الحريري يعود الى الناس… وجعجع وباسيل يتنازعان على وراثة مستحيلة

لبنان الكبير

لم يمر ٢٤ ساعة على اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي التقليدي والعزوف وتياره عن الترشح، حتى بدأت ملامح التملّق الانتخابي للسنّة عموما وجمهور الحريرية ومحاولة وراثة الحريري. فحتى في هذه اللحظة التاريخية طغت المزايدات بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” للمصلحة الانتخابية، في وقت بدأ الرئيس سعد الحريري مرحلة العودة الى الناس والوقوف الى جانب جمهوره وتياره، فوفق المعلومات ان الامر لن يتأخر، اذ تذكر المصادر ان الحريري لم يعتزل السياسة بل علّق الاسلوب التقليدي منها.

وبالعودة الى سباق “حصر الارث المستحيل” بين “القوات” و”التيار الوطني” ، جاء الرد سريعا من تيار المستقبل عبر منسق الاعلام عبد السلام موسى. وكان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل كتب: “‏في حدا اختار يتعاقب حتى يمنع الحرب الاهلية، وفي حدا وافق ينسحب حتى ما يسمح بالحرب الأهلية، بس في حدا مصمّم يعمل الحرب، ومش مهم إذا طعن حليفه بالضهر او خان تفاهم لمصالحة تاريخية؛ المهم ينفذ أجندة خارجية وتوقع الفتنة بلبنان. الخيار هو بين ميليشياوي مهووس بالحرب وابن دولة يعمل لمنعها”. فرد موسى: “لجبران الصهر.. استاد المستقبل مقفل والسباق الانتخابي مع معراب غير قابل للصرف عندنا”. اما لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي عبّر عن تعاطفه الشخصي مع الحريري، فكتب موسى: ‏”تيار المستقبل يعلن تعليق المشاركة بالانتخابات وجعجع مصر على مشاركتهم.. عجبي!”.

كل ذلك وسط تساؤلات حول المرحلة التالية وتداعياتها على مشارف استحقاق الانتخابات النيابية. وكأنّ الجميع صُدم بكلمة الحريري التي كان لها وقع صاعق أو أشبه بدلوٍ من الماء البارد، على الرغم من أن تفاصيل القرار كانت معلومة ومتداولة مع أكثر من شخصية سياسية حاولت حضّ زعيم “المستقبل” على المشاركة في الانتخابات والتمهّل في اتخاذ قراره. وقد انصرفت أكثر من شخصية وحزب في الساعات الماضية إلى إعادة جوجلة حساباتها ووضعيتها السياسية والانتخابية، انطلاقاً من المعطى الجديد الذي فرضه وقع انسحاب “المستقبل” وقواعد تياره السياسيّ من الانتخابات، خصوصا الحلفاء الاكثر تأثرا بانكفاء الصوت السنّي عنهم وعلى رأسهم القوات.

وأشارت معطيات “لبنان الكبير” إلى أن المرحلة المقبلة ستُبنى أولا على دراسة تبعات قرار الحريري بتمعّن خصوصا من الرئاسة الثانية، التي لا تزال تفكر بكيفية العمل باتجاه إدارة المحركات وتفعيل محاولات جديدة للتشاور مع الرئيس الحريري ومحاولة تأمين مناخ يساهم في التمهيد لعودة قريبة عن القرار، لكن المعلومات تؤكد ان الحريري لن يعود عن قراره.

ولا يقرأ المواكبون إمكانية لاستمرار عجلة الحياة السياسية من دون الحريري، بما يرتّب مرحلة مبنيّة على القراءة الهادئة والمتمعّنة في تفاصيل القرار. وباتت علامات الاستفهام أكبر حول مصير استحقاق الانتخابات النيابية، ليس فقط بالنسبة إلى مسألة المقاطعة السنّية المرتبطة بقواعد تيار “المستقبل”، بل لأكثر من اعتبار مرتبط بما يحصل على صعيد التطورات بين القوى السياسية.

