وجع الناس بين “القصريْن”… وغضب شيعي من التطبيع عبر الترسيم

لبنان الكبير

على وقع صرخات أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين من انفجار مرفأ بيروت الذين اقتحموا “قصر العدل” احتجاجا على المماطلة في التحقيق، كان “قصر بعبدا” يشهد تمرير مشروع “موازنة تصحيحية لمرحلة انتقالية” بعجز يبلغ 7000 مليار ليرة، وبعيوب ضريبية، تحت مسمّى رسوم بدل خدمات، تنذر بأنها ستبقى من دون سند خصوصاً لدى مثولها أمام مجلس النواب في “توقيت انتخابي” يرفع حماوة المواقف الشعبوية الانتهازية.

وبين القصرين، استمرت الخضّات الارتدادية لخطابي السيد حسن نصرالله والكاردينال بشارة الراعي، اللذين تأرجحا بين استحضار أسباب الانهيار الكامل للبلد وبين مقوّمات الإنقاذ، فيما “ذمة” الوسيط الأميركي في ترسيم الحدود آموس هوكشتاين تنذر بضخ طاقة مسمومة في خطوط الود المفقود بين الرئاستين الأولى والثانية وسط معطيات عن استياء “الثنائي الشيعي” من الاندفاع العوني لمقايضة الحقوق النفطية بتبييض صفحة “دلّوع العهد” جبران باسيل أميركياً علّ حظوظه الرئاسية المعدومة تتحسن.

فقد علم موقع “لبنان الكبير” أن “الثنائي الشيعي” لم يستسِغ ما يقوم به رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بملف ترسيم الحدود، وتحديدا فكرة إلغاء الخطوط واللجوء إلى “الشراكة الاستثمارية”، وهي فكرة طرحها باسيل ورحّبت بها اسرائيل، لكنها أضعفت موقف لبنان الرسمي لمصلحة العدو الاسرائيلي.

وقالت أوساط الثنائي لـ”لبنان الكبير” ان المزايدة التي أثارها العهد بموضوع المرسوم 6433، وأطلق أبواقه من أجلها، هدفها حشر الموقف اللبناني بالزاوية، والعودة إلى فكرة “الشراكة الاستثمارية” التي يريدها باسيل، كي تكون ورقة تقديم أوراق اعتماده إلى الإدارة الأميركية، علّه يكسب نقاطا معها من أجل مستقبله السياسي.

وأعربت هذه الأوساط عن أسفها لأن يصبح التطبيع مادة لتحسين مواقع سياسية، مؤكدة أن “هذا الأمر لن يمر ولو اقتضى استعمال القوة”.

هوكشتاين من بيروت الى اسرائيل: النقطة 23 او توقّف المفاوضات؟

وغادر هوكشتاين الى إسرائيل لوضع المسؤولين في تل ابيب في حصيلة اجتماعاته في بيروت. ويفترض ان يأتي الجواب اللبناني على مقترحاته بعد اسبوعين اي ان الوقت ضاغط والموفد يريد رداً سريعاً: فإما يسير لبنان باقتراح هوكشتاين، اي النقطة ٢٣ مع بعض التعديلات، او إن الوساطة الاميركية قد تتوقف.

ونقلت الأوساط عن مصادر مطّلعة أن هناك ضغطاً دولياً وليس فقط أميركياً، لإيجاد حل سريع لمسألة ترسيم الحدود بين بيروت وتل ابيب.

ورأى هوكشتاين، خلال لقاء نظمته مؤسسة مي شدياق، أنه “يمكن أن تستمر المفاوضات لفترة طويلة حتى تحدث لحظة حرجة عندما يفهم الجميع ويقرر أن هذا هو الوقت المناسب ليس بالنسبة الى زيادة النفوذ، وليس بالنسبة الى طرف أو آخر لمحاولة تقوية نفوذه. كل هذا متوقع. أنا منذ اعوام كوسيط ولكن أحيانا أكون لاعبا في المفاوضات، ولذا فهمت ذلك. لكن مرت 10 أعوام. ونحن الآن في نهاية هذه العملية، ونحن في حاجة إلى الوصول إلى نقطة حيث يقرر الأطراف أنهم يريدون حلا ولهذا أتيت إلى هنا في تشرين الثاني، وذهبت إلى تل أبيب والقدس. وعدت إلى هنا الآن لأرى ما إذا كان الطرفان يريدان اتفاقا. إذا كانوا يريدون الاستمرار في المفاوضات، فلا بأس بذلك. لكن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى أن تكون جزءا من ذلك بالضرورة. لذلك أعتقد أن هناك فرصة سانحة الآن. أعتقد أننا قمنا بتضييق الفجوات وأنه يمكننا التوصل إلى اتفاق. لكن في نهاية المطاف، الولايات المتحدة ليست طرفا فيه”.

