال يوسف خليل أنّ “الدولار الجمركي سيُحسَب على سعر صيرفة في مشروع موازنة 2022”.

شارك المقال