وعلى اي حال، لا يبدو ان الحريري في طور العودة عن قرار العزوف. ولفتت معلومات “لبنان الكبير” إلى أن اعتماده سيكون في المرحلة المقبلة على كوادر بيته الداخلي وهيئات تياره السياسي ليكونوا على مقربة من الناس ليستمعوا الى هواجسهم ويعملوا على مساعدتهم. وسيعمل تيار “المستقبل” على تفعيل عمل عدد من الجمعيات التي تهدف إلى تقديم مساعدات اجتماعية وإنسانية وفي الحقول التعليمية والصحية ليكون على تماس أكبر مع الناس. وهذه الاستراتيجية ينطلق منها الحريري في إطار عنوان أطلقه للمرحلة: “العودة إلى الناس”. وأبلغ كوادره وهيئاته أن “التعويل عليكم وثقتي بكم كبيرة”.

وعلى مقلب 8 آذار الانتخابي، علم “لبنان الكبير” أن المحاولات التي كانت الغاية منها إعادة توحيد الأحزاب المحسوبة على 8 آذار انتخابياً، لم تؤد إلى نتائج ايجابية حتى الساعة في ظلّ رفض يبديه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للتحالف مع رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، بما ينعكس على القدرة على توحيد اللوائح. وعُلم أن رفض فكرة التحالف قائمة على منطلقات سياسية وشعبية في آن، باعتبار أن القواعد الشعبية الخاصة بتيار “المردة” لا تحبّذ التحالف مع باسيل. كما أن “الكيمياء” مفقودة بين باسيل وفرنجية، في وقت لم تساهم الزيارة التي قام بها فرنجية إلى قصر بعبدا بإعادة ترطيب الأجواء بين الفريقين. وينسحب واقع الحال بين “البرتقالي” و”المردة” على واقع العلاقة بين “التيار” وحركة “أمل” أيضاً، إذ لم يتصاعد أي دخان أبيض يشير إلى امكان عقد تحالف بين الفريقين في الانتخابات باستثناء دائرة بعبدا.

وتوالت ردود الفعل أمس تعقيباً على قرار الرئيس سعد الحريري تعليق مشاركته في الحياة السياسية. وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن “قرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ترك الحياة السياسية يعود له وتؤكّد باريس على احترامها لهذا القرار، مشيرةً إلى أن قرار الحريري ترك الحياة السياسية في لبنان، يجب ألّا يؤثر في تنظيم الانتخابات التشريعية في موعدها منتصف أيار المقبل. ويجب أن تتمثل الأولوية في لبنان بإجراء الإصلاحات اللازمة للخروج من الأزمة”.

واعتبر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أنّ “الخطوة التي أقدم عليها الحريري بتعليق عمله بالشأن السياسي أمر مؤسف يبعث على الألم بعد الجهود التي بذلها خلال مهامه الوطنية على مدى سنوات بتعاونه الدائم مع دار الفتوى التي كانت وستبقى حاضنة لتطلعات أبنائها وآمال اللبنانيين بنهوض وبناء الدولة”. وأشار إلى أنّ “علاقات لبنان مع الأشقاء العرب وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ينبغي ان تكون على أفضل وأرقى مستوى، وان يكون لدى اللبنانيين قناعة الا يسيء فريق إلى هذه العلاقات الأخوية كي لا ينعكس ذلك ضرراً على المصالح اللبنانية والعربية”.