وقال: “على لبنان أن يقرر ان كان يريد اتفاقا مع إسرائيل، حتى يتمكن من الدخول في أعمال الاستكشاف، والحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، وعلى النشاط الاقتصادي، وفي نهاية المطاف الحصول على الموارد الخاصة. ولديها نوعان من الموارد، الغاز الذي يمكن أن يأتي من المحيط والشمس والرياح وهي الى تسخير”.

“موازنة تصحيحية لمرحلة انتقالية”

أما وقد أُقر مشروع موازنة العام 2022 بصيغته المعدلة، فان الكثير من الملاحظات يمكن أن نوردها منها:

– إن الموازنة بصيغتها الراهنة لا يمكن أن تكون “تصحيحية” وفق ما وصّفتها فذلكة الموازنة. فهي جاءت وفق عملية حسابية للتوازن بين النفقات والايرادات بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي العام. وهو ما أكده الرئيس نجيب ميقاتي حين قال ان الإيرادات باتت توازي النفقات تقريبا مع مبلغ 7000 مليار لاحتياطي الموازنة.

– استفاضت الموازنة في زيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة بشكل واسع وفرض رسم 3% على الاستيراد ممّا سيعزّز الضغوط التضخمية.

– انها موازنة غير شاملة، بمعنى انها لا تتضمّن الإنفاق الإستثماري الذي سيتمّ تمويله من الخارج بقروض من البنك الدولي وجهات مانحة أخرى.

– المواد التي تضمّنها مشروع الموازنة لا يمكن أن تؤدي الى تحقيق الاستقرار بالاقتصاد الكلي والتعافي المالي والنقدي كما جاء في الفذلكة. اذ لا يوجد خريطة طريق عن كيفية معالجة مسألة الدين العام أو الآلية الواجب اتباعها لخفض العجز الى الناتج المحلي.

– لا يمكن ان تساهم هذه الموازنة في تحقيق توقعات الحكومة بأن يسجل النمو الاقتصادي الحقيقي نسبة 3 في المئة هذا العام، ولا سيما أن الدولار الجمركي الذي سيكون على أساس سعر منصة صيرفة سيؤدي الى رفع كبير للأسعار في مقابل تقلّص الاستيراد. وبالتالي لن تكون الحكومة قادرة على تأمين الايرادات المفترض جبايتها من هذا الباب.

على اي حال، فان ميقاتي أقر بان الدولار الجمركي سيؤدي الى زيادة سعر السلع وإنْ بين 3 و5%. كما أقر بان هناك تخوفاً من التهريب من دون تضمين الموازنة أي خطة لمواجهة هذا الامر.

مصادر مالية قالت لـ”لبنان الكبير” إن من شأن رفع الدولار الجمركي أن يؤدي حكماً الى تقلّص الاستيراد، لأنّ القدرة الشرائية للمواطنين باتت متدنية جداً ولم يُصَر الى تصحيح للأجور، بل اكتفت الحكومة بمنح مساعدات مالية هزيلة بسيطة. ونبّهت الى أن الخشية الحقيقية تكمن في ازدهار اعمال التهريب. فإذا كان المهرّب استفاد من الدولار الجمركي المخفّض ليشرّع عمله، سيعود حتماً الى التهريب بقوة متى ارتفعت الأسعار. وفي هذه الحالة ينمو التهريب على حساب الاقتصاد الشرعي.

