بكركي “تبقّ البحصة”: “الجزُر العونية” تخدم مشروع “حزب الله”

لبنان الكبير

طفح كيل الكنيسة وبلغ صبرها أقصى الحدود، فما كان يُحكى همساً في الأروقة والصالونات الكنسيّة عن خطر تفكّك الدولة بفعل الأداء الكيدي والنهج التدميري الذي ينتهجه العهد العوني وتياره السياسي، قاله أمس بالفم الملآن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي محذراً من “مخطط انقلابي” يجري تنفيذه لتفكيك هيكل الدولة بعد هدم مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى.

بشكل أو بآخر، يمكن القول إنّ بكركي “بقّت البحصة” ونبّهت من خطورة مشروع قضم ما تبقى من ركائز الدولة بفعل السياسة العونية القائمة على ذهنية “الانتقام والأحقاد والكيدية” التي تعمل على تفتيت الجمهورية وتحويلها إلى “جزر” انفصالية مناهضة للقانون والدستور والميثاق والأعراف، وهذا تحديداً ما حذّر منه الراعي بإشارته إلى أنّ تمرّد القاضية غادة عون على الجسم القضائي يأتي في سياق مخطط ممنهج “يستهدف استكمال الانهيار”. إذ رأى مراقبون أنّ إطلاق هذا التحذير في عظة الأحد لا يمكن فصله عن الهواجس المتزايدة من خطورة الاستمرار بالسكوت والتغاضي عن الأجندة العونية لما تشكله من تهديد مباشر للهوية والكيان والوجود المسيحي نظراً لأنها تصب مركزياً في خدمة مشروع “حزب الله” الاستراتيجي الهادف إلى إضعاف الدولة وضرب مؤسساتها لصالح إحكام قبضة الدويلة على كل مفاصل الساحة اللبنانية.

فتاريخياً، تعتبر الكنيسة المارونية نفسها “حجر الزاوية” و”صخرة التأسيس” في بنية الكيان اللبناني، ولذلك فهي معنية بإحباط كل المحاولات الجارية لتنفيذ المخطط الانقلابي على صيغة لبنان وهويته سعياً لإلحاقه بمحور إقليمي يعمل على زعزعة الكيانات الوطنية في الدول العربية وتحويلها إلى جزر متناحرة معزولة عن محيطها منزوعة القرار والسيادة والهوية، ولذلك وجد البطريرك الراعي نفسه مضطراً إلى تسمية الأمور بأسمائها، سواءً في البعد الاستراتيجي لطرحه مبدأ “حياد لبنان” عن الصراعات الإقليمية واستكمال تنفيذ الطائف وتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرار 1559 الذي ينصّ على بسط الدولة لسيادتها على كامل أراضيها وحصر السلاح بيد الشرعية، أو في البعد المؤسساتي لتصديه لمخطط هدم هيكل الدولة وشرذمة مؤسساتها الدستورية، كما جاهر بالأمس في عظته الرافضة للممارسات الهادفة إلى “إطاحة” هذه المؤسسات.

وليست القاضية غادة عون سوى نموذج فاقع عن الممارسات العونية الهدّامة للدولة ومؤسساتها، فسلّط البطريرك الماروني الضوء عليه مندّداً بفقدان “بعض القضاة استقلاليتهم وخضوعهم للسلطة السيايسة وتنفيذهم لتوجيهاتها من دون تقدير خطر هذه الممارسات على مصلحة لبنان العليا”، وذلك في إشارة واضحة إلى أداء القاضية عون التي تنطلق في تحركاتها من تنفيذ رغبات “التيار الوطني الحر” الكيدية في ملاحقة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة. ونبّه الراعي في المقابل إلى أنّ القاضي “غبّ الطلب” يوقع نفسه في “حالة الشبهة”، مطالباً المرجعيات القضائية العليا بأن تخرج عن تردّدها وتضع حداً لـ”الجزر القضائية” داخل القضاء، وقال: “نحن نطالبُ بمحاكمةِ جميعِ الفاسدين الذين بدّدوا المال العام وأوصلوا البلاد إلى الإنهيار السياسيّ والإقتصاديّ والماليّ، لا أن تَنتقيَ السلطةُ شخصًا واحدًا من كلِّ الجُمهوريّةِ وتُلقيَ عليه تبعاتِ كلِّ الأزْمةِ اللبنانيّة وفشلِ السنوات الثلاثين الأخيرة. هذا أفضلُ أسلوبٍ للتغطيةِ على الفاسدين الحقيقيّين وتهريبِهم من وجهِ العدالة، وأقصر طريق لضرب ما بقي من النظام المصرفيّ اللبنانيّ، وتعريض بعض المصارف للإفلاس، وضياع أموال المودعين”.

وتوجه إلى المسؤولين السياسيين بضرورة التوقف عن سياسة “اختلاق الأخبار والشائعات والإساءات وضرب مؤسسات معينة الواحدة تلو الأخرى في إطار مخطط إنقلابي، والإضرار بسمعة لبنان والنقد اللبناني والمصرف المركزي والجيش والقضاء”، راسماً معادلة ثلاثية تقوم على “الاستقرار والأمن والعدالة” في مواجهة كل الثلاثيات الخشبية التي تعمل على تقويض الاستقرار الهشّ في البلد وزعزعة مؤسساته الأمنية والقضائية الشرعية.

وغداً الثلاثاء، تتجه الأنظار إلى المقابلة التي يجريها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مع قناة “العالم” الإيرانية والتي سيحتل الحيّز الأكبر منها تمجيده بالثورة الإسلامية في إيران وامتداداتها الإقليمية ودور المرشد المؤسس الإمام الخميني في تصدير الثورة إلى خارج الحدود الإيرانية عبر أذرع عسكرية يقف “حزب الله” في مقدمة صفوفها المقاتلة في لبنان والمنطقة.

ولوحظ قبل إطلالة نصرالله على التلفزيون الإيراني، تصعيد مسؤولي الحزب نبرة العداء للعرب، فاتهمهم رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين بالتآمر والخيانة وبأنهم “أذلاء في المنطقة”، وقال: “اليوم نحن أقوى ومنتصرون، فهل يتخيل هؤلاء أننا سنقبل السير بركب التطبيع وأخذ لبنان إلى ضفة الاستسلام والخضوع؟”.

وعلى النمط عينه، هاجم عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق ما وصفها بـ”العروبة الأميركية المتحالفة مع العدو الإسرائيلي التي تريد جرّ لبنان إلى خندق العمالة”، مصوّباً سهامه بشكل خاص على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، كما شبّه اللبنانيين المعارضين في الداخل بـ”المرتزقة لأدوات السفارات” وتوعد بانهم لن يغيروا “مثقال ذرة من معادلة المقاومة، لأنّ “حزب الله” أصبح عام 2022 أكثر قوة شعبياً وسياسياً وعسكرياً”.

شارك المقال