البطريرك الماروني بشارة الراعي أعرب أيضا عن تفاجئه بقرار عزوف الحريري. وقال: “فاجأني هذا القرار ولم أكن أنتظره شخصياً. للرئيس الحريري شخصيته ودوره واعتداله، لا يمكن لنا أن ننسى السنوات التي كان فيها مسؤولاً، وكان يسير دائماً بخط المرحوم والده ألّا وهو خط الإعتدال. لم أكن أنتظر أن تعليق العمل السياسي سيشمل تيار المستقبل”. ولفت البطريرك إلى أن “هكذا قرار سيخلق خللاً في المكوّن اللبناني. كنت أتمنى ألّا يعلّق الحريري نشاطه السياسي وكذلك تيار المستقبل. إذا كان له ظروفه وأسبابه، لماذا القرار يشمل تيار المستقبل؟ نأمل ألّا يتسبّب ذلك بخسارات وخلل كبير في المجتمع اللبناني وآمل أن يعرف السنّة الكرام اتخاذ موقعهم في المجتمع اللبناني، لأن لبنان لا يمكن له التخلّي عن أيّ مكوّن من مكوّناته والسنّة مكوّن كبير ونأمل خيراً وأنا لم ألتق أحداً منهم لتكون الفكرة أوضح بالنسبة لي”. وأكّد “المطالبة بمؤتمر دولي وليس تأسيسياً لتطبيق الطائف وقرارات الشرعية الدولية وإعلان الحياد وحل قضية اللاجئين والنازحين”.

وأشار جعجع إلى أنّه “على الرغم من تباينات عدّة اعترت العلاقة بيننا وبين الرئيس سعد الحريري وتحديداً في المقاربات السياسية المتعلقة بالحكم، إلا أنني لا أستطيع في هذه اللحظات بالذات إلا أن أبدي تعاطفي الشخصي مع الشيخ سعد”. وأضاف: “وإذ نحترم ونقدّر الأصدقاء والأخوة في تيار المستقبل، نصرّ على التنسيق معهم ومع كل أبناء الطائفة السنّية في لبنان ومع كل المخلصين والمؤمنين في الطوائف الأخرى بالقضية اللبنانية حتى ينتصر لبنان الدولة والسيادة والحرية غير الخاضع لإرادة إيران، ولبنان الخالي من الفساد، وحتى لا يموت شهداء الحرية والسيادة في لبنان مرتين، من كمال جنبلاط وبشير الجميل ورفيق الحريري ومحمد شطح وكل قوافل الشهداء الأبرار”.

باسيل تمنى بعد اجتماع تكتل “لبنان القوي”، أن “تزول الظروف التي أملت موقف الحريري… ونحن معنيون بالمواجهة بالتعاضد بيننا كلبنانيين بوجه كل محاولات الفتن والتطرّف”. واعتبر أن “موقفنا ثابت بالوقوف مع أي مكوّن يشعر بالاستهداف وما لم نقبل به لأنفسنا لا نقبل به لغيرنا ونحن مع ضرورة أن يكون هناك تمثيل فعلي لبعضنا البعض في أيّ استحقاق”.

كما توجّه الرئيس فؤاد السنيورة بكلمات مختصرة معبّرة إلى الرئيس الحريري في تغريدة عبر “تويتر”، قال فيها: “أخي سعد، معك رغماً عن قرارك ومعك رغماً عنهم”.

أمنياً، حصل اعتداء جديد على قوات اليونيفيل أمس، إذ أكد الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي أنه “في وقت سابق من هذا اليوم، تعرّض جنود حفظ سلام كانوا في دورية روتينية لهجوم غربي قرية رامية بجنوب لبنان، بعد أن تمّ اعتراض سياراتهم، حيث جرح أحد الجنود”. وأشار إلى أن “الجناة قاموا بتخريب آليتين وسرقة عدد من الأغراض. القوات المسلحة اللبنانية كانت في مكان الحادث ولاحقاً تمكّنت من تهدئة الوضع”. ولفت إلى أن “جنود حفظ السلام لم يكونوا على أملاك خاصة لكن على طريق عام يسلكونه في العادة وكانوا يقومون بعملهم لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 والحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان”، مضيفاً أنه “بموجب القرار 1701، تتمتع اليونيفيل بحرّية الحركة الكاملة والحقّ في القيام بدوريات داخل منطقة عملياتها”. وأكد تيننتي أن “الاعتداءات على الرجال والنساء الذين يخدمون قضية السلام تعتبر جرائم بموجب القانونين اللبناني والدولي، داعياً السلطات اللبنانية إلى التحقيق في هذه الجريمة ومحاكمة المسؤولين عنها”.

شارك المقال