لقد كان لافتاً ومستهجناً تصريح ميقاتي بعد انتهاء الجلسة حين قال: “ما بقى نقدر نعطي كهربا ببلاش وإتصالات ببلاش لان ما بقى في مصاري… وإذا قال المواطن أموالي في المصارف سنقول له معك حق بس بدنا نتحمل بعضنا”. فكيف تطلب الحكومة من المواطنين أن يتحملوا فيما غسلت يديها عن تحمل مسؤولياتها في توفير أدنى مقومات شبكات الحماية الاجتماعية؟ وكيف سيتحمل المودعون الذين تحمّلهم خطة التعافي الجزء الاكبر من الخسائر المالية على حساب المصارف؟.

وبتناول ميقاتي عدم القدرة على تأمين الكهرباء والاتصالات “ببلاش”، علم “لبنان الكبير” أن الحكومة تخطط لمضاعفة كلفة خدماتها خمس مرات على الأقل. فكيف يمكن للمواطن ان يتحمل هذه الفاتورة من دون تصحيح لأجره. علما أنه في المقابل، ستكون لعملية تصحيح الاجور والرواتب تداعياتها السلبية على الموازنة اذا لم يُصر الى تأمين تمويل له.

أما اعتبار ميقاتي أنه “علينا ان نحصل على توقيع صندوق النقد الدولي للحصول مجدداً على الدعم الخارجي”، يعني أن الدعم الخارجي مهدد بعدم المجيء الى لبنان ولا سيما أن المشاورات الأولية بين لبنان وصندوق النقد الدولي للوصول الى برنامج تعاون مهددة بالتوقف. فالمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا انتقدت خطة الحكومة وقالت إنها تحمّل المودع النسبة الكبرى من الخسائر فيما تحيّد المسؤولين المتسببين بها.

كذلك، كان مستغرباً ما قاله عون في مستهل الجلسة والذي يبيّن عدم رضاه عن الموازنة. اذ قال “إن طرح صندوق النقد ضرورة إعادة النظر بالنظام الضريبي ليطال الصحن الضريبي بشكل تصاعدي مما يحقق العدالة الضريبية ويحسن مستوى الإيرادات. اما مشروع الموازنة فلا يطرح أي توجهات إصلاحية بما يخص النظام الضرائبي ويكتفي برفع الإيرادات على بعض الأبواب التقليدية في الموازنة”.

على أي حال أبرز ما تضمنه مشروع الموازنة:

– الدولار الجمركي سيكون على سعر صيرفة وسيعلنه وزير المالية شهريا مع الأخذ بعين الإعتبار إلغاء الرسوم الجمركية عن الأدوية وعن أي سلعة غذائية.

– 400 مليار ليرة للشق الاجتماعي تتضمن تعويضات للمتضررين من انفجار مرفأ بيروت.

– إعطاء شهر عن كل شهر عمل لموظفي القطاع العام لا تقل عن مليوني ليرة ولا تزيد عن 6، واعطاء للمتقاعدين راتب عن كل شهر.

– رسوم بدل خدمات كسعر السجل العدلي الذي أصبح 15 ألف ليرة.

– تصحيح الضرائب والرسوم في الموازنة بناء على سعر الصرف.

تصعيد الاهالي

اعتصم أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين من انفجار مرفأ بيروت، أمام قصر العدل في بيروت، ورفعوا لافتات وأعلاما لبنانية وصور الشهداء وأقفلوا مداخل قصر العدل. وبعد تدافع مع عناصر قوى الأمن نجح الاهالي في الدخول الى قصر العدل فافترشوا ارض الباحة معلنين “اننا باقون هنا الى ان نأخذ الجواب المناسب”.على الاثر، التقى وفدٌ من أهالي ضحايا تفجير ٤ آب رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود، الذي طمأنهم إلى حسن سير عمل القضاء، ونفى معلومة تقاعد القاضية رولا المصري نهاية الشهر الجاري، طالبًا منهم مغادرة القصر.

وكان الاهالي طالبوا بـ”دعم العدالة والإسراع ببت طلبات الردّ التي تعرقل مسار التحقيق ومسار العدالة، ودعم القاضي العدلي طارق بيطار لاستئناف عمله وتحقيقاته بعد كفّ يده لمدة شهرين بسبب بت طلبات الرد”. كذلك طالبوا القاضية رولا المصري بـ”عدم تمييع قضيتهم من خلال التأخير في البت بهذا الموضوع”.

شارك